بعد خمسة أشهر من الانتظار والترقب، خمسة أشهر من البلوكاج شكلت تمرينا سياسيا، بعدها يأتي قرار إعفاء عبد الإله بنكيران فور رجوع صاحب الجلالة. قرار الصفعة كان أصعب امتحان يمر منه حزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه، فالكل وقف ينتظر بلاغ الأمانة العامة، بل أكثر من ذلك هناك من تنبأ بصراعات وانقسامات داخل الحزب. غير أن العدالة والتنمية اختار طريق الحكمة وكذب جل التوقعات بتثمينه قرار الملك والذي ينسجم مع مقتضيات الدستور. تعيين السيد العثماني أتى بعد ذلك ليؤسس عرفا سياسيا بحكم أنه الرجل الثاني بالعدالة و التنمية. وربما سيأتي لإعطاء دينامية جديدة للحكومة المقبلة وقبل ذلك لإسراع بإخراج الحكومة إلى حيز الوجود. فماذا سيتغير مع العثماني؟ العثماني يأتي بمنطلق لا خطوط حمراء، مما سيمكن حزب الأصالة والمعاصرة من دخول مفاوضات تشكيل الحكومة، وحتى بعدم انضمام الأصالة والمعاصرة للحكومة لن نرى معارضته داخل القبة بنفس الوجه، ربما يشكل هذا نقطة التحول في علاقة الحزبين وسيمكن المغرب من معارضة بعيدة عن التنابز والمناوشات، كما أن اقتراحات الأصالة والمعاصرة ستأخد بجدية أكثر. صفحة بيضاء تفتح من جديد مع النقابات، فما شاهدناه بين النقابات ورئيس الحكومة السابق أقل ما يوصف به هو علاقة غير صحية بعيدة عن ما تستوجبه مرحلة الإصلاح. من أولويات رئيس الحكومة المفوض، تهييئ أرضية جديدة للحوار و للتعاون مع ممثلي الطبقة العاملة. ما يعرف على السيد بنكيران هو تشبثه المطلق بقراراته، وتعيين العثماني سيمكن المغرب من مراجعة مجموعة من القرارات. نذكر منها إصلاح صندوق التقاعد الذي عرف مجموعة من الانتقادات مؤخرا من طرف لجنة تقصي الحقائق. ومجموعة من إصلاحات الحكومة السابقة التي تشوبها بعد النواقص لم تكن لتتغير مع بقاء بنكيران. أخيرا، فالعثماني سيعطي للمغاربة وجها جديدا لرئيس حكومة هادئ بعيدا عن قفاشات ونكت سيد بنكيران. وهذا ربح كبير للدولة المغربية وخصوصا للدبلوماسية المغربية. فلا أحد يجادل في امتلاك السيد العثماني الحكمة والرزانة التي قد تجعل منه رجل الدولة بامتياز. تبقى تمنياتنا بأن تشكل الحكومة سريعا، حكومة قوية بأغلبية متماسكة قادرة على مسايرة التحول الذي يعرفه المغرب بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس. حكومة تؤثثها الأطر والكوادر بعيدا عن منطق إرضاء الخواطر. وكل تمنيتنا أن لا يعيد السيد العثماني أخطاء السيد بنكيران بأن يكون رئيس حكومة كل المغاربة و ليس حزب العدالة والتنمية، وأن ينفتح على كل من يساهم في الإصلاح.