أقدم هنا ترجمة للفصل المتعلق بعقوبة الإعدام وهو فصل من كتاب " في الجرائم والعقوبات (1764)" للفيلسوف الإيطالي "سِيزاري بيكاريا" المتخصص في علم الجريمة والمشهور بأطروحته التي أدانت التعذيب وعقوبة الإعدام وكانت عملاً مؤسساً في مجال معاملة المجرمين. هدف ترجمة الفصل المذكور هو المساهمة، انطلاقا من المؤلفات العلمية الرصينة، في اثراء النقاش الجاد والمثمر الذي تشهده بلادنا حول ضرورة إلغاء عقوبة الإعدام. إليكم الترجمة: أمام هذا الكم الهائل من العقوبات القانونية التي لم تخدم أبدا الإنسانية، بحثت فيما إذا كانت عقوبة الإعدام عقوبة مفيدة حقا بالنسبة لحكومة رشيدة وفيما إذا كانت عادلة. تساءلت: ما جوهر هذا الحق الذي يسمح للإنسان بذبح أخيه الإنسان؟ إنه بالتأكيد ليس هو ذلك الجوهر الذي تتولد منه السيادة والقوانين، لأن هذه الأخيرة ليست سوى مجموع أجزاء صغيرة من حريات أفراد تنازلوا عنها لفائدة المجتمع، اتحاد إرادات فردية تنبثق منها، في آخر المطاف، الإرادة العامة. لكن، من كان يريد حقا أن يعطي الآخرين السلطة كي ينزعوا منه الحياة؟ كيف نفترض أن التنازل الذي يقدمه كل مواطن لجزء بسيط جدا من حريته لصالح الدولة يتضمن تنازلا عن أقدس شيء يملكه الإنسان؟ ثم إذا كان هذا الافتراض صحيحا، كيف نستطيع أن نوفقه مع الحكمة التي تمنع الانتحار؟ إما أن الإنسان له كامل الحق على حياته الخاصة، وإلا فلا حق له في التنازل لصالح أي كان، بما في ذلك الدولة، عن حق هو نفسه لا يملكه بالفعل. يتبين، إذن، أن عقوبة الإعدام لا ترتكز على أي حق، إنها فقط حرب معلنة تشنها الدولة على المواطن إذ تعتقد أنه من الضروري أو، على الأقل، من المفيد التخلص من ذلك المواطن. هدفي هنا إثبات ان قتل الدولة لأحد مواطنيها هو إجراء غير ضروري ولا يفيد مصالحها، إنْ توفقت في الوصول إليه أكون قد ساهمت في جعل الإنسانية تكسب قضية من قضاياها العادلة. هناك حالتين يقال إنهما تُبرران إعدام مواطن ما: أولا، في الأوقات العصيبة عندما تكون دولة ما على وشك استعادة أو فقدان حريتها، أي في أوقات الفوضى عندما تتعطل القوانين وينتشر الارتباك. في هذه الحالة، إذا كان مواطن ما، على الرغم من اعتقاله وحرمانه من حريته لا يزال، من خلال علاقاته وتأثيره، يستطيع جلب الضرر على الأمن العام والتسبب في ثورة خطيرة على الحكومة القائمة، فإن إعدامه يصبح ضروريا. لكن، ثانيا، عندما يكون هناك سير عادي للقانون، وأوامر تصدر عن حكومة شرعية اختارها الشعب بنفسه في إطار دولة قوية تحترم الاختلاف في الرأي ولا تخشى أي خطر سواء من الخارج أو من الداخل، دولة يمارس فيها الحاكم شخصيا اختصاصاته بالفعل ولا تستطيع فيها الثروة ان تشتري سوى الملذات وليس السلطة. عندما تتحقق هذه الشروط لا يمكن ان تكون هناك أدنى ضرورة للحكم بالإعدام على أي مواطن، اللهما إذا كان هذا الحكم هو الحل الوحيد لمنع وقوع جرائم أفظع. في هذه الحالة يمكن السماح بعقوبة الإعدام وجعلها ضرورية. درس