محكمة دستورية منصبة في انتظار المصادقة على القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم دستورية القوانين يعتبر القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم دستورية القوانين من أهم القوانين في مجال الإصلاحات الدستورية، إذ يحدد شروط ومسطرة تطبيق مقتضيات الفصل 133 من الدستور، الذي يسند الاختصاص للمحكمة الدستورية للنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون أثير أثناء النظر في قضية. وأثار أحد الأطراف أن القانون الذي سيطبق في النزاع مخالف للدستور، إذ يمس بالحقوق والحريات. ولعل الارتقاء بالمجلس الدستوري إلى محكمة دستورية حجر زاويته ومحركه هو نص الدستور على الدفع بعدم دستورية القوانين، إذ هو حق دستوري جديد وغير مسبوق، ولم تنص عليه الدساتير الخمسة السابقة، 1962-1970-1972-1992-1996؛ لذلك فإن هذا المقتضى يجعل الدستور يسمو ويعلو على القاعدة القانونية الأدنى، كما أنه يمكن المواطن من المساهمة في تحصين حقوقه وحرياته والدفع بعدم دستورية قوانين شابتها تناقضات أو عدم المطابقة للدستور، ما ينجم عنه إشعاع الديمقراطية المواطنة وتحصين الحقوق والحريات وتنقيح المنظومة التشريعية. ويترتب عن الحكم بعدم دستورية قانون مطعون فيه زوال القاعدة القانونية من النظام القانوني. كما أن الأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية لا تقبل طرق الطعن، ولها حجية مطلقة وأثرها ينصرف إلى الجميع، وتلتزم به جميع السلطات الإدارية والقضائية للدولة، سواء انتهت هذه الأحكام إلى عدم دستورية النص التشريعي المطعون فيه أو إلى سلامته ومطابقته للدستور. نستنتج من ذلك أن الفصل 132 من الدستور الحالي أسند الاختصاص الكلاسيكي إلى المحكمة الدستورية؛ والذي كان مخولا للمجلس الدستوري في الدساتير السابقة المتعلق بالبت في صحة انتخاب أعضاء البرلمان وعمليات الاستفتاء، والبت في مطابقة القوانين التنظيمية للدستور والأنظمة الداخلية لمجلسي النواب والمستشارين. لكن المستجد الذي ارتقى بالمجلس إلى محكمة دستورية هو الفصل 133؛ الذي خولها بالإضافة إلى الاختصاصات الواردة في الفصل 130 اختصاصا جوهريا يعتبر من أهم الإصلاحات الدستورية، يتمثل في النظر في دفوعات الأطراف، أي المواطنين اللذين يواجهون بنصوص قانونية تمس حقوقهم وحرياتهم المضمونة بمقتضى الدستور؛ علما أن الجهات التي يمكن أن يثار أمامها الدفع بعدم الدستورية هي محاكم الموضوع ومحكمة النقض والمحكمة الدستورية، إذا تعلق الأمر بالطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان، وأن القضاء الدستوري مطالب بأحداث التوازن في سياسته القضائية بين مبادئ الشرعية الدستورية ومستلزمات الأمن القانوني واستقرار المراكز القانونية للأفراد. ولم تتم المصادقة إلى حد الآن على مشروع القانون التنظيمي الذي تم عرضه في الشهر الأخير من الولاية السابقة تماشيا مع الفصل 86 من الدستور، الذي يوجب عرض القوانين التنظيمية على البرلمان داخل أجل الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ الدستور..لكن ألم يكن من المنطقي ومن الأفيد أن تتم مناقشة والمصادقة على هذا القانون التنظيمي الجوهري مباشرة بعد المصادقة على القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم المحكمة الدستورية وسيرها والإجراءات المتبعة أمامها ووضعية أعضائها؟ ألم يتم الارتقاء بالمجلس الدستوري إلى محكمة دستورية لكون هذه الأخيرة أصبحت تختص بالنظر في الدفوعات المتعلقة بالدفع بعدم دستورية القوانين المثارة من الأطراف، وأن جلساتها علنية إلا في الحالات التي تقرر سرية الجلسات؟ وبذلك كان من الأجدر المصادقة على مشروع القانون الذي تماطلت الحكومة السابقة في إعداده وعرضه، بل لم تتم المصادقة عليه رغم جاهزيته. واليوم وبعد تعثر حكومي دام ستة أشهر وبقاء المشروع في الرفوف رغم إعداد النواب السابقين التعديلات بخصوصه قصد المصادقة عليه وتمكين المواطنين المتضررين من الدفع بعدم دستورية بعض القوانين المطبقة عليهم من طرف مختلف محاكم المملكة، وتعيين قضاة المحكمة الدستورية وتنصيبها، سيكون من الحيف والإجحاف بحقوق المواطن أن يستمر التهاون والتماطل في المصادقة على المشروع، خصوصا إذا علمنا أن الدراسات المقارنة أنجزت، وأن النقاط الشائكة نوقشت، سواء تعلق الأمر في هذا الشأن بعدم رجعية القوانين التي تعتبر مبدأ دستوريا لا يجوز الحياد عنه إلا إذا تعلق الأمر بالمصلحة العامة القصوى، أو ضرورة احترام الحقوق المكتسبة، أو وجوب التزام الدولة في التشريعات التي تصدرها بعدم مفاجأة الأفراد بنصوص قانونية مراعاة لفكرة التوقع المشروع والثقة، وأن محكمة النقض في المشروع تعتبر آلة تصفية، إذ يحال الدفع سواء أثير أمام محكمة أول درجة أو ثاني درجة إلى الرئيس الأول لمحكمة النقض التي ستتحقق من استيفاء الدفع للشروط القانونية وجديته قبل إحالته على المحكمة الدستورية؛ علما أن عملية التصفية من طرف محكمة النقض كانت محال انتقاد لاذع من طرف بعض أعضاء لجنة العدل والتشريع اللذين اقترحوا إزاحة محكمة النقض والتوجه مباشرة إلى المحكمة الدستورية دون حواجز. لذلك نلتمس ألا تستمر الحكومة في العناد والتشنج الذي طبع الولاية السابقة كلما تعلق الأمر بقوانين لها علاقة بالحقوق والحريات، وأن تتم المصادقة على هذا المشروع الجوهري في أقرب الآجال. *محامية - عضوة سابقة بلجنة العدل والتشريع