على بُعد 13 كيلومترا شمال مدينة أكادير، بجانب أمواج المحيط الأطلسي، يوجد المركز القروي لأورير المشتهر بزراعة الموز، التي ظهرت أواسط الثلاثينيات من القرن الماضي بفضل القايد سعيد أوتڭزيرين، ليصبح الموز البلدي مع مرور العقود أهم زراعة بالمنطقة، وإحدى أهم الأمور التي تعطي إشعاعا وطنيا لأورير ونواحيها. كما أن عددا كبيرا من القاطنين بالمدن المجاورة، خاصة أكادير، لا يعني أورير بالنسبة إليهم سوى "الطواجن"؛ فكثيرة هي الأسر التي تقصده المركز سالف الذكر من أجل تناول الطعام في المقاهي المرتبة بجانب الطريق الرئيسة. حركة المرور الكثيفة، وازدحام الباعة في جنبات الطريق، وذهاب المواطنين ومجيئهم في الشارع الرئيسي الوحيد... كلها مؤشرات تظهر الرواج التجاري الذي يعرفه أورير، ويلاحظه كل من مر من المنطقة في اتجاه إيموزار أو في اتجاه الصويرة؛ لكن هذا الرواج الظاهر والحركة النشيطة تخفي وراءها مشاكل كثيرة عمّرت طويلا وطال انتظار الساكنة في أن يجد لها المسؤولون حلا، بحسب ما استقته جريدة هسبريس الإلكترونية. غياب الواد الحار والأمن يشكل المركز القروي لأورير حالة فريدة في المغرب، ليس لأن المنازل غير مرتبطة بقنوات الصرف الصحي، وليس لأن الأزقة ممتلئة بالمياه العادمة والروائح الكريهة التي تنبعت من الفضلات، ولا بآبار المراحيض التي تعتمدها المنازل والمؤسسات للتخلص من مياهها العادمة وفضلاتها؛ لكن الاستثناء في كون ساكنة أورير تدفع من مالها ثمن خدمة توفير الواد الحار منذ ما يزيد عن 14 سنة دون أن تستفيد من هذه الخدمة إلى الآن. جامع فرضي، رئيس فيدرالية الجنوب لجمعيات حماية المستهلك بالمغرب، يقول إن "المواطنين بأورير وقعوا ضحية عدم التزام الشركة المسؤولة عن توفير قنوات التطهير الصحي. يدفعون رسوما وتكاليف لقاء هذه الخدمات؛ لكنهم في الواقع اليومي لا يستفيد منها، إلى حد الآن. وهذا أمر مخالف للقانون رقم 3108 المنظم لجمعيات حماية المستهلك، والذي يمنع على المورد أن يستخلص مبلغا ماليا من المستهلك دون أن يقدم إليه خدمة". ويضيف فرضي، في تصريح لهسبريس الإلكترونية، إن "سكان أورير في هذه الحالة يحق لهم أن يرفعوا دعوى قضائية ضد الوكالة المعنية"، مستطردا بالقول إن "جمعية أفولكي لحماية المستهلك سبق لها أن عقدت، في بداية سنة 2015، لقاء تواصليا حضره بعض المواطنين والبرلمانيين والمنتخبين ومسؤولي الوكالة المعنية بخصوص مشروع الواد الحار الذي تأخر كثيرا. وقد تلقينا، وقتها، وعدا من مسؤول هذه الوكالة المسؤولة بتوفير التطهير الصحي في غضون 2017، في جميع الأحياء السكنية دون إغفال أي واحد؛ إلا أن ذلك لم يتحقق، بل إن تحرير مسار القنوات بقي معلقا، كما أن هناك أحياء لم يشملها المشروع في انتظار تحرير مسار قنوات الصرف الصحي، خاصة تلك التي ستعبر الطريق المؤدية نحو إمي مكي، أي الشطر الرابع". ولم يفت جامع فرضي، الذي يقطن بجماعة أورير، أن يدق ناقوس الخطر فيما يتعلق ب"ضعف الأمن في أحياء أورير"، إذ أكد المتحدث وهو رئيس المكتب الإقليمي للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أن "الوضعية الجغرافية لأورير والبناء العشوائي الذي ظهر في 2011، إضافة إلى الجبال وأشجار الموز والزيتون، وقلة عدد رجال الدرك، كلها عوامل أدت إلى استحالة فرض الأمن التام بأورير". وزاد الحقوقي نفسه أن "المتسكعين يتخذون الأماكن المهجورة ملاذا لهم، ويعتدون على المواطنين ليلا ونهارا؛ بل إن تجارة المخدرات بأنواعها تنشط حتى بجانب المؤسسات التعليمية. ولا يخفى ما يصاحب ذلك من تهديد المواطنين بالأسلحة البيضاء؛ فقد تعرض حارس إعدادية الموز مؤخرا لاعتداء بسيف، كاد يعرضه لبتر يده ولا يزال الفاعل حرا طليقا". وضعية الأمن بأورير يرجعها جامع فرضي إلى "عدد السكان المتزايد بشكل كبير، والعدد غير الكافي لرجال الدرك بالرغم الجهود المبذولة، وكذلك عدم توفر الجماعة على مركز للدرك؛ فالمركز موجود في تاغزوت، ذلك أن وضعية أورير تتطلب إحداث مركز للأمن للسهر على أمن المواطنين". 