التاريخ يثبت أن عقوبة الإعدام لم تثني أبدا القتلة السفاكين من الاستمرار في إلحاق الضرر. هذه الحقيقية تؤكدها تجربة الرومان وكذلك تجربة العشرون سنة من حكم إمبراطورة روسيا اليزابيث ذات القلب الرحيم. يشك الإنسان دائما في منطق العقل ولا يعترف إلا بالتقاليد وبالتالي يرفض هذه الحقائق والمبادئ البديهية، يكفيه أن يسأل الطبيعة ويستشير قلبه لكي يقتنع بها. تأثير صرامة العقوبة على العقل البشري أقل بكثير من تأثير مدة العقوبة، لأن تأثير الأحاسيس الخفيفة المتكررة على شعورنا أسهل وأدوم بكثير من تأثير الهزة القوية العابرة. كل كائن ذو شعور يخضع لسلطة الإعادة والتكرار، وبما أن هذه السلطة هي التي تُعلم الإنسان أن يتكلم، أن يمشي وأن يلبي حاجيته، فأيضا هي التي تنقش في قلبه الأفكار الأخلاقية بالتأثير المتكرر. المشهد المروع لإعدام قاتل شرير مشهد لا يدوم سوى لِلحظة وبالتالي فهو رادع أضعف من مشهد رجل محروم من حريته لمدة طويلة وبدون انقطاع حتى أصبح ضامرا تظهر عظام جسده من شدة الأعمال الشاقة التي ينفذها لجبر الضرر الذي سببه للمجتمع. لا مناص من أن المُشاهد سيردد على نفسه العبارة التالية: "إنْ أقدمت على ارتكاب جريمة، ستكون مثل هذه الحالة البئيسة مصيري إلى الأبد". هذا التصور الرهيب سيبث الرعب في الأذهان أكثر من الخوف من الموت، إذ أن حدث الموت لا نستطيع تصوره إلا للحظة وجيزة وبمنتهى الغموض مما يُضعف الرعب الذي يمكن أن ينتج عنه. الانطباع الذي تولده مشاهدة العقوبات الشديدة لا يمكن ان ينفلت من تأثير الزمن والإحساس. تنمحي، بعد وقت وجيز، الأشياء الأكثر وقعاً من ذاكرة الناس بفعل ذلك التأثير. القاعدة العامة: العقوبة العنيفة صادمة للغاية، لكن تأثيرها لا يدوم. يجب، في ظل حكومة مسالمة وحرة، أن تكون العقوبات غير صادمة لكي ينتج عنها انطباعات زجرية مستدامة. ترى الأغلبية في تنفيذ عقوبة الإعدام مجرد عرض، بينما تعتبره الأقلية موضوعا يثير الشفقة والاستنكار. هذين الإحساسين يشغلان ذهن المشاهد بدلا من الترهيب المفيد الذي هو الغرض من توقيع عقوبة الإعدام. لكن الآلام المعتدلة والمستمرة هي من تُحدِث في النفس الشعور فقط بالخوف. في الحالة الأولى، يحس مُشاهد تنفيذ الإعدام بما يحس به مُشاهد عرض درامي. وبما أن الإنسان البخيل لا يتحول فجأة إلى رجل كريم فإن الإنسان العنيف والظالم لا يقتلع فجأة عن ظلمه وجرائمه. إذن، على المُشرع أن يضع حدودا لدرجة صرامة العقوبة حتى لا تتحول إلى مجرد عرض درامي مُرتب لإبراز البطش وليس لمعاقبة الجريمة. لكي تكون عقوبة ما عادلة يجب ألا تتجاوز درجة صرامتها القدر الكافي لصد الناس عن ارتكاب الجريمة. لا يوجد إنسان يُعادل بين الجريمة، مهما تكن غنيمتها، وخطر فقدانه حريته إلى الأبد. لهذا، إذن، فالسجن المؤبد كعقوبة بديلة لعقوبة الإعدام لها من الصرامة ما يكفي لصرف أعتى المجرمين عن تنفيذ الجريمة. سأوضح أكثر: غالبا ما ننظر إلى الموت بعين الرضى والثبات، البعض