حوار بالسيف والقلم (4) انتظرتك ، ومعي القراء الكرام ، أن تجيب عن الأسئلة التي طرحتها عليك في قضايا محددة حتى تبين للناس حقيقة ما تزعمه من مراجعات خلال فترة سجنك ؛ فتكون لي وللقراء الأفاضل سعة من الوقت تسمح بمقارنة الفيزازي وما كان يحمله من أفكار وتصورات وعقائد قبل السجن بالفيزازي وما أصبح عليه من قناعات وأفكار بعد السجن . لكنك لم تفعل لعذر دفعت به في رد سابق لك على السيد لغزيوي جاء فيه (فأنا لا أستطيع أن أرد على هذا وذاك في آن واحد .. أعد العابث الكحل بالعودة إليه لأفضح كل أكاذيبه التي اختلقها ونسبها إلي من تكفير الشعب... وإلى آخره، ليغلط القراء الأفاضل، لكن لا تدليس بعد اليوم يالكحل !) . وها أنت تسرد أعذارا أخرى لا أراها والعقلاء تناسب ما جاء في ردك المهزوز الذي لم يشفع لك تكفيرك للحكومة وللاشتراكيين ولكل الديمقراطيين . من يقرأ أعذار تخلفك عن الرد في الموعد يتصور أنك ستأتي بما لم يحط به القراء خبرا ؛ وهذه أعذارك (وسبب الغيبة راجع إلى مساهمتي في مقترح الدستور قبل ظهوره، وإبداء رأيي فيه بعد طرحه، وفضح جريدة الأحداث المغربية وربيبها لغزيوي...الذي استسلم على عجل. ومشاركة إخواني الأمازيغ فرحة انتصارهم في إثبات مشروعية الاعتراف الرسمي بلغتهم... وتسجيلات مطولة مع جريدة ''المساء'' في ركن: كرسي الاعتراف... وأمور أخرى). كل هذه الأعذار لتكتب اتهامات جديدة وتسأل أسئلة لو أنك رجعت إلى كتاباتي لوجدت ما يشفي غليلك وغلك معا . فأنت متقاعد ولك ما يكفي من الوقت لتكتب عشرات الصفحات في ساعات معدودة . لكن لا يهم فالتأخر في الرد خير من عدمه . فقد كنتُ شخصيا متشوقا إلى رد منك يوضح مراجعاتك لعقائد التكفير والقتل ،لتعطي إشارة بدء تغييرك للخندق الذي تخندقت فيه عقودا وقد ملأت الدنيا زعيقا ونعيقا بعد أن نصبت نفسك "مجاهدا" و"فارس زمانه" يحرض طائفة من ضعاف النفوس والمحبطين على نسف الخيار الديمقراطي وتكفير المناضلين من أجله والساعين لإقامة صرحه . لكن مقالك في موضوع الدستور وموقفك منه يثبت أنك متعطش للدماء ككل المتطرفين . وهذا قولك ( عندما تتجاوز المواثيق البشرية هذا القدر لتجعل حرية الردة من حرية الاعتقاد، هنا نقول هذا الأمر إذا كان يوافق غيرنا فلا يوافقنا نحن المسلمين، لأن دولتنا دولة إسلامية والردة عندها خيانة عظمى. والدولة عندنا مذهبها مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، وفي هذا المذهب كما هو مدون في الموطأ ما يلي: [ 18 – باب القضاء فيمن ارتد عن الإسلام 18 / 1408 – حدثنا يحيى، عن مالك، عن زيد بن أسلم؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من غير دينه فاضربوا عنقه». قال الإمام مالك رحمه الله في شرحه: ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في ما نُرى والله أعلم «من غير دينه فاضربوا عنقه» أنه من خرج من الإسلام إلى غيره مثل الزنادقة وأشباههم فإن أولئك إذا ظُهر عليهم قتلوا ولم يستتابوا لأنه لا تعرف توبتهم وأنهم كانوا يسرون الكفر ويعلنون الإسلام فلا أرى أن يستتاب هؤلاء ولا يقبل منهم قولهم وأما من خرج من الإسلام إلى غيره وأظهر ذلك فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل