تلاشت المسافات الزمانية والمكانية نتيجة لسرعة الاتصالات ودقتها وتنوعها حتى أصبح العالم قرية صغيرة ترسخت فيها العولمة بقوة ، وساد بها نظام عالمي للتبادل المعرفي والثقافي غير عادل بين الشعوب والأمم . وتشير الدراسات الأكاديمية في مجال الإعلام والتواصل، أن النظام العالمي اعتمد على الإعلام الجديد بكل تلاوينه. باعتباره المرحلة الأكثر تطوراً وتأثيرا على الصعيد التقني والفني، فاستغل هذا التطور لردم الفجوة المعلوماتية. عبر إتاحة المعلومة والرأي والأفكار على نطاق أوسع وبكفاءة أعلى باستثمار الوسائل الاتصالية الحديثة. هذه البيانات المتعلقة بالتطور الحديث في مجال الإعلام والتواصل تفيد أنه لا حدود للتطور في مجال الاعلام الاتصال. وعلى الجميع مسايرة هذا الركب ومواكبة آخر التحولات والتطورات في الإعلام الرقمي والإلكتروني... وذلك حتى لا تتكرر تجربة عاشها العالم الإسلامي والمغرب بوجه خاص. حين تأخروا جميعا في قبول الطباعة الحديثة بقرون منذ ظهورها في أوربا. فلم يسارع المغرب إلى التقدم التقني الحديث في تلك الفترة لصناعة الكتاب على الرغم من أن تقدم الشعوب يقاس بمدى إحرازه على التقدم العلمي والتكنولوجي في عدة ميادين، وما يرتبط بها من إنتاج علمي وفكري وأدبي وثقافي... وتسويق ذلك داخليا وخارجيا، ما يؤشر على نماء بلد أو تخلفه عن المسار الحضاري. وكنتيجة لذلك لم يعرف المغرب آلة الطباعة إلا في غضون سنة 1864، حين جلب الفقيه محمد بن الطيب الروداني آلة للطباعة. بينما قطعت أوربا أشواطا طويلة في ميدان الطباعة ونشر التراث العربي الإسلامي، منذ اختراع آلة غوتنبرغ في أربعينات القرن الخامس عشر. وعند العودة إلى دراسة علمية الموسومة بمملكة الكتاب تاريخ الطباعة في المغرب 1865م-1912م، لمؤلفه فوزي عبد الرزاق. وهي رسالة دكتوراه صادرة سنة 1990 بجامعة هارفارد. تنكشف حقيقة تأخر صناعة الكتاب بالمغرب، فالدراسة تتضمن تفاصيل عن النظام الثقافي السائد بالمغرب خلال الفترة المدروسة بين 1865و1912. فالمغرب بحسب الكتاب، لم يرحب مباشرة بعد ظهور المطبعة في أوربا خلال القرن الخامس عشر إلى النتائج الإيجابية لتكنلوجية الطباعة.. ويعلل فوزي عبد الرزاق هذا التأخر في اقتناء آلات للطباعة وتشغيلها، بسبب موقف علماء المذهب المالكي، الذين لم يتقبلوا المستجدات التقنية الغربية. والحاجة الملحة إلى الخدمات التي تقدمها تكنولوجية الطباعة في تلك الفترة. فرفض العديد من العلماء المغاربة استخدام الطباعة خوفا على القران الكريم. مما قد يلحقه من تصحيف لكلماته أو تحريف لنصه، ورغبة في المحافظة على الخط المغربي. الذي كتبت به أقدم نسخ القران الكريم. لكنه في ذات الوقت لا ينفي المؤلف شكوكه في وجود مطابع بالمغرب خلال القرن السادس عشر، ومعرفة المغاربة بالمطبعة أو اطّلاعهم على منتوجاتها حتى قبل دخول الطباعة الحجرية سنة 1864. وبعد دخول المطبعة بقليل في أواسط القرن التاسع عشر، تمكن المغرب من إصدار ستة عناوين بمعدل 300 نسخة من كل عنوان خلال الفترة الممتدة بين 1865 و 1871. ويبدو أن المغرب شجع العلماء على الخوض في قضايا كانت غير حاضرة بقوة في