بسبب التطرف والبعض الأخر بدافع الغرور الذي نتشبث به حتى الرمق الأخير. اليائس الذي أتعبته الحياة يرى في الموت وسيلةً تخلصه من بؤسه. لكن التعصب والغرور يتلاشيان عندما يُكبلان بالأغلال وراء القضبان في غياهب السجون، واليأس لا ينهي المشاكل، بل يجعلها تبدأ. تقاوم الروح الألم الشديد المؤقت وتمل وتنهار أمام دوام وتكرار عقوبة خفيفة. تتوحد كل قوى النفس ضد الألم العابر فتخفف من وطأته، لكنها تخر أمام عقوبة طويلة وثابتة. في بلد تستخدم فيه عقوبة الإعدام يجب، لكي يتجدد العرض العقابي، وقوع جريمة جديدة. أما السجن الأبدي لمُدان واحد فهو عبرة ثابتة ومتكررة تنتصب أمام أعين الشعب بدون انقطاع. إذا كان من المهم أن تظهر أثار سلطة القانون للناس بانتظام فيجب ان تتكرر العقوبات، أي يجب ان تتجدد الجرائم. هذا يثبت أن عقوبة الإعدام لا تخلق كل ذلك الانطباع الذي يجب أن تخلقه، وبالتالي فهي غير ضرورية عكس ما نظن. يمكن أن يقال ان السجن المؤبد هي أيضا عقوبة صارمة، بل ربما أقسى من الإعدام. جوابي هو: إذا استطعنا أن نجمع في نقطة واحدة جميع اللحظات البئيسة من حياة شخص محكوم عليه بالمؤبد، فسيكون ذلك أفظع أشكال التعذيب. ولكن، في الحقيقة، تلك اللحظات موزعة على كامل مدة حياته، بعكس الإعدام الذي يمارس كل قواه المؤلمة في لحظة واحدة. الوجه المفيد لعقوبة السجن المؤبد بالنسبة للمجتمع هي أنها تُرعب الشاهد عليها أكثر مما ترعب الشخص الذي يعانيها، لأن الأول يتصور مجموع لحظاتها البئيسة، في حين أن الثاني منشغل بالشعور البئيس الذي يعيشه في الحال عن كل اللحظات المؤلمة التي تنتظره في المآل. الخيال يُضخم الآلام. يجد الشخص الذي يعاني العزاء والطاقة في نفسه لأنها فقدت الإحساس بسبب تعودها على ارتكاب أفعال الشر، بعكس الشهود الذين يحكمون فقط بناءً على أحاسيسهم العادية. التربية الجيدة هي فقط من تُعلم الإنسان أن يطور مشاعره وأن يتحكم فيها. لكن، على الرغم من أن الأشرار لا يدركون المبادئ التي تتحكم في مشاعرهم إلا أن تصرفاتهم تتبع مسارا لا يخلو من منطق معين. إليكم الكيفية التي يفكر بها القاتل أو اللص الذي لم يثنيه عن الجريمة إلا خوفه من حبل المشنقة أو عجلة الانهيار (العجلة التي يُربط إليها الشخص المُدان وتُدار حتى مقتله): "ما هي هذه القوانين التي يتحتم علي احترامها و قد تركت بيني و بين الأغنياء فجوة كبيرة؟ يرفض الثري بشدة الطلب الطفيف الذي اطالبه به بينما يرهقني بالعمل الذي لم يتذوق مرارته أبدا. من يصنع هذه القوانين؟ يصنعها الرجال الأغنياء والأقوياء الذين لم يزوروا أبدا كوخ الفقير البائس، ولم يروه قط يوزع خبزا حافيا على أولاده الجوعى المساكين وعلى أمهم الثكلى. لنقم بخرق العهود التي تخدم الطغاة الجبناء وتستعبد الأغلبية. لنقضي على الظلم من مصدره. نعم، سأعود إلى حالتي الطبيعية المستقلة، سأعيش حرا وسأتذوق لبعض الوقت ثمار نباهتي وشجاعتي. سأقوم على رأس عدد قليل من الرجال ذوي التصميم مثلي