بعد التوتر الكبير الذي خيّم على المنطقة الحدودية بين المغرب والجارة الجنوبية للمملكة موريتانيا، صدر أخيرا قرار السحب الأحادي للجيش المغربي من المنطقة العازلة جنوب الكركرات خلف الجدار الأمني العازل. من الناحية الشكلية، القرار المغربي جاء كنتيجة مباشرة وآنية للبيان الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة، والذي دعا فيه إلى الانسحاب من المنطقة العازلة، والابتعاد عن التوتر، وضمان مرونة حركة النقل الطرقي، والعودة إلى الوضع السابق. من الناحية الإستراتيجية، قرار إعادة انتشار قوات الدرك الحربي جاء بعد أن حقق المغرب الأهداف التي رسمها، منذ دخوله إلى المنطقة العازلة خلال منتصف شهر غشت 2016؛ وهي العملية التي عبر عنها آنذاك بيان ولاية جهة الداخلة وادي الذهب، الذي أشار إلى قيام المصالح الأمنية وعناصر الجمارك بتنظيم عمليات تطهيرية بمنطقة "الكركارات" بجنوب المملكة، من أجل الحد من أنشطة التهريب والتبادل التجاري غير المشروع التي تعرفها المنطقة. الآن، وبعد صدور بيان الأمانة العامة للأمم المتحدة والتي أكدت عملية إعادة الانتشار لقوات الدرك الحربي التي نفذها المغرب، وترحيبها بالتزام المغرب باتفاق وقف إطلاق النار طبقا لمواثيق الأممالمتحدة والقانون الدولي، ما هي السيناريوهات المحتملة لما بعد الخطوة المغربية؟ في ظل المواقف التي عبّرت عنها القوى الكبرى، وخاصة تلك المؤثرة في ملف الصحراء المغربية، وتحديدا فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة، والتي رحبت كلها بالموقف المغربي الذي يجسد قيم القانون الدولي وسياسة ضبط النفس التي ما فتئ المغرب يعبر عنها منذ افتعال المشكل، هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسية لآفاق الوضع داخل المنطقة العازلة. السيناريو الأول يقضي بصدور تعليمات مباشرة من النظام العسكري بالجزائر، تقضي بانسحاب كلي لمليشيات البوليساريو الانفصالية من كامل المنطقة العازلة، والكف نهائيا عن كل المضايقات التي تقوم بها تلك المليشيات للحركة التجارية الإقليمية الدولية بين المغرب ودول غرب إفريقيا. هذا السيناريو يستوجب أيضا، في حالة خروج المليشيات المسلحة من المنطقة العازلة، ضرورة التحرك السريع للسلطات الموريتانية من أجل اتخاذ الإجراءات المناسبة من أجل طرد عصابات البوليساريو من كامل المنطقة الحدودية التابعة للتراب الموريتاني، مع العمل أيضا على إزالة كل ما سمي ب"مراكز للمراقبة" التي أقامتها عصابات البوليساريو. هذه الإجراءات ستهدف، بالدرجة الأولى، إلى وضع حد لأعمال التهريب وممارسة الجريمة المنظمة في المناطق الحدودية والقطع مع الممارسات السابقة التي كانت تهدد المنطقة، والتي كانت سببا مباشر في التحرك المغربي نحو الشريط الحدودي، مع العلم بوجود تحركات سابقة للقوات المغربية للهدف نفسه. السيناريو الثاني يتعلق باحتمال تعنت النظام العسكري الجزائري في الاستجابة للنداءات الصادرة عن الأمانة العامة للأمم المتحدة وكذا المواقف الدولية التي رحبت بالخطوة المغربية، وتنتظر في المقابل خطوة مماثلة من ميليشيات البوليساريو. في هذه الحالة، ستسعى الجزائر إلى محاولة إبقاء الوضع كما هو عليه، واستغلاله إعلاميا هي وصنيعتها البوليساريو، ومن ثمّ ستبقى المليشيات المسلحة في المنطقة