قال الكاتب والمفكر المغربي حسن أوريد إنَّ المجتمع المغربي يشهد دينامية لافتة في السنوات الأخيرة، ويتطوّر، تدريجيا، نحو الحداثة، مُستشهدا بالتغيُّر الملحوظ الذي طال خطاب الدولة، وكذا الجماعات الإسلامية، في الشقِّ المتعلق بالدين. وضربَ أوريد مثلا بفتوى صادرة عن المجلس العلمي الأعلى قبل أربع سنوات، جاء فيها أنّ حُكم المرتدَّ هو القتل، لتعودَ المؤسسة نفسُها قبلَ شهرين من الآن إلى التراجُع عن فتواها السابقة؛ وعزا هذا التحوُّل إلى "الضغط الذي تفرضه تحوّلات المجتمع". أوريد، الذي حلَّ ضيفا على جمعية سلا-المستقبل والخزانة العلمية الصبيحية بمدينة سلا، مساء اليوم الأربعاء، ضمن "سلسلة لقاءات المعرفة"، قال إنّ "إرساءَ أسس الحداثة لا يُمكن أن يتحقّق إلا بالقطيعة مع التقليد، دون أنْ يعني ذلك القضاء على التقاليد". ويرى مؤرّخ المملكة السابق أنَّ المدخل الرئيسي للمغاربة نحو الحداثة هو القطع مع التبعية للشرق، قائلا: "علينا أنْ نتعلّم السباحة اعتمادا على أنفسنا..ونحن قادرون على الخوض في يمِّ الحداثة؛ فلدينا نُخب فكرية مؤهّلة، ودينامية مجتمعية نشطة جدا". وإذا كانَ لا مناصَ من الحداثة، فإنّ المعتقدات الدينية وغيرها، والتي تتوارثُها الأجيال، ضروريّة وأساسية بدورها، في نظر أوريد؛ ذلك أنّها تشدُّ لُحمة المجتمع، وزاد موضحا: "لا بُدّ للمجتمع أن يُؤمن بشيء ما"، لكنّه أكّد أنّ "المجتمعات لا يُمكن أن تتقدّم بالمعتقدات". ويرى أوريد أنَّ الوسيلة الناجعة لتقدُّم المجتمع هي الفكر، مضيفا: "لا يُمكن لمجتمع ما أن يفكّر مكان مجتمع آخر"، ومُعتبرا أنَّ "حتّى التكنوقراط، المتخصصين في التقنيات في شتى المجالات، كالاقتصاد والطبّ والصناعة...لا يمكن أن يقودوا قطار الحداثة"، وزاد: "هذه المهمة لا يُمكن أن ينهض بها إلا أهل الفكر". وعادَ أوريد إلى تأكيد الآراء التي عبّر عنها في كتابه "الإسلام السياسي في الميزان: حالة المغرب"، حيث اعتبرَ أنّ استغلال الدين في السياسة يُفضي إلى مأزق، لكنَّه اعتبرَ أنّ هذه النتيجة مؤشّر على تطوُّرٍ ممكن للمجتمع؛ ذلك أنّ هذا "المأزق" قد يؤدي إلى انسلاخ الدين عن الشأن العام، ويصيرَ، بالتالي، شأنا شخصيا. وتوقّف أوريد عند خطاب الدولة، التي ظلّت تستعمل الدين لتكريس هيمنتها السياسية، لافتا إلى أنّ هذا الخطاب "تغيّر تماما"، وزاد: "هناك دفعة جديدة من تجلياتها ما ورد في رسالة الملك إلى المشاركين في ندوة المواطنة في شهر يناير 2016، إذ أكّد على أنّ المواطنة تسمو فوق كل الاعتبارات الإثنية والعقدية وغيرها..". هذا التغيّر، يُضيف أوريد، لم يطلْ خطاب الدولة فحسب، بل طال، أيضا، خطاب الجماعات والأحزاب الإسلامية، مثل "العدل والإحسان"، و"العدالة والتنمية"، الذي ما فتئ يؤكد أنه ليس حزبا إسلاميا، وكذا خطاب السلفيين، الذين كان عدد منهم يجهر بأفكار متطرفة، قبل أن يحدث تحول في خطابهم. وأبرز صاحب كتاب "الإسلامي السياسي في الميزان: حالة المغرب"، أنّ هذا يؤشر على "أننا لربما على مشارف تجربة جديدة، قد تفضي بنا إلى انسلاخ الدين عن الشأن العام، دون أن يعني ذلك أن ينسلخ عن الثقافة"، وزاد مستدركا: "لكن سوف يُصبح التعامل العام مبنيا على المصالح أو الصالح العام". وفي تحليله لخطاب الجماعات والأحزاب الإسلامية المغربية، قال أوريد إنّ جماعة العدل والإحسان تقول إنّها تريدُ "أسلمة الحداثة"، أي إفراغَها في قالب إسلامي؛ أما حزب "العدالة والتنمية" فقال المتحدث إنه "لمْ يَسلم من التناقضات بين الخطاب والممارسة". وتابع أوريد بأنّ خطاب الحزب في السابق كان خطابا أخلاقيا، "كان يكتسي طابعا تفتيشيا، وينبش في الحياة الشخصية للناس، ثم تطوَّر وأصبح يقول إنّ هناك خطوطا حمراء لا ينبغي الاقتراب منها، وهي الحرية الشخصية"؛ واعتبر هذا التحوّل في خطاب العدالة والتنمية "طريفا وغريبا". غير أنّ هذا التناقض، كما يقول أوريد، لا يُمكن النظر إليه كشيء سلبي، ما دامَ أنّه نفسه حامل لعناصر التخصيب المفضية إلى التغيير، موضحا أنَّ التطور يؤشر على أنّ هناك دينامية في المجتمع؛ "ذلك أنَّ الجماعات، كما هو الحال بالنسبة للأفراد، لا تتغيرُ من تلقاء نفسها، بل نتيجة التفاعل مع المجتمع"، وفق تعبيره.