لا يمكن لأي متابع مهما كان اختلافه أو اتفاقه مع جماعة العدل والإحسان، ومع مواقفها وتوجهاتها، أن يتغافل أو يتجاهل الحرفية السياسية الكبيرة التي أدارت بها الجماعة الأحداث، منذ انطلاق الحراك السياسي الذي عرفه المغرب، بداية من 20 فبراير حتى الآن، لا كما ولا كيفا. ولا يمكن للمتابع أيضا أن يتغاضى عن المقارنة بين أدائها السياسي وأداء سائر الفاعلين، خاصة الأحزاب التي تؤثث مشهدنا السياسي، التي اتسم أداؤها في مجمله بمحدودية المواقف أو محدودية الفعل الميداني أو محدودية التأثير الجماهيري، بما فيها الأحزاب المقاطعة للدستور، كالنهج والطليعة واليسار الاشتراكي الموحد. ويمكننا مقاربة ذلك من خلال مجموعة من المؤشرات: 1-السرعة في التفاعل وبلورة المواقف: يسجل أن العدل والإحسان هي الهيئة، التي تفاعلت مع الربيع العربي بشكل سريع، واستطاعت أن تسوق للعديد من مواقفها وأرائها في عدة قضايا على نطاق شعبي واسع، فهي أول هيئة سياسية عبر قياديوها عن مساندتهم لحركة 20 فبراير بلا تردد وبكل وضوح، من خلال تصريح الأستاذ فتح الله أرسلان في حوار مع موقع إيلاف الإلكتروني بتاريخ 10/02/2011، ومن خلال تصريح للأستاذة نادية ياسين في حوار مع البايس بتاريخ14/02/2011. ولم يقتصر ذلك على الموقف من حركة 20 فبراير، بل تكرر لكونها أول من عبر عن انتقاده لمضامين خطاب 9 مارس، وهي أول من عبر عن موقفه من عملية الاستفتاء ،وهي أول من قدم وثيقة رصدية للخروقات التي صاحبت عملية التصويت، وهذا مؤشر كبير على حضور وحيوية في اشتغال القيادات والمؤسسات. 2-كم الوثائق المنتجة: استطاعت العدل والإحسان وعبر مؤسساتها، أن تنتج كما هائلا من الوثائق منذ بداية الحراك، بحيث بلغ ما صدر عن مختلف هيئاتها المركزية من بيانات تضامن وإدانة وتوضيح ودعوات للمشاركة في المسيرات والوقفات ما يقارب 100 بلاغ محلي ووطني-بالرجوع إلى موقع الالكتروني للجماعة-. ولا تكتسي هذه الوثائق أهميتها من كمها بل من كيفها ومضامينها، إذ تميز أغلبها بالعمق الذي افتقدته وثائق الأحزاب، بما فيها أغلب المذكرات المرفوعة إلى لجنة المنوني التي كانت نسخا كربونية عن بعضها البعض. ومن بين أهم هذه الوثائق المركزية، الوثيقة الصادرة عن "مقدس" -المؤتمر القطري للدائرة السياسية- التي تقدم قراءة في مضامين الدستور المغربي المقترح بشكل مفصل ودقيق، غطى كافة الجوانب في شقه السياسي والقانوني بشكل يعطي الانطباع بأن هناك مراكز دراسات على مستوى عال من التخصص. 3-القدرة على التواصل المباشر: إن أكبر تحد واجه الأحزاب -خاصة المناطق التي غطيناها لأخذ عينات - لم تستطع الأحزاب التواصل بشكل مباشر مع المواطنين، بالشكل الذي تعودناه في الحملات الانتخابية، واكتفت أغلبها بمهرجانات خطابية عرف أغلبها حضورا جماهيريا ضعيفا وحوادث مستفزة -إذا ما استثنينا حزب العدالة والتنمية والأحزاب التاريخية- في حين استطاعت العدل والإحسان رغم المنع والمضايقات، من خلال مناضليها في 20 فبراير القيام بحملات واسعة للتواصل المباشر مع المواطنين وسط المدن وفي في الأحياء الشعبية، لشرح أسباب المقاطعة رغم الإمكانات المحدودة إعلاميا وجمعويا، فالجماعة لا تتوفر على جرائد ومحرومة من الفضاءات العمومية رغم القانونية التي تتمتع بها والتي تؤكدها الأحكام القضائية. 4-مؤسسات فاعلة وحيوية: غالبا ما توصف العدل والإحسان من خصومها في الأوساط الإعلامية والسياسية، أنها تنظيم منغلق تتخذ فيه القرارات بشكل فوقي، لكن حراك 20 فبراير نجح في هز هذه الصورة بشكل كبير، فكم الوثائق الصادر من أكثر من مؤسسة وجهة داخل الجماعة، وحرية اتخاذ القرار عند القواعد في التنسيقيات المحلية، وحتى إحالة ملف 20 فبراير إلى الدائرة السياسية بوصفها جهة الاختصاص، والتي لم تستطع أمانتها العامة نفسها أخذ موقف من قضية الاستفتاء على الدستور إلا بعد الرجوع إلى مؤتمرها الاستثنائي، كل هذا بدد هذه الإشاعة الرائجة، وأثبت أن الجماعة تشتغل وتصدر قرارتها بشكل ديمقراطي من خلال مؤسسات عاملة وفاعلة. 5-مناضلون ملتزمون: صار من البدهيات الانضباط الصارم لأعضاء جماعة العدل والإحسان، فقد سجل كل المتابعين في شتى المناسبات القدرة التنظيمية للجماعة، مع انضباط لأعضائها يكاد يكون حديديا يتمثل في عدم الخروج عن المسار أو الشعارات أو اللافتات أو محاولات الاستفزاز، فحتى كبار المسؤولين داخل الجماعة لا يخرجون عن الدور المرسوم لهم والمتفق عليه سلفا مع القيادات الميدانية، وهذه إحدى نقط القوة. فأعضاء الجماعة يمتلكون قدرة تنظيمية ومرونة في التحرك رغم أعدادهم الكبيرة، تساعدهم على المناورة بشكل ملحوظ، وهذا ما لا يخفيه حتى رجال الشرطة، ففي إحدى مسيرات البيضاء سمعت أحد المسؤولين الأمنيين يقول لزميله:" هادوك فرقوا الآلاف في 5 دقائق واحنا باقين واحلين مع هاد الكمشة ديال ....." 6-حرية المبادرة والقرار: استطاعت العدل والإحسان أن تخرج من البيروقراطية ومركزية القرار، التي تنخر أغلب التنظيمات في المغرب، بحيث أنه لوحظ نوع من التمايز في المواقف بين مختلف الفروع الشبيبة العدلاوية في المغرب، لا من حيث السرعات ولا من حيث المواقف ولا من حيث تكتيكات الاشتغال في الساحة، حيث لاحظ أغلب المتابعين أن ليس هناك قرار مركزي واحد تنضبط له كل الفروع، وإنما هناك خطوط عريضة مع هامش كبير للمناضلين لاختيار القرار المناسب حسب الظروف والشروط والشركاء الميدانين، فساحة فاس تختلف عن البيضاء عن طنجة عن آسفي عن الناظور عن مراكش. إن كل هذه المؤشرات الموضوعية إلى حد بعيد، تدفعنا للقول إن هيئة بهذا الحضور والقوة والفاعلية والقدرة على التحرك سياسيا وميدانيا، وبهذه المواقف المناهضة لمشاريع السلطة، التي تحاول أن تمررها على الشعب، قادرة على ربح المليون، وعلى لعب أدوار طلائعية في رسم معالم مغرب جديد.