العازلة. تعامل المغرب من أجل تغيير هذا الواقع، الذي يفرضه السيناريو الثاني، سيكون بشكل مباشر مع الأمين العام للأمم المتحدة، ما دام أن المغرب قد طالب المسؤول الأممي عند اتخاذ قرار إعادة الانتشار باتخاذ "إجراءات عاجلة" لتطهير المنطقة العازلة، دون الإعلان عن أجل محدد لتلك العملية؛ وذلك احتراما للأعراف الدبلوماسية في الإطار نفسه، يمكن أن يكون تعامل المغرب بشكل مباشر مع الواقع الذي يفرضه هذا السيناريو، إذا ما تمادت مليشيات البوليساريو في عرقلة الحركة التجارية، ونتج ذلك عن مس مباشر بالسلامة الجسدية والمادية للأطراف المعنية بالتنقل داخل المنطقة العازلة السيناريو الثالث يتعلق باحتمال حدوث تهور من النظام العسكري الجزائري، من خلال إعطاء تعليمات وأوامر إلى مرتزقة البوليساريو بالتقدم في اتجاه المنطقة العازلة، والتي كان يشرف عليها المغرب قبل عملية إعادة الانتشار. في هذه الحالة، سيكون الرد المغربي مباشرا، ودون انتظار الضوء الأخضر من الأممالمتحدة، في إطار المادة ال51 من ميثاق الأممالمتحدة، والتي تعطي للمغرب الحق في ممارسة الدفاع الشرعي. ومن ثمّ، ربما سيضطر الجيش المغربي إلى مصادرة العناصر المتوغلة، في عملية خاطفة، ودون الدخول في مواجهات مباشرة، ستستهدف بالتأكيد تطهير كامل المنطقة العازلة من الانفصاليين. إذن، القاسم المشترك بين جميع السيناريوهات المطروحة يتعلق بشكل أساسي بالموقف الذي سيتخذه النظام الجزائري، بعد انهيار منظومته الدبلوماسية جراء الضربات القوية التي تلقتها داخل الاتحاد الإفريقي من لدن الدبلوماسية الملكية. وبشكل غير مباشر، فإن السيناريوهات المطروحة ترتبط أيضا بالمواقف العملية التي ستتخذها السلطات الموريتانية على الأرض. في ظل الغموض الكبير الذي يلف مستقبل الحكم داخل الجزائر، لا يمكن ترجيح أي سيناريو على آخر، خاصة في ظل الصراع المحموم الذي يدور في الخفاء بين أركان النظام العسكري، والذي يعتبر استمرار النزاع حول قضية الصحراء المغربية أحد أهم أولوياته، وأحد أبرز القضايا التي يتشبث بها النظام، من أجل تصدير مشاكله الداخلية نحو الجارة الغربية، خاصة بعد تأكيد النظام الجزائري لمتزعم البوليساريو، في رسالة قيل إنها وقعت باسم "الرئيس الجزائري" أواخر شهر فبراير المنصرم، مواصلة دعمه لمرتزقة البوليساريو. إن الوضع القائم الآن داخل المنطقة الحدودية بين المغرب وموريتانيا يسائل المنتظم الدولي، خاصة الأممالمتحدة والدول دائمة العضوية داخل مجلس الأمن الدولي، حول جدوى الإبقاء في الوقت الراهن على منطقة عازلة بين المغرب وموريتانيا بطول 3.7 كيلومترات؛ وهي مسافة، إذا ما قورنت بحجم الإكراهات التي تعرفها منطقة الساحل والصحراء، طويلة جدا، وتفتح الباب على مصراعيه أمام مخاطر أمنية جسيمة خاصة تلك المتعلقة بالإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة السرية. ومع استبعاد حدوث سيناريو رابع يتعلق بالدخول في حرب إقليمية بالوكالة بين المغرب والجزائر، خاصة في ظل الظروف الجيوستراتجية التي تعرفها دول أوربا والمنطقة المغاربية وكذا منطقة الساحل والصحراء، فقد أعلن المغرب من جانبه حالة الاستنفار القصوى في صفوف جنود وضباط الاحتياط والجنود المشاركين في حرب الصحراء، من أجل الاستعداد لكل الاحتمالات الممكنة. *أستاذ باحث