52 تلميذا في القسم يشتكي مواطنون من أورير من الظروف التعليمية التي يدرس بها أبناؤهم في بالمؤسسات الموجودة بأورير. "لا يعقل أن يكون عدد التلاميذ في القسم 52 تلميذا؛ فلا الأستاذ يستطيع أن ينقل المعارف، ولا التلميذ سيتوصل بهذه التعلمات في هذه الظروف"، يقول مواطن من أورير. ويزيد المتحدث بأن "إعدادية الموز مثلا عندما بنيت كانت طاقتها الاستعابية 700 تلميذ والآن يدرس بداخلها 2300 تلميذ وتلميذة.. سمعنا مرات كثيرة بقرب بناء إعدادية وثانوية جديدتين؛ لكن الأمر لم يتم إلى حد الساعة، وكل سنة تزداد حدة الاكتظاظ". السور الوقائي وإذا كان من يثير مشكل الأمن والتعليم وقنوات الصرف الصحي وغير ذلك ممن تحدثنا إليهم، فإن عددا من المواطنين الذين استقينا آراءهم بمركز أورير يطالبون السلطات الوصية ب"الإسراع ببناء سور وقائي على وادي تمراخت ووادي أسرسيف". هذه الوديان تهدد سكان المركز القروي في فترات المطر، وبناء سور وقائي سوف يعيد الحياة إلى أورير؛ لأنه بسبب غياب هذا السور، تم منع مجموعة من مالكي الأراضي بالمركز من بناء محلاتهم التجارية بالمحاذاة من الوادي"، يؤكد تاجر من أورير. ويضيف المتحدث أن "الاهتمام لا يجب أن ينصب فقط على المركز الذي يمر منه عابرو السبيل، هناك 5 دواوير تابعة لأورير في حاجة ماسة إلى قنطرة؛ لأن بمجرد مرور الوادي ينقطعون عن العالم الخارجي، ولا تصلهم المؤونة والحاجيات الضرورية". للجماعة رأي وقال سعيد بوزاري، نائب رئيس المجلس الجماعي لأورير، في تصريحات لهسبريس، إن "مشكل ربط المنازل بشبكة الواد الحار سيتم ليشمل جميع الأحياء في غضون 2019، وأن الأشغال متواصلة في هذا الأمر. وقد جرى ربط ما يزيد عن 200 منزل بتمراغت، كما أن الأشغال مستمرة في كل من تيغزا وايضوران وتاكمو واسركيت بأورير". وبخصوص قضية الأمن وقلة الموارد البشرية الأمنية التي أثارها مجموعة ممن استقت هسبريس آراءهم، أجاب المسؤول ذاته بأن "المجلس الجماعي سبق أن تقدم بطلبات لإحداث مفوضية للشرطة بمركز أورير؛ إلا أن المعايير المعتمدة لذلك غير متوفرة في أورير، ربما لأن المنطقة لا تعرف أي انتشار لجرائم القتل أو غيرها، فهي منطقة عادية وما يحدث بها يحدث في كل مكان. كما أن رجال الدرك يقومون بمجهودات كبيرة لاستتباب الأمن والسكينة داخل نفوذ اشتغالهم". أما مسألة التعليم والاكتظاظ، فقد أكد المسؤول الجماعي أن "الوضعية لا تسر أحدا، وأننا واعون بما يعانيه السادة الأساتذة والأطر التربوية جراء هذه الوضعية المؤسفة. نتوسم خيرا في المستقبل ببناء إعدادية الرشاد وثانوية أخرى، ومسار ذلك في مراحله النهائية ليتم الشروع في البناء بعد الانتهاء من الترتيبات الضرورية، آملين أن يجد أبناء وبنات أورير مكانا ملائما لمتابعة دراستهم في ظروف جيدة". ولم يفت سعيد بوزاري أن يؤكد على دراسة منجزة من لدن وكالة الحوض المائي لسوس ماسة، بخصوص الحائط الوقائي لأورير، حددت مليار و900 مليون كتكلفة لإنجاز هذا السور، وأن الجماعة في طور البحث عن موارد وشركاء لإنجاز المشروع الذي سيكون له الأثر الكبير على المنطقة وسكانها. فن وثقافة من رحم كل هذه المعاناة، ينشط مجموعة من شبان أورير في مجال الفن والمسرح والغناء، يشاركون في مهرجانات دولية ووطنية، واستطاع عدد كبير منهم أن ينال جوائز قيمة. يخلقون بفنهم تنمية غير مرئية؛ لكن ثمارها بعيدة المدى يقطفها الجميع. لحسن أنير، رئيس جمعية إغير ن أوكادير، إن "مجال اشتغالنا يدخل في تأهيل شباب المنطقة، وانتشاله من السقوط ضحية بين مخالب المخدرات ومختلف الآفات حتى لا يقع عرضة لها، نربي الناشئة على حب السينما والفنون ونسعى لأن نربي لدى المواطنين ذوقا موسيقيا وفنيا". ويضيف الفاعل الجمعوي ذاته، في حديثه لهسبريس: "نشتغل مع مجموعة من المؤسسات التعليمية لتربية التلاميذ على احترام الممتلكات العامة واحترام الآخرين، عن طريق المسرح والموسيقى والثقافة؛ إلا أننا نصطدم دائما بغياب الفضاءَات الملائمة للعرض وللتكوين". ويشدد أنير على أنه "بالرغم من قلة محتضنين ومستشهرين بالمنطقة وغياب قاعات ملائمة للعروض، فإن أورير تزخر بطاقات فنية ذاع صيتها. وهذا ما يشجعنا على الاستمرار في الاشتغال، لتأهيل الشباب وتكوين فرق موسيقية ومسرحية وتكوين مجموعة من الشباب لإنجاز أشرطة وثائقية بمعايير احترافية وغير ذلك".