وذلك لو أن قوما كانوا على ذلك رأيت أن يدعوا إلى الإسلام ويستتابوا فإن تابوا قبل ذلك منهم وإن لم يتوبوا قتلوا ولم يعن بذلك فيما نُرى والله أعلم من خرج من اليهودية إلى النصرانية ولا من النصرانية إلى اليهودية ولا من يغير دينه من أهل الأديان كلها إلا الإسلام فمن خرج من الإسلام إلى غيره وأظهر ذلك فذلك الذي عُني به والله أعلم.] (الموطأ لعالم المدينة وإمام الأئمة مالك بن أنس ص: 427) قلت: هذه خصوصية مغربية خالصة، وهي متناقضة تماما مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 دجنبر 1948 لا سيما في مادته الثامنة عشرة والذي صادقت عليه المملكة. والقاعدة الأصولية مرة أخرى هي حمل العام على الخاص، أي قبول ما صادقت عليه الدولة وفق الخصوصية المغربية.) . وحتى تدفع تهمة التحريض على القتل ، عمدت إلى "أكل الشوك" بفم الإمام مالك والاختباء خلف الحديث النبوي بقولك ( وما نقلته هنا عن الإمام مالك في شرحه للحديث الصحيح يقطع دابر كل معارض أو معترض .. وأظن أن الذين ينتظرونني في المنعرج ليتصيدوا هفواتي سيجدون في حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «من غير دينه فاضربوا عنقه» أكبر ذريعة ليقولوا (الفزازي) يأمر بالقتل). ويهمني هنا أن أركز على الجوانب التالية : 1 سند الحديث : كان من المفروض في كل من يقدم نفسه داعية أو شيخا أو فقيها أن يبحث ، بكل موضوعية وتجرد ، في سند الحديث الذي يتخذه منطلقا له أو مرجعا في تبرير حكم أو استنباطه . والفيزازي ، بما هو شيخ تكفيري متعطش للدماء ، لم يبذل أدنى جهد في سبيل التحري ، علما أن الإمام مسلم رفض الحديث إياه ولم يصنفه ضمن صحيحه . ولا عذر للفيزازي في جهله لعلم التجريح . لقد أعماه حنقه وحقده عن تلمس الحقيقة ، بل دفعاه إلى تحريض الدولة وولي الأمر على قتل من يرميهم الفيزازي بالكفر والردة . فهذا الحديث الذي يعتمده الفيزازي يتنافى مع آيات قرآنية كثيرة ، كما أوضح الأستاذ جمال البنا في حوار نشره موقع "إيلاف" بقوله ( الآيات القرآنية تتعلق بحرية الاعتقاد، مائة آيه " لا إكراه في الدين" "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"،"فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ثم يجيئون لي بحديث "من بدل دينه فاقتلوه" هذا الحديث مرفوض بلا تفكير وبلا تردد، هذا الحديث موضوع أو نقل في ظروف معينة أو نقل خطأ أو تلاعبت به الذاكرة الخؤون، لا نأخذ به، فمن غير المعقول أن نأخذ بحديث،وأضرب بخمسين آية عرض الحائط يكون ذلك حماقة مني. حد الردة لا وجود له في القرآن إذن لا وجود له في الإسلام. وهذا الحديث المناقض للقرآن مرفوض نقلاً وعقلاً ) . ونفس الموقف نجده عند الدكتور أحمد صبحي منصور في كتابه " حد الردة المزعوم" حيث جاء مفندا للمزاعم التي استند إليها فقهاء التكفير وشيوخ التطرف . ومما حاجج به قوله ( إن المعنى الواضح في الآية إنه لا إكراه في الدين، في كل الدين، فلا ينبغي أن يكون هناك إكراه في دخول الدين ولا إكراه في الخروج من الدين ولا إكراه في إقامة شعائر الدين فيما يخص حقوق الله، فالله تعالى يريد أن تعبده بدافع من اختيارك حباً في الله ورغبة في طاعته وليس للرياء أو خوف