المكان لا يشبه غيره في الرباط، في رقعة صغيرة شيدت أكشاك من خشب متراصة كأنها أعواد ثقاب، وسط الساحة الصغيرة وضعت باقات ورد بكل الألوان بعناية مفرطة، ترتيبها يوحي كأن رساما تشكيليا مر من هنا. هذا المكان ما إن تصل إليه تنسى هموم الدنيا وتسبح باسم الجمال والرقة. يسميه البعض "مارشي النوار"، ويسميه البعض الآخر "بلاص بتري"، لكن أسماءه المختلفة تتلاشى مع أول باقة زهور تجد طريقها إليك. هنا تجد كل أنواع باقات الزهور التي تريدها، باقات للعشاق، وباقات للمناسبات العائلة والرسمية وأعياد الميلاد، وأخرى للزوجات؛ فكم من باقة ورد أطفأت غضب زوجة وغيرت حياة الكثرين. ولأن للورد معان تتباين مع تعدد القراءات، فإن الإقبال على بعض الأنواع والألوان مرتبط بما تمثله لدى الزبون، ولهذا يحرص المكان على توفير أصناف مختلفة إرضاء للأذواق وتجاوبا مع الحاجة. وعلى الرغم من أن بائعي الورد يبثون في نفوس الزبائن مع كل باقة شيئا من السعادة والراحة، إلا أن ذلك لم ينعكس عليهم؛ إذ يبدو على محياهم الحزن والأسى والتذمر؛ إذ أكد أغلب تجار الورد الذين تحدثت إليهم هسبريس أن تجارة الورد عرفت تراجعا خلال السنوات الأخيرة؛ وهو ما يجعلهم يعيشون على "كف عفريت". الإقبال في المناسبات قال محمد، وهو صاحب محل بيع الورد في "مارشي النوار"، إن تجارة الورد تنتعش بشكل موسمي، خصوصا في موسم الأعراس وعيد الحب وعيد المرأة، مردفا أن باقي أيام السنة تكون العجلة الاقتصادية ميتة؛ إذ إن الإقبال النسبي على باقات الورد يكون خلال نهاية الأسبوع (يومي الجمعة والسبت). وأضاف محمد، في حديثه لهسبريس، أن ما يحد من الخسارة التي يتكبدها تجار الورد بسبب سرعة ذبولها هو تعاقد الشركات والأبناك والمؤسسات الرسمية مع التجار لتزويدهم بباقات الورد بشكل أسبوعي، مشيرا إلى أن "اهتمام المغاربة بالورد بدأ يتزايد خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه لا ينعكس على المبيعات". من جهة أخرى، قال سعيد، عامل بإحدى محلات الورد المتواجدة "ببلاص بتري"، إن ثمن الورد يختلف من موسم إلى آخر، ويرتفع في المناسبات مقارنة مع الأيام العادية، موضحا أن ثمن الباقة المتكونة من مائة وردة (روز) التي يقتنونها خلال الأيام العادية ب 100 درهم، تصبح ب 500 درهم؛ وهذا ما يفسر ارتفاع ثمن الورد خلال المناسبات، بحسب المتحدث. تنوع مصادر الورد تتنوع الأماكن التي يتم جلب الورد منها، إذ إن هناك وردا محليا وآخر مستوردا. وأبرز محمد، في التصريح ذاته، أن أغلب التجار يجلبون الورد من مراكش وبني ملال وأكادير، كما أن هناك بعض الورود البرية التي تنبت في منطقة الشمال والمناطق المجاورة لمدينة الرباط ويتم جمعها من قبل سكان هذه المناطق لبيعها إلى تجار الجملة الذين يوزعونها على محلات بيع الورد. من جانبه أكد سعيد، في حديثه لهسبريس، أنه في فصل الشتاء الذي يرتفع خلاله ثمن الورد المحلي يتم استيراد الورد من غينيا ومن بعض بلدان أمريكا اللاتينية، مثل الإكوادور وكولومبيا، مشيرا إلى أن تكلفة استيراد الورد من الخارج تكون أقل من جلبه من المدن المغربية. عمال في "نوار" من بين الأمور التي تجعل العاملين في تجارة الورد يغيرون المهنة عدم استفادتهم من التغطية الصحية والحد الأدنى للأجور، بالإضافة إلى التقاعد. وأكد أغلب العاملين الذين تحدثت إليهم هسبريس أنهم يشتغلون في "نوار" وغير مصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو ما يؤدي بهم إلى عدم الإحساس بالاستقرار المهني. عبد الله، واحد من بين هؤلاء العاملين، قال، في حديثه مع هسبريس، إن "تجارة الورد توفر العيش الكريم فقط لأصحاب المحلات، أما العاملون لا يستفيدون من أي شيء غير راتب هزيل لا يكفي حتى لكراء غرفة مع الجيران"، مضيفا: "جل العاملين في محلات الورد غير مصرح بهم ولا يتوفرون على التغطية الصحية". دون موقف سيارات يرجع بائعو الورد في "مارشي النوار" أسباب تراجع زبائنهم إلى عدم وجود موقف سيارات قريب من "المارشي"؛ إذ أكد محمد، بائع الورد، أنه منذ الإصلاحات التي قامت بها البلدية بشراكة مع صندوق الإيداع والتدبير لسوق الورد وإزالة موقف السيارات الذي كان في السابق، بدأ عدد الزبائن يتراجع، مفسرا ذلك بكون أن أغلب الزبائن لا يجدون مكانا لركن سياراتهم. وأضاف المتحدث: "قدمنا مجموعة من الشكايات إلى البلدية من أجل إيجاد حل لهذه المشكلة إلا أنها لم تستجب لطلباتنا"، مردفا: "فقدنا أغلب زبائننا بسبب سوء تدبير البلدية وسيديجي، ونحن مهددون بالإفلاس بسبب تناقص عدد الزبائن المستمر ".