منذ ارتطامها بجبل جليدي قبل ما يزيد على قرن من الزمان، لا تزال أعماق المحيط الأطلسي تطوي أسرارا للسفينة "تايتانك" العملاقة؛ التي أُرجع أثريون مصريون احتمال غرقها لما يسمى ب"لعنة الفراعنة". و"تايتانك" سفينة ركاب إنجليزية عملاقة، انطلقت أولى رحلاتها وآخرها في 10 أبريل 1912، ومنتصف ليل اليوم الرابع من إبحارها، مرت قرب جبل جليدي صلب بدا كمعدن مسنون، فارتطمت به لتغرق ومعها نحو 1500 شخص من أصل 3200 راكب، بحسب الروايات المتداولة. لكن في المقابل وبحسب روايات أثريين ومهتمين آخرين بالحادث، لم يكن الجبل الجليدي هو الجاني الوحيد، بل كان على متن السفينة مومياء فرعونية تعود لمصر القديمة، مكتوب عليها تعويذة تقول: "انهض من سباتك يا أوزوريس فنظرة من عينيك تقضي على أعدائك الذين انتهكوا حرمتك المقدسة"، وفق الأثري المصري وسيم السيسي. تعويذة تايتانك يقول السيسي، وهو باحث في علم المصريات المختص بدراسة تاريخ مصر القديم، إن "تلك التعويذة ربما تعود لمومياء وجدت في معبد العيون في منطقة تل العمارنة بمحافظة المنيا وسط مصر". ويؤمن السيسي بأن "لعنة الفراعنة حقيقة وأمر واقع"، والمقصود بها سحر مارسه الفراعنة، سواء لحفظ موتاهم أو لأغراض أخرى، وذكر في القرآن الكريم. وفي العصر الحديث، ارتبط منشأ أسطورة "لعنة الفراعنة" بنشاط البعثات الأجنبية في اكتشاف الآثار المصرية القديمة، حيث يُعتقد أن أي شخص يزعج مومياء لمصري قديم، خصوصا لو كان "فرعونا" (لقب الحاكم المصري قديما) ستصيبه لعنة. ويستدل السيسي، على أسباب غرق سفينة تايتنك التي كانت بمثابة أكبر باخرة نقل ركاب في العالم تم بناؤها في ذلك الوقت، بوجود آثار فرعونية على متنها ومن ضمنها المومياء المسروقة (لم يوضح طريقة السرقة) وهي في طريقها من المتحف البريطاني للولايات المتحدة. وخلال العقود الأخيرة من تاريخ مصر الحديث، بيعت الكثير من الأثار المصرية المسروقة، في صفقات سرية انتهى بها المطاف بين أيدي أثرياء أو معارض مشهورة خارج البلاد، فيما أعلنت السلطات أكثر من مرة عن استعادة بعضها من عدة بلدان غربية. وتدور في فلك الاعتقاد بتأثير "لعنة الفراعنة" على غرق "تايتانك"، حملة أثرية مصرية تقول إن "آثاراً فرعونية كانت على متن السفينة"، وفق منسقها عالم المصريات الشهير بسام الشماع. الشماع، المؤرخ وعالم المصريات المصري، أكد في حديث للأناضول، وجود آثار فرعونية غارقة في أعماق المحيط الأطلسي، ضمن بقايا "تايتانك". وروى الشماع أن "سيدة أمريكية كانت من بين الناجين في حادث غرق تايتانك تدعى مارجريت توبين كان بحوزتها تمثال مصري صغير من تماثيل الأوشابتي الفرعونية، بجانب حاوية كاملة كانت بحوزة السيدة بها آثار مصرية أخرى (لم يحددها) غرقت مع السفينة". وتماثيل الأوشابتي وفق الشماع، تماثيل صغيرة الحجم، تصنع من الخشب أو الحجر أو البرونز، وتأخذ شكل المومياء وتوضع بالمقابر الفرعونية ووظيفتها في العالم الآخر - وفق معتقدات قدماء المصريين- تأدية الأعمال الشاقة نيابة عن المتوفى. وأشار الشماع الذي يعد أحد المرجعيات في التاريخ الأثري المصري، إلى أنه حصل مؤخرا على "صورة لتمثال الأوشابتي الذي كان مع السيدة الأمريكية التي رحلت عن العالم عام 1932، بعد أن اشترته من منقبين عن الآثار داخل مصر، وذلك بحوزة أمريكيين"، وفق قوله. وتهدف حملة الشماع، التي انطلقت قبل أيام بعدد من محبي الآثار المصرية، إلى "ضرورة تدخل السلطات المصرية، لدى نظيرتها الأمريكية لاستعادة تمثال الأوشابتي من هناك، بعد أن أهدته السيدة الأمريكية الناجية من تايتانك، لأحد قائدي سفن إنقاذ الركاب"، وفق قوله. وزاد على ذلك أنه "خاطب عبر حملته، جيمس كاميرون مخرج