الإكراه، والمنافقون كانوا يقدمون الصدقات بهذه الطريقة وكانوا يصلون الصلاة رياءاً، فمنع الله تعالى النبي من أخذ الصدقة ولم يقبل صلاتهم، يقول تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاّ أَنّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصّلاَةَ إِلاّ وَهُمْ كُسَالَىَ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاّ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ (التوبة 54). . ونعود إلى قوله تعالى ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ﴾ الذي يمنع الإكراه في دخول الدين والخروج منه ويمنع الإكراه في إقامة حقوق الله من العبادات، ونقول إن تحريف معنى الآية وقصره على أنه لا إكراه في دخول الدين فقط كان يستوجب أن يقال فيه "لا إكراه على الدين" فهنا يكون المعنى خاصاً بدخول الدين فقط.. والقرآن الكريم استعمل تعبير "الإكراه على" في قوله تعالى ﴿وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ﴾ (النور 33). أي على الدخول في طريق البغاء.. ولو أراد الله تعالى أن يقصر الإكراه على دخول الدين فقط لقال (لا إكراه على الدين) ولكنه أراد منع الإكراه في كل ما يخص الدين فقط ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ﴾ ) . ومن ثم يخلص د. أحمد صبحي منصور إلى أن حد الردة لا أصل له في الإسلام ، إذ لم يرد ذكر له في القرآن . ( بل أن القرآن الكريم ذكر موضوع الردة تحديداً في أربعة مواضع ولم يجعل فيها للمرتد عقوبة يقيمها عليه الحاكم، بل أوكل أمره لله تعالى يعاقبه في الدنيا والآخرة.يقول تعالى ﴿إِنّ الّذِينَ ارْتَدّواْ عَلَىَ أَدْبَارِهِمْ مّن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشّيْطَانُ سَوّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىَ لَهُمْ﴾ (محمد 25).أى خدعهم الشيطان.. وتقرأ الآية بعدها لتبحث عن حد الردة المزعوم فلا تجد إلا تخويفاً لهم مما سيحدث عند الموت بالوفاة الطبيعية ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ (محمد 27). وعند يوم الحساب حين يحبط أعمالهم ﴿ذَلِكَ بِأَنّهُمُ اتّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ اللّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ (محمد 28). أي تأجيل العقوبة لله تعالى يوم القيامة. وجاءت المواضع الأخرى فى تحذير المؤمنين من الوقوع في الردة كأن يقول تعالى ﴿يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبّهُمْ وَيُحِبّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ﴾ (المائدة 54). يعنى إذا ارتددتم فسيأتي الله بقوم غيركم يكونون أفضل منكم، وذلك المعنى جاء في قوله تعالى ﴿وَإِن تَتَوَلّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمّ لاَ يَكُونُوَاْ أَمْثَالَكُم﴾ (محمد 38) . ومن يتدبر آيات القرآن الكريم بعقله وقلبه لن يجد عناء في استجلاء الحقيقة التي تنفي وجود حكم شرعي بالقتل في حق المرتدين . ومن يقول خلاف هذا ، والفيزازي واحد منهم ، يضع نفسه في تعارض مع قول الله تعالى ﴿إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ ثُمّ كَفَرُواْ ثُمّ آمَنُواْ ثُمّ كَفَرُواْ ثُمّ ازْدَادُواْ كُفْراً لّمْ يَكُنْ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً﴾ (النساء 137). فالله تعالى لم يأمر نبيه بقتل هؤلاء المرتدين ولا بالانتقام منهم بسبب نفاقهم ، وإنما ترك أمرهم إلى يوم القيامة . ومن يسعى لتكفير الناس والانتقام منهم ، إنما يريد إقامة القيامة قبل أوانها . إن الفيزازي ، يستند في تحريضه على قتل من يصفهم بالمردين ، على الحديث التالي ( من بدل دينه فاقتلوه ). وهذا حديث مطعون في صحته لكونه رواه عكرمة الموصوف بالكذب . ويجدر هنا التذكير بآراء الأئمة والفقهاء والمحدثين حول عكرمة هذا . قال عنه ابن سيرين "إنه كذاب". وقال عنه ابن أبى ذئب "رأيت عكرمة وكان غير ثقة". وقال عنه محمد بن سعد في الطبقات الكبرى "ليس يحتج بحديثه، ويتكلم فيه الناس". وقال عنه سعيد بن جبير "إنكم لتحدثون عن عكرمة بأحاديث لو كنت عنده ما حدث بها". وقال عنه سعيد بن المسيب "لا ينتهي عبد ابن عباس حتى يلقى في عنقه حبل ويطاف به" وكان سعيد بن المسيب يقول لمولاه (برد) لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس. وكان ابن عمر يقول لمولاه نافع "لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس". وبسبب كثرة أكاذيبه على ابن عباس بعد موت ابن عباس فإن علي بن عبد الله ابن عباس جعل في يديه وقدميه قيوداً وحبسه على باب الحش "دورة المياه" فسئل عن ذلك فقال: إن هذا الخبيث يكذب على أبى..!!. وقالوا أن مسلم تجنب الرواية عن عكرمة فروى له بعض الروايات مقروناً بغيره أي لم يرو له منفرداً . ومن جملة الطعون التي وجهها المحدثون وعلماء الجرح والتعديل لأحاديث الردة نذكر على سبيل الذكر والعظة : أ أنها أحاديث آحاد . ب أن كثيرا من رواتها مطعون فيهم . ومنهم : عارم ، وهو عارم محمد بن الفضل ، ومما جاء في ترجمته بسير أعلام النبلاء للذهبي : قال الذهلي حدثنا محمد بن الفضل عارم وكان بعيدا من العرامة وقال ابن وارة حدثنا عارم الصدوق المأمون وقال أبو علي الزريقي حدثنا عارم قبل أن يختلط وقال البخاري تغير في آخر عمره …..وقال ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول إذا حدثك عارم فاختم عليه عارم لا يتأخر عن عفان وكان سليمان بن حرب يقدم عارما على نفسه إذا خالفه في شيء ويرجع إلى ما يقول عارم وهو أثبت أصحاب حماد بن زيد بعد عبد الرحمن بن مهدي وقال عارم أحب إلي من أبي سلمة ، ثم قال اختلط عارم في آخر عمره وزوال عقله . ومن ضمن المطعون فيهم عكرمة . وقال جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة مقيد عنده، فقلت: ما لهذا؟ قال: إنه يكذب على أبي. وروي عن ابن سيرين أنه قال فيه لما سئل عنه: ما يسؤني أن يدخل الجنة، ولكنه كذاب. وكذبه عطاء أيضاً. وكذا يحيى بن سعيد الأنصاري. وسعيد بن جبير. وقال عثمان بن مرة: قلت للقاسم: إن عكرمة قال كذا. قال يا ابن أخي إن عكرمة كذاب، يحدث غدوة بحديث يخالفه عشية. وقال ابن حجر: وقال ابن علية: ذكره أيوب، فقال: كان قليل العقل. الفيزازي يحرض الملك على قتل حكومته : إن إصرار الفيزازي على تكفير فئة من المواطنين المغاربة وعلى رأسها الحكومة ، نابع من تعطشه إلى الدماء بفعل العقائد المتشددة التي يؤمن