يتخبطون في دوامة النسيان وفقر لا نهاية له، لا يعتبرون أنفسهم أحياء بل أمواتا في زمن يتنكر فيه الحاضر للماضي.. بعضهم ينتظر مستقبلا مشرقا وغدا أفضل، والبعض الآخر ينتظر الموت الذي يلاحقه أينما حل وارتحل.. يقطنون بيوتا لا تؤمن من خوف، يصعب للرجال منهم تأمين مصاريف المأكل والتنقل والتداوي من الأمراض المنتشرة بكثرة في دواويرهم، ويصارعون هم ونساؤهم وأطفالهم للبقاء على قيد الحياة. قبائل أيت عبدي تعيش بين أوجاع الحرمان والألم والعوز، ويبدو أن دوامة الحياة تسحبها إلى مكان مجهول، بعيدا عن حسابات مراكز القرار وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا، لتقف عاجزة كل العجز أمام صخرة الفقر التي لا تنكسر. بمجرد أن تطأ قدماك الطريق المؤدية إلى دواوير أيت عبدي تستطيع قراءة أول فصول المعاناة وحالة اليأس والإحباط التي تعيشها الساكنة، بسبب الظروف الاجتماعية القاسية والمزرية التي مست جميع جوانب الحياة اليومية.. حياة البؤس والشقاء التي يكابد معاناتها المواطنون، والتي تجعلهم عرضة لجميع أشكال الاستغلال، خصوصا الأطفال منهم . وحسب عدد من الإحصائيات غير الرسمية، تعد دواوير أيت عبدي الأكثر فقرا بدائرة املشيل، إذ يعيش سكانها تحت خط الفقر، ويعكس معيشهم اليومي هشاشة هذا الركن من الوطن . كانت قبائل أيت عبدي، سابقا، قبائل رحل تعتمد على تربية الماشية، لكنها مع مرور الوقت استقرت في مناطق كثيرة بالأطلس المتوسط والكبير ولجأ العديد من أفرادها إلى البحث عن مهنة أخرى تضمن لهم لقمة العيش، نظرا لما يعانونه من عزلة وتهميش، كما غادر كثير منهم مداشرهم وقراهم في اتجاه السهول المنخفضة في قلعة مكونة وبومالن دادس وتنغير وتيزي نسلي واغرم نلعلام بإقليمبني ملال. الطريق حلم بوجوه مبتسمة وبأياد ممدودة وترحيب بدوي أصيل، داخل بيوت متواضعة وأثاث لا يتعدى سجادة وبضع وسائد، وكومة من الحطب على مدخل المنزل، تستقبلك عائلات أيت عبدي، التي تعيش حياة بدائية قاسية. وكشفت الزيارة التي قامت بها هسبريس إلى المنطقة مدى صعوبة الحياة بالمنطقة والمعاناة التي تكابدها ساكنة أيت عبدي يوميا، إذ لازالت تعتمد على المقومات البدائية من أجل البقاء، وتبدأ معاناتها مع غياب مسالك طرقية معبدة، تنهار كل مرة بسبب التقلبات المناخية التي تتميز بها المنطقة في فصل الشتاء، وهو ما يحول دون قضاء المواطنين لحاجياتهم الإدارية والمعيشية . المسالك الطرقية المؤدية من مركز املشيل إلى دواوير أيت عبدي: "تيدرت، تمزاغرت، اولغزي، امغال، اغالن، توفصدي، ايت بوداود، امادل"، تتحول كل فصل شتاء إلى برك مائية وتمتلئ بالأوحال، فلا يستطيع حتى الراجلون والدواب السير عليها. وفي هذا السياق، أكدت فاطمة، وهي أرملة وأم لأربعة أبناء، في حديث مع هسبريس، أن الثلوج والسيول تعزل المنطقة كل فصل شتاء عن مركز املشيل وبوزمو، مطالبة من المسؤولين بضرورة إنجاز الطرق والمسالك لتسهيل عملية التنقل بين الدواوير وبين المركز. من جهته أكد احمد المدن، وهو أحد السكان، في تصريح للجريدة، أن الساكنة تقطع مسافة ست أو سبع ساعات مشيا على الأقدام للوصول إلى مركز إملشيل لإنجاز وثائق إدارية بسيطة أو من أجل التبضع، نظرا لغياب طريق، مشيرا إلى أن هناك من يضطر للمبيت في إملشيل إلى يومه الموالي من أجل العودة إلى أسرته وعائلته. وطالب المتحدث ذاته بإتمام أشغال إنجاز الطريق الرابطة بين دوار اولغزي ودوار امركي في اتجاه إقليمأزيلال، لتخفيف عذاب المسافات الطويلة التي يقطعونها في اتجاه املشيل. مواطنة أخرى استنجدت بالملك قائلة: "محمد السادس معندنا والو، حياتنا ماهي حياة سول علينا..المساعدات إلي كتصيفط مكتوصلنا..هادو بغاو اتهناو منا يا سيدنا"، مؤكدة أن ساكنة المنطقة يعانون العزلة عن العالم الخارجي. الصحة غائبة يعاني قطاع الصحة بدائرة املشيل ما بين الإهمال وضعف الإمكانيات منذ سنوات طويلة، وإن كانت هذه المعاناة تزداد وتتفاقم بالقرى النائية التي تقطنها أيت عبدي، حيث تتوزع الخدمات الصحية ما بين قاعة للعلاج بدون ممرض، ومستوصف بدون خدمات ولا يسعف الحالات الحرجة، ومراكز صحية أصبحت مهجورة تسكنها الأشباح أو الحيوانات الضالة. "لا سيارة إسعاف..لا طبيب.. واش حنا لاجئين؟.. بغينا الملك ديالنا اوصلو خبارنا حنا مكرفصين..