بتصحيح اختلالات الثروة، سأرى الطغاة يرتجفون ويشحبون كما ارتجف وشحب من رمت به ابهتهم الوقحة تحت حفير خيولهم وبين أنياب كلابهم. ربما سيأتي وقت الألم والتوبة لكنه سيكون قصيرا ولن يستغرق أكثر من يوم من المعاناة، لكن سأكون يومئذ قد استمتعت لعدة سنوات من الحرية ورغد العيش." إذا استحضر ذهن هذا الشقي تعاليم الدين فلن ترعبه البتة، بل، بالعكس، ستخفف من روعه تجاه عقوبة الإعدام وتمنحه الأمل في التوبة وفي السعادة الأبدية التي تضمنها تلك الثوبة. لكن الشخص الذي أمامه عدة سنوات، بل حياته بالكامل سيقضيها سجينا متألما، متعرضا لسخرية مواطنيه الذين كان متساويا معهم، وعبدا للقوانين التي كانت تحميه، سيُقارن بدقة بين المشاكل التي يعانيها اليوم والعواقب الوخيمة التي تنتظره، فنجاح الجريمة غير مضمون والتمتع بغنيمتها لا يدوم طويلا. حالة التعساء المتهورين، المحكوم عليهم بالسجن المؤبد، تصدمه أكثر من العقوبات الشديدة العابرة التي يمكن أن تجعله أكثر عزما من أن تقوِّم اعوجاجه. عقوبة الإعدام هي أشد العقوبات العابرة، وبالتالي أكثر وبالا على المجتمع بسبب عروض الرعب والقسوة التي تقدمها أمام الناس. النوازع والحروب علمت الإنسان سفك دم أخيه الإنسان، لكن هل القوانين، التي هدفها تهذيب الأخلاق، يجب أن تزيد الأمر سوءا وهمجية، خاصة أنها تُفصِّل أكثر في الأدوات والشكليات الرهيبة المُصاحبة للإعدام؟ القوانين تعبير عن الإرادة العامة، تمقت وتعاقب جريمة القتل. إذن، أليس سخيفا أن نسمح لها بأن تأمر بالإعدام بهدف ردع المواطنين عن القتل؟ ما هي القوانين الأكثر عدلا وأكثر فائدة؟ إنها تلك التي يقترحها الجميع ويلتزم بها الجميع، خصوصا في تلك اللحظات التي تتوارى فيها المصلحة الخاصة أو تتماهى مع المصلحة العامة. ما هو الشعور العام حول عقوبة الإعدام؟ إنه يتجلى بوضوح في حركات السخط والازدراء اللذين نشعر بهما بمجرد رؤية الجلاد الذي، بالرغم من ذلك، ليس سوى مُنفذا بريئا للإرادة العامة ومواطنا نزيها يساهم في الصالح العام ويدافع عن أمن الدولة الداخلي تماما كما يدافع الجندي عن أمنها الخارجي. ما هو أصل هذا التناقض؟ لماذا نحس بالاشمئزاز تجاه كل منطق يدافع عن الإعدام؟ لأنه، في جزء ناءِ من نفوسنا، في مكان لاتزال فيه مبادئنا الفطرية سليمة لم يُعبث بها بعدُ، يوجد شعور يصرخ في وجوهنا بأنْ ليس لأي إنسان حق مشروع على حياة إنسان آخر، وأن القدر، الباسط سُلطانه على كل شيء، هو وحده فقط من يتحكم في وجودنا من عدمه. ماذا يتعين علينا أن نفكر فيه عندما نرى وزير عدلِ محترم وقاض حكيم يترأسون بهدوء ولامبالاة طقوس إعدام مُدان ما؟ فبينما ينتظر هذا التعيس بتشنج وقلق عظيمين الضربة القاتلة، نرى القاضي الذي حكم عليه يغادر المنصة بكل برودة أعصاب ويذهب ليتذوق في سلام طعم مباهج ومتع الحياة، وربما هنأ نفسه واستشعر الرضى بما قام به. إذن، أليست قوانين الإعدام سوى قناعا للطغيان، أليست الإجراءات القضائية القاسية والمتعمدة سوى ذريعة لذبحنا جميعا بعيدا عن كل مُساءلة، وجعلنا ضحايا تُقدم قرابينا للاستبداد المفترس؟ القتل الذي يُصور لنا كجريمة مروعة، نراه يُرتكب أمام اعيينا بكل برودة وبلا أدنى ندم. هل بمقدورنا التخلص من هذا المشهد؟ يُقال لنا بأن الإعدام عرض مروع ولا يدوم سوى لحظة قصيرة وأن الحضور لمشاهدته شجاعة تجنب الألم. هذه الاستنتاجات البئيسة والكارثية هي التي تجعل الذهنية المقبلة على ارتكاب الجريمة تتمادى في غيها، تلك الذهنية التي يتحكم فيها سوء استعمال الدين أكثر مما يتحكم فيها الدين نفسه. التاريخ البشري بحر شاسع من الأخطاء حيث تطفو هنا وهناك بعض الحقائق الغير واضحة المعالم. تبرير الإعدام بناءً على نماذج الأمم الكثيرة التي كانت، عبر مختلف مراحل التاريخ، تحكم به على مرتكبي بعض الجرائم هو تبرير واهِ، لأن هذه النماذج لا تساوي شيئا أمام الحقيقة التي حان الوقت للاعتراف بها. هل سنبقى نوافق على التضحية بالحياة البشرية لأن ذلك كان، عموما، تصرفا عاديا لدى الشعوب الناشئة؟ ولكن إن عثرت على بعض الشعوب التي صدت نفسها، ولو لفترة قصيرة، عن استخدام عقوبة الإعدام، فأنني سأنتصر بكل قناعة لموقفها، لأن مصير الحقائق العظيمة ألا يلمع نورها إلا للحظة خاطفة كما يلمع البرق في ثنايا الظلام الحالك الذي يغشى البشرية جمعاء. لم يحن بعد ذلك الزمن السعيد الذي ستسود فيه الحقيقة ويُطرد منه الخطأ، الزمن الذي لن تبقى فيه الحقائق المُنزلة هي فقط ما يُنير طريق البشرية. أدرك مدى ضعف صوت الفيلسوف وسط صراخ المتعصبين للأحكام المسبقة. ولكن، صوتي سيصل إلى كل الحكماء أينما وجدوا على سطح الأرض، وستصادق قلوبهم على جهودي. وإذا، على الرغم من كل العقبات التي تحول بيننا وبين العرش، نجحت الحقيقة في الوصول إلى آذان الأمراء، فليعلموا أن هذه الحقيقة تباركها البشرية جمعاء وليعلموا، أيضا، أنهم إن صانوا تلك الحقيقة المقدسة فإن مجدهم سيفوق مجد الفاتحين الأكثر شهرة، وستضع الأجيال القادمة المنصفة أسمائهم على رأس لائحة العظماء. طوبى للبشرية بالقوانين العادلة وباعتلاء أمراء رُحماء لعروش أوروبا، أمراء ذوي الفضيلة، حماة العلوم والفنون، إنهم آباء شعوبهم، بل مواطنون يضعون تيجانا. أمراء يعززون سلطتهم عن طريق العمل الحثيث لإسعاد مواطنيهم من خلال تفكيك بنيات الاستبداد البيني، ذلك الاستبداد الذي يقف بينهم وبين شعوبهم والذي يتميز بكونه أكثر شراسة كلما كان أقل تمكينا. أمراء يشنون حربا على الطغاة الصغار الذين يعترضون رغبات الشعب ويمنعونها من الوصول إلى العرش حيث سُتلبى. عندما ندرك أن سبب إبقاء هؤلاء الأمراء على القوانين المعيبة هو الصعوبة الجمة التي تعترضهم في إصلاح أخطاء مستعصية تم اعتمادها منذ قرون برعاية الأشخاص المغرضين، النافذين، الذين تخدمهم تلك القوانين الخاطئة، فيجب على كل مواطن مستنير أن تحدوه الرغبة القوية في تدعيم سلطة المؤسسات السيادية بهدف أن تصبح قادرة بالفعل على إصلاح أي تشريع فاسد كارثي.