بها ويغلفها بالدين ويبحث لها عن مسوغ يشرعنها ، بل يجعلها هي جوهر الدين وأس الإسلام ولا تكون الدولة إسلامية إلا بتطبيق عقائد القتل ضد من يرميهم الفيزازي بالكفر ، مثلما جاء في درس مشترك بين الشيوخ : أبو حفص و الحدوشي و الكتاني والفيزازي أجمعوا فيه على فتوى التكفير والقتل كالتالي ( فاليساريون في بلادنا كفار ينبغي أن نتعامل معهم بالأحكام الشرعية التي تتعلق بالكافرين ، بالمرتدين . فلقد قلت ألف مرة نحن لا نكفر العصاة من أبناء القبلة بكل ذنب ، نحن لا نكفر السكير والسارق والمرابي والقاتل والزاني .. لا نكفر هؤلاء . لكن هؤلاء الزنادقة لا يخفى كفرهم على أحد .. أقول للدولة المغربية ، ولا أقول للحكومة ، إن كانت مسلمة ، فعليها أن تحاكم هؤلاء الشيوعيين ، أن تقيم لهم محاكم شرعية ينالوا جزاءهم ، ودونه الإعدام لأنهم أئمة الكفر ) . علما أن الشيخ الفيزازي كان يعلم علم اليقين أن الانتماء إلى أي حزب يساري أو اشتراكي وكل اشتراكي هو يساري لا يعني بالضرورة كفرا بالله تعالى ؛ وقد أقر الفيزازي بورع العلامة عبد العزيز بن الصديق وتقواه وعلمه رغم انتمائه إلى حزب الاتحاد الاشتراكي . بل إن العلامة بن الصديق لم يجد في انتمائه إلى الاتحاد الاشتراكي ما يتعارض مع تعاليم الإسلام وعقائده وثوابته . فكيف يجرؤ الفيزازي ، فيما بعد هذا الإقرار ، على تكفير كل الاشتراكيين واليساريين ؟ ولم يكن تكفير المخالفين أمرا عارضا لدى الفيزازي وأمثاله من شيوخ التطرف ،أو ردة فعل غاضبة سرعان ما تزول بزوال الغضب ، بل هي عقيدة مترسخة لا يفتأ يشدد عليها الفيزازي كما هو واضح من إجاباته التالية : (السؤال: سيدي الشيخ، إذا كانت القضية بين تيار الكفر والزندقة والإلحاد.. فهل أنتم تكفرون الحكومة الحالية؟ الإجابة: نعم. السؤال: هل حقا أنكم تكفرون الحكومة المغربية ومن ثم تسعون لإسقاطها بالقوة؟ الإجابة: والحكومة المغربية ككل حكومة لا تحكم بما أنزل الله قال الله فيها: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" و"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون" و"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون". وبالتالي فمن أراد أن يناقش فليناقش بالقرآن ولا يعترض على هذا بقول طاووس وعطاء رضي الله عنهما، وفيما نسب إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق، فتلك قضية أخرى يطول شرحها. أما محاولة إسقاط الحكومة المغربية بالقوة فأنا لا قوة لي إلا قوة الكلمة ولا حول ولا قوة إلا بالله، والحكومة عندي ساقطة ابتداء، فكل من لا يحيا في ظلال الكتاب والسنة فهو ساقط ابتداء وإن رأه الناس شامخا على القمم) وأطلب هنا من الشيخ الفيزازي أن يعلن صراحة عن تراجعه عن تكفير الحكومة إذا كان فعلا تراجع عنه . أما قوله (والآن وقد أجبت الكحل عن كثير من أسئلته، أود أن أسأله بدوري قبل الإتيان على ما تبقى من استفساراته. أسئلته كانت عن بيانات كتبها غيري، وأنا لست مسؤولا عما يكتبه الناس. وأحيانا عن شيء كتبته أنا لكن ليس على الهيئة التي يطرحها هو وأضرابه، وإنما بعد تعريضها لعملية (المونطاج) وإخراج الكلام عن سياقه، وبتره عن سابقه ولاحقه، على طريقة الوقوف عند قوله