المسؤولين مكيبانوش غير ملي كتجي التلفزة باش اتصورو معنا واش حنا ديناصورات؟"، بهذه الكلمات عبرت مجموعة من النساء بدواوير أيت عبدي عن تذمرهن من السياسة التنموية بالمنطقة التي تنهجها الجهات المسؤولة عن قطاع الصحة في حقهن، والتي حرمتهن من أبسط الضروريات، كغياب مولدة وسيارة إسعاف، ما عمق من مرارة حياتهن. ومن بين النماذج لقاعات علاج شيدت وأغلقت أبوابها قاعة للعلاج توجد بدوار تمزاغرت، تم تشييدها من طرف مندوبية الإنعاش الوطني وجماعة املشيل، وبقيت منذ تشييدها بدون تجهيزات وأطر تمريضية، وفي هذا السياق قالت "حادة"، وهي من دوار تمزاغرت: "لماذا يقومون بتشييد كل تلك البنايات التي تصرف عليها ملايين الدراهم دون تقديم أي خدمة للمواطنين؟"، مذكرة بأن القاعة المذكورة "لا تتوفر على ممرض ولا على سيارة إسعاف ولا مولدة..هي فقط هيكل إسمنتي عليه لوحة توحي بأنها قاعة العلاج"، وفق تعبيرها. وتعد قرى أيت عبدي من بين المناطق الأكثر تضررا من حيث الصحة والخدمات الطبية، ويطالب ساكنتها بضرورة تعيين ممرض جديد بقاعة العلاج بدوار تمزاغرت مكان الممرض القديم الذي لا يلتحق بعمله، حسب تعبيرهم. التعليم مشلول تناقضات اجتماعية تعيشها هذه المناطق النائية، التي تخفي أسوارها قصصا وحكايات، تحكي وتأخذ منها العبر، وهي فرصة للاعتراف بالعجز بعدم قدرة المسؤولين وجمعيات المجتمع المدني على الوصول إلى هذه القرى حتى الآن، ما دفع بها إلى المزيد من التخبط وبؤس العيش ومعاناة الناشئة. الزائر لهذه القرى سيكتشف حجم معاناة سكانها مع جميع القطاعات. ويعتبر قطاع التعليم ثاني القطاعات التي تعاني وتتخبط في جملة من الإكراهات.. أقسام مهددة بالسقوط، أستاذ واحد يدرس ستة مستويات...كلها عوامل تساهم في تدني التحصيل الدراسي لدى التلاميذ بأيت عبدي، الذين لا يعرف أغلبهم الحروف الهجائية ولا الأرقام. وفي هذا الإطار، اعتبر أحد الأساتذة، رفض كشف هويته، أن التعليم بالمنطقة بين الحياة والموت، مضيفا: "التلاميذ لا يستوعبون الدروس بسبب الاكتظاظ والطريقة المعتمدة في التدريس"، مشددا على ضرورة بناء مدرسة جماعاتية بالمنطقة، ستكون بديلة للحجرات الدراسية المهترئة والمنتشرة عبر مختلف الدواوير. وأضاف المتحدث ذاته أن الأساتذة يعانون من ويلات التنقل من مركز إملشيل إلى مكان عملهم، بسبب غياب وسائل النقل وغياب طرق معبدة، مؤكدا أنهم ينتقلون على الدواب التي يتم تسخيرها من طرف الساكنة، حسب تعبيره. ما يعمق من معاناة سكان دواوير أيت عبدي بدائرة املشيل هو انعدام الربط بالماء الصالح للشرب، إذ يقتصرون في التزود بهذه المادة الحيوية على ماء العيون التي تزخر بها المنطقة، في انتظار ما ستجود به عليهم البرامج التنموية واتفاقيات الشراكة في هذا الإطار، التي ظلت ولسنوات حبيسة رفوف مكاتب المسؤولين المحليين. الجماعة.. الله غالب حياة اومنجوج، نائبة رئيس المجلس الجماعي لإملشيل، أكدت في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن المجلس الجماعي يقوم حاليا بإنجاز المقطع الطرقي الرابط بين المركز ودوار اولغزي، مضيفة أن "الجماعة لا تتوفر على الإمكانيات المالية الكفيلة بإنجاز مشاريع كبيرة بإملشيل". وأشارت المسؤولة الجماعية ذاتها إلى أن غياب مشاريع تنموية يجعل المواطنين يحملون كامل المسؤولية للمجلس الجماعي، مؤكدة أن مؤسسة الجماعة تتحمل أكثر من طاقتها ولا تتوفر على إمكانيات مالية كافية لتنزيل برامج تنموية مندمجة بالمنطقة. وطالبت المتحدثة مجلس جهة درعة تافيلالت والمجلس الإقليمي لميدلت بالمساهمة في إنجاز مشاريع تنموية لفائدة الدواوير النائية، "التي هي في أمس الحاجة إلى المتطلبات الضرورية للاستمرار في الحياة"، وفق تعبيرها. وذكرت اومنجوج أن المجلس الجماعي لإملشيل، وفي إطار برنامج عمله، سيقوم بحفر بعض الآبار الخاصة بالماء الصالح للشرب، لفائدة ساكنة بعض دواوير أيت عبدي، مضيفة أن الجماعة ستعمل على توقيع اتفاقيات شراكة مع المجلس الجهوي والإقليمي لربط جميع الدواوير بالماء الصالح للشرب في المستقبل القريب. وأوضحت حياة اومنجوج أن دواوير أيت عبدي خاصة ودواوير إملشيل بصفة عامة في حاجة ماسة إلى تنمية شاملة ومندمجة في جميع القطاعات، وبتضافر مجهودات جميع المتدخلين على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي والمركزي.