فيلم تايتانك الذى زار موقع السفينة (قبل تصوير الفيلم/ إنتاج 1997) بغواصة ويمتلك الخرائط الكاملة لموقع الحطام الأصلي؛ لإمداد مصر بتفاصيل مكان الغرق، حتى يتسنى إخراج الآثار المصرية من هناك". ومؤخراً ساهم كاميرون كمستكشف لدى مجلة ناشونال جيوغرافيك العالمية في عدد من التحقيقات الصحفية منها "تايتانك" في عدد أبريل 2012 بمناسبة مرور مئة عام على غرق السفينة الشهيرة. لعنة الفرعون الصغير وبخلاف ربطه بين غرق "تايتنك" و"لعنة الفراعنة" يشير عالم المصريات وسيم السيسي أيضاً إلى أن "هناك وقائع تاريخية بارزة تثبت فرضية وجود لعنة للفراعنة". من أبرز تلك الوقائع التي رصدها السيسي، اكتشاف مقبرة الملك الفرعوني الشهير توت عنخ آمون الملقب بالفرعون الصغير (حكم في سن التاسعة وكان فرعون مصر من 1334 إلى 1325 ق.م.) التي ظهر الكثير من الأقاويل عن لعنتها، خاصة بعد وفاة جميع المشاركين في اكتشافها بوقت قصير. واكتشفت مقبرة "توت عنخ آمون" في نونبر 1922، من قبل عالم الآثار البريطاني والمتخصص في تاريخ مصر القديمة "هوارد كارتر"، في وادي الملوك، بمدينة الأقصر (جنوب مصر). واعتبر السيسي أن "لعنة الفراعنة أصابت اللورد الانجليزي كارنرفون الذي موَّل رحلة بحث مواطنه كارتر في الكشف عن مقبرة الملك توت"، متهما كارتر بسرقة أغلب مقتنيات مقبرة توت، وهو ما لم يتسن التأكد من صحته. وأشار إلى أنه "بعد شهور من الاكتشاف أصيب كارتر بمرض الحمى الذي أدى إلى وفاته بسبب لعنة الفراعنة"، وفق اعتقاده. وهو ما يقابله تشكيك من أثريين آخرين، بجانب عدم التأكد من صحة هذه الرواية من مصادر محايدة. وفي كتابه وادي المومياوات الذهبية، ذهب عالم الآثار المصري وزير الآثار الأسبق زاهي حواس إلى أن مقابر بناة الهرم الأكبر (هرم خوفو) تحتوي على تحذيرات تقول: "كل الأشخاص الذين يدخلون هذه المقبرة والذين يؤذونها ويدمرونها، لتكُن التماسيح ضدهم في الماء، والثعابين ضدهم في الأرض، ليكن فرس النهر ضدهم في الماء، والعقارب ضدهم في الأرض". وحواس، يعد من أبرز علماء الأثار المصريين الذين شاركوا في الاكتشافات الأثرية الفرعونية. وفي تصريحات سابقة له قال حواس مفسرا لعنة الفراعنة: "المقابر الفرعونية المغلقة، توجد بها مومياوات ومواد قد تتعرض للتعفن وهو ما يمثل جوا مناسبا لوجود البكتريا التي تُعرض من يدخل المقبرة للموت". خرافات وهوس في مقابل المؤمنين بنظرية "لعنة الفراعنة" ينفي محمد رأفت عباس، الباحث في علم المصريات والخبير في الآثار، بشدة "وجود ما يسمى بلعنة الفراعنة". وقال عباسوهو يعبر عن دهشته من طرح الآخرين، إن "اللعنات الفرعونية مجرد خرافات ليس لها أدنى أساس من الصحة والعلم، ولو أن أثرياً تحدث عنها إعلم أن لديه هوسا". وبشأن ما يثار عن وجود آثار فرعونية كانت على متن السفينة تايتانك، يضيف عباس: "ليس هناك معلومات مؤكدة عن ذلك، لكن الحقيقة تشير إلى أنه لا يوجد تقارير أو أدلة تثبت هذا الأمر". مشدداً: "نحن كباحثين (يقصد الآثريين)، لا نتكلم إلا بلغة المراجع". واتفق معه الباحث الأثري أحمد عامر، مؤكدا أنه "لا يوجد ما يسمى بلعنة الفراعنة وأن ما تركه المصريون القدماء من نصوص كان لتهديد وترهيب وتخويف اللصوص من الاقتراب والسطو على مقابرهم لسرقة كنوزهم؛ اعتقادا منهم بالبعث عقب الموت". وأوضح عامر في تصريحات صحفية سابقة أن "وقائع وفاة المنقبين عن الآثار من المحتمل أن يكون سببها التعرض لمقابر مغلقة منذ آلاف السنين"، مضيفا أنه "عند فتح المقابر الفرعونية يكون بها بكتيريا مدمرة تقتل كل من استنشق هواءها، فتتفعل بعض المواد الكيميائية مع ما تبقى من بعض مواد التحنيط أو الطعام الذي كان يوضع داخلها".