تعالى: {فويل للمصلين} [الماعون: 4] ومع ذلك فقد أكرمني ربي بما يكفي من الشجاعة لإعلان تراجعي عن كثير مما اعتبرته خطأ في ما كتبته أو قلته من قبل) ؛ أما قوله هذا فمردود عليه من جهتين : الأولى : أن الفيزازي يتملص من الإجابة الواضحة باتهام أصحاب موقع إسلام أون لاين الذي نشر الحوار "بالبتر" و"إخراج الكلام عن سياقه" . فجاء العذر أقبح من الزلة . فلا يجوز في حق من يقدم نفسه "داعية" أن يفتري على غيره . والدليل على كذب الشيخ الفيزازي في مسألة المونطاج ، أن الموقع نشر مباشرة بعد كلام الفيزازي التوضيح التالي (المحرر: تعتبر شبكة إسلام أون لاين نفسها ضد منهج تكفير الآخر، أيا كان هذا الآخر.. وأقوال الشيخ قد تلزمه وجماعته فقط، ولذا لزم التنويه) . فكن ياشيخ شجاعا وقل إنك كفرت الحكومة والآن تتراجع ؛ أو ابق على فتواك ودافع عنها ولا تخش لومة لائم .أما أسلوب التملص والتهرب من المسئولية فلا يليق بالداعية الحقيقي الذي يستحضر قوله تعالى ( فلا تخشوا الناس واخشون) أو كما ورد في الحديث النبوي الشريف (فإياي كنت أحق أن تخشى) . الثانية : أن الفيزازي ترك الأمر مبهما في قوله " شيء كتبته أنا لكن ليس على الهيئة التي يطرحها هو وأضرابه "ولم يحدد بالضبط هذا "الشيء" الذي هو موضوع انتقادي له وهو "التكفير" . فهل هذا جواب صريح على ما طرحته عليه من أسئلة تخص تشدده وتكفيره لغيره ؟ فضلا عن هذا فالشيخ الفيزازي لم يوضح للقراء تناقضه التالي ( كتبي ومقالاتي القديمة والتي كتبت بعضها في ظروف خاصة وفي حق أشخاص معينين مما دفعني إلى التراجع عن بعض الأفكار بعد ما خلا لي الجو في السجن للمراجعة.. وقد أعلنت عن بعض ذلك في الندوة التي عقدتها مجلة أوال بفندق حياة رجنسي بالدار البيضاء مباشرة بعد الإفراج) . وحين رده عني نجده ينفي أي تراجع ومراجعة (يتبين لكل منصف أن الفزازي قبل السجن هو نفس الفزازي بعد السجن، خلافا لما يروج له الكحل من أن السجن وراء اعتدالي (الطارئ). (فراحوا يتحدثون عن مراجعات وتراجعات وتوبة تمت بتأثير السجن الطويل. – زعموا -). دع عنك يا شيخ المراوغة والملاوصة وحدد موقفك بصراحة وأعلن عن الأفكار التي تراجعت عنها والتي لم تتراجع عنها . وهذه الأفكار هي التي عرضت الفيزازي للنقد والاعتقال . وبالمناسبة ، فأنا ليست قاضيا ولا شرطيا ولا مخبرا حتى تكون لي يد في اعتقالك ؛ إنما أنا باحث رغم أنف الفيزازي مهمتي النبش في كتابات الإسلاميين وبيان خطورتها على المجتمع وأمنه . وإذ أنتقد الإسلاميين فلا يعني هذا انتقاد للدين ، لأن الإسلاميين ليسوا رسلا ولا أنبياء ، إنما هم تيارات سياسية لها مشاريعها المجتمعية وتقدم قراءاتها للدين بما يخدم تلك المشاريع . وما دام المشروع المجتمعي سيشمل كل المواطنين وأنا منهم في حالة زحفهم على السلطة ، فمن واجبي الديني والوطني أن أبين ما للمشروع وما عليه . ولست الوحيد الذي يتصدى لخطورة الأفكار التي جاء بها شيوخ التطرف ، ومنهم الفيزازي إلى أن يعلن صراحة تراجعه بل يوجد غيري . ولعل ردود الشيخ الفيزازي على جريدة المساء خير دليل . للحديث بقية . وأهمس في أذن الشيخ أنه سيجدني إن شاء الله مجادلا في الموعد إلى أن يعلن تراجعه عما انتقدته عليه .