لا تزال ذاكرة عديد من أبناء الحسيمة ونواحيها محتفظة بذكرى حزينة أفجعت سكان الريف منذ 13 سنة، فبينما كان الناس نياماً ليلة الثلاثاء 24 فبراير عام 2004 إذا بزلزال عنيف بلغت هزاته الارتدادية درجاتٍ قصوى يدمر الإقليم ويحوّله إلى منطقة منكوبة، فكانت الحصيلة مهولة وصادمة للمغاربة والعالم: نحو 860 قتيلا و620 جريحا وتشريد أزيد من 50 ألف شخص.. هسبريس تعود بقرائها إلى تفاصيل الفاجعة. عودة الزلزال إلى غاية كتابة هذا التقرير، تواصل الأرض اهتزازها لأكثر من مرة خلال هذا الأسبوع تحت أقدام سكان مدينة الحسيمة ونواحيها؛ ففي منتصف يوم الخميس 23 فبراير الجاري، بلغت قوة الهزة 3.1 درجة على سلم ريشتر، لتعاود الاهتزاز من جديد يوم الجمعة الذي يليه بهزة خفيفة بلغت قوتها 2.5 درجات على سلم ريشتر، ثم مساء اليوم ذاته بهزة خفيفة ثالثة قوتها 2.3 درجات، دون أن تخلف أية خسائر؛ وهي الهزات التي تحدد موقعها بسواحل بحر البوران. ليلة الفاجعة مع الساعات الأولى (قرابة الساعة ال2:27) من ليلة الثلاثاء 24 فبراير 2004، ضربت هزة قوية منطقة الحسيمة، بقوة 6.3 درجات بمقياس ريشتر مصدرها بلدة آيت قمرة، أسقطت في حصيلة أولية، أعلنت عنها وزارة الصحة التي كان يتولى حقيبتها آنذاك الدكتور محمد الشيخ بيد الله، 220 قتيلا معظمهم من سكان المناطق القروية، وإصابة أكثر من 150 جريحا، حيث تضررت منطقة إمزورن بشكل كبير، بجانب مناطق مجاورة للحسيمة، مثل آيت قمرة وآيت يوسف أوعلي وبني حذيفة والنكور وبني بوفراح وإيكلموس. صدمة الزلزال وبعد المنطقة وعزلتها وعورة الوصول إليها لمباشرة عمليات الإنقاذ السريع كلها عوامل أسهمت في ارتفاع القتلى الذين قضى غالبيتهم تحت أنقاض المنازل والعمارات، حيث أمضى الآلاف من سكان المنطقة المنكوبة يومهم بالعراء في الوقت الذي بكوا أقرباءهم الموتى وانخرطوا في الصدمة الأولى في انتشال الجرحى وجثث الضحايا؛ فيما كان الزلزال لم يتوقف بعد، حيث أثارت هزاته المتتالية هلع متضاعفا لدى السكان. عمليات الإنقاذ بعد ساعات قليلة من الفاجعة، باشرت فرق إنقاذ مشكلة من القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والبحرية الملكية والوقاية المدنية والقوات المساعدة عمليات البحث عن ناجين وانتشال جثث الضحايا من وسط الأنقاض في سباق مع الزمن؛ فكانت أرقام القتلى والجرحى ترتفع بعد كل فترة، لتستقر الأرقام، وفق حصيلة أعلنت عنها وقتها وزارة الصحة، عند 862 قتيلاً و629 جريحا وأزيد من 50 ألف جريح، فيما انهارت نحو 9350 بناية يقع معظمها بمناطق قروية نواحي الحسيمة. وفيما امتلأ المستشفى الإقليمي عن آخره بالجرحى والقتلى، بحسب شهادات من حضروا الفاجعة، جرى نقل مئات الضحايا إلى مقرات الجمعيات والثكنة العسكرية في الحسيمة، فيما لجأت السلطات إلى نقل الموتى صوب ميناء المدينة، أمام احتجاجات رصدت وقتها من لدن سكان الإقليم ضد تأخر المساعدات وفرق الإغاثة بالشكل اللازم.. أما النّاجون، فحوّلوا الشوارع الواسعة والساحات العمومية إلى مخيمات مؤقتة، خاصة مع قدوم مساعدات تضمنت خياما وأغطية وأطنانا من المواد الغذائية الأساسية، حيث قضوا أيامهم داخلها. تطوع المغاربة وزيارة ملكية أقام المغاربة في الجمعة الموالية للفاجعة صلاة الجمعة وصلاة الغائب، في المساجد ترحما على أرواح ضحايا الزلزال، في وقت فتحت فيه عديد من المستشفيات ومصالح الهلال الأحمر أبوابها أمام المواطنين والأطباء والممرضين والمسعفين للتطوع في قافلة التضامن والمشاركة في عمليات التبرع بالدم. كما أقيمت مراكز في عدة مدن للتبرع بالمواد الغذائية والملابس والأغطية، حيث كان لجمعيات المجتمع المدني دور مهم في تلك المهمة. تفاعل الملك محمد السادس، الذي لم يمض على جلوسه فوق العرش سوى خمس سنوات، مع الحادث المفجع ببعث رسالة تعزية إلى أفراد العائلات المنكوبة، واصفا إياه ب"النبأ المؤلم للزلزال الشديد الذي ضرب مدينة الحسيمة ونواحيها"؛ فيما بادر، بعد وقوع الفاجعة بأيام قليلة، إلى زيارة مدينة الحسيمة لتفقد خلالها الجرحى والمنكوبين. وقد نقلت مصادر إعلامية، وقتها، أن الملك محمدا السادس اختار المقام داخل خيمة، للتعبير عن تضامنه مع سكان المنطقة المنكوبين. معونات دولية بعد ساعات من الفاجعة، طلبت السلطات المغربية مساعدات من دول أجنبية فيما بادرت أخرى إلى إعلان إرسال معونات دولية عاجلة لمساعدة منكوبي الزلزال، فكانت أولى المعونات قادمة من الجارة إسبانيا التي نقلت عبر الطائرات رجال إنقاذ وكميات من الأدوية والأغطية، فيما بعث الصليب الأحمر الإسباني فرق إنقاذٍ متعددة التخصصات. دول أخرى مثل فرنسا والبرتغال وبلجيكا وإيطاليا وألمانيا ومنظمات إنسانية أرسلت مساعدات متعددة، تعددت بين طائرات مدنية وعسكرية محملة برجال إنقاذ وكلاب مدربة للبحث عن الضحايا بين الأنقاض؛ وهي الفرق الأجنبية التي ساعدت نظيرتها المغربية في البحث عن ناجين وانتشال جثث الضحايا من وسط الأنقاض، بجانب مؤن غذائية وعيادات متنقلة ووحدات لنقل المياه الصالحة للشرب للساكنة المنكوبين.