انشغالاتهم من قبل. ومنها بروز أدبيات سياسة تدعو المغاربة إلى مواجهة الزحف الأوروبي. ويعد كتاب محمد جعفر الكتاني "نصيحة أهل الإسلام" من أهم هذه الأدبيات التي حثت رجالات المخزن على استعادة هيبة المغرب ومجابهة التهديدات الخارجية كما ينقل الدكتور فوزي عبد الرزاق. ولعل أبرز تحول عرفته صناعة الكتاب، هو تعاطي بعض الأفراد لهذه المهنة لما تذره من أرباح. وفي هذا الإطار يذكر فوزي عبد الرزاق أنه كان في المغرب، خلال العقود الممتدة ما بين ستينات القرن التاسع عشر وعشرينات القرن العشرين، حوالي تسعة طوابع ما بين مغاربة وأجانب وكذا حوالي عشرين فردا اهتموا بميدان النشر. وفي سنة 1904 سيعمل المغرب على إنشاء أول جريدة مغربية في طنجة، وهي " لسان المغرب" للرد على " جريدة السعادة" التابعة للمفوضية الفرنسية التي كانت تعرض تفاصيل القضايا المتعلقة بالسياسة الداخلية للسلطان. كما جاء في الجزء الثاني من كتاب مظاهر يقظة المغرب الحديث، لمؤلفه محمد المنوني . وبهذا، لعبت الطباعة دورا حاسما في التطورات السياسية التي شهدها المغرب خصوصا في نهاية القرن19 الى دخول الاستعمار، فشكلت أداة مثالية لترويج الأفكار السياسية المختلفة ومن أهم محطات تأثير المطبعة على الأحداث السياسية. أن الثقافة المغربية عرفت نوعا من الحركة والدينامية التي أدت الى إحداث تحولات ثقافية مهمة خصوصا على المستوى التعليمي. كما أحدثت ثورة في البنية التعليمية التقليدية بتوفيرها للكتاب المدرسي. وبالتالي تنشيط الحركة التعليمية و تطويرها وتنويع موادها وعلومها وتبسيط مناهجها وتوسيع دائرتها. ينضاف إلى ذلك الترويج السياسي لمواقف معينة ونشر الأفكار الإصلاحية لرفع درجات الوعي بالواقع المغربي. ومع اختلاف الأزمنة والظروف السياسية في المغرب ، فإن الوقائع تتشابه بين الماضي والحاضر .. فرغم التطور الهائل في مجال الإعلام والنشر .. فإن الاهتمام بالإعلام الجديد بات متأخرا في على نطاق واسع، جعل الهوة عميقة والبون شاسع خلال المقارنة بين المغرب ودول أخرى متطورة في مجال إنتاج وتسويق وتطوير البنيات الثقافية والفكرية في مجال الاقتصاد الرقمي ببلدانها. ومن ثم جاءت الدعوة للاستفادة من ثورة المعلومات و الحاسوب والاتصالات، لتحقيق النتائج المرجوة في الانفجار المعرفي الكبير. الذي يمكن من مضاعفة الإنتاج الفكري والعلمي .. على مختلف الأصعدة . مما يجعل الحاجة ملحة إلى تحقيق أقصى سيطرة ممكنة على سيل المعلومات وتدفقها الهائل ووضعها تحت تصرف الباحثين والدارسين والمهتمين وصانعي القرارات في أسرع وقت وبأقل جهد وأرخص كلفة. حتى لا يتكرر ما حدث مع المطبعة التي تأخر دخولها إلى المغرب فخسر أزيد من قرنين من التطور في مختلف المجالات العلمية والفكرية. ولتحقيق ذلك يتطلب من المغرب أن يتوفر على بنيات تحتية كبيرة تشمل المعدات الالكترونية والبرمجية التي تشهد طفرة في معدلات الإنتاج والاستخدام ومسايرة التطورات الحديثة في المجال ، ومن هنا تبرز الحاجة إلى وضع موقع يجمع أهم مؤشرات الإعلام الرقمي بمختلف اللغات حول قضايا المغرب وكل ما يرتبط به. *إعلامي باحث [email protected]