مقدمة نقدية لكتاب "الإضافة النوعية القرآنية.. مراجعة نقدية لسفر التكوين" لمصطفى بوهندي 3/3 يتساءل بعض القراء عن أن ما أكتبه يكتسي منحى فكريا ولاهوتيا، يدحض اليقينيات. وللإجابة أقول: نعم، إن ما أكتبه يدحض اليقينيات، وخصوصاً الدينية منها، وفي الوقت نفسه يفحم مثقفي الأعمدة والفلكلور! كل ما أكتبه ليس مجرد مقالات، بل مقتطفات من بحوث لي أبت الإيديولوجية الآيلة إلى السقوط ألا تنشرها؛ فكل المعلومات التي أذكرها وأذكر مصادرها في مقال معين هي في الحقيقة كتابات مستنبطة من تاريخي الصغير في مجال فحص الأسانيد وتأويل النصوص الدينية، خصوصاً الإسلامية والمسيحية. وهنا، من خلال هذا المنبر (هسبريس)، يتم توظيفها ليكون لها بعد قيمي ومعرفي.. فليس أحقر ولا أنذل أن ننسحب تاركين المجال لصانعي قيمنا اليوم، والكذبة باسم الدين والتجار الدينيين أن يحددوا لنا أمننا الروحي والديني.. إن دورنا هو توعية المُجتمع بالزّيف الإيديولوجي.. فهذا هو محور مقالاتي المستفزة أحيانا لهؤلاء المثقفين المُخنثين أصحاب الوعي الزائف.. لقد استبطنا، في المقالين الآخرين من هذه الدراسة النقدية حول "الإضافة النوعية القرآنية.. مراجعة نقدية لسفر التكوين" للباحث مصطفى بوهندي، ثماني مغالطات غير معللة. وها نحن نكمل ما قد بدأناه بإحدى عشرة مغالطة أخرى بهذا الكتاب الصادر عن دار النشر الساقي سنة 2011. المغالطة الأولى: من هو المفسر اليهودي للتوراة الذي تكلم عنه مصطفى بوهندي في الصفحات (49 - 51)؟ فإذا كان هناك مفسر، فيجب أن نعرف اسمه! إذ يقول الكاتب ب"إن هناك مُفسرا يهوديا للتوراة" بدون أن يعطينا اسمه، بل تكلم عنه بهاته الجملة الركيكة "من طرف المُفسر اليهودي" (ص 49/ انظر أيضاً الصفحات 50 - 51)، ثم يذكر هذا المفسر بلا اسم مرة أخرى في (ص 49) حيث يقول "ولعل هذا المُفسر في تفسيره"، فعن أيّ تفسير يتكلم مصطفى بوهندي؟ فكثيراً ما نرى هذه الجملة، ولكن الكاتب لا يعطيناً من هو هذا المفسر اليهودي؟! ثم يضيف في الصفحة (50) "إن النص التفسيري الذي بين أيدينا والذي ألحق بالقصة في الأسفار القانونية"؛ لكنه لا يعطينا ما هو النص الملحق لنعرفه والموجود بالأسفار القانونية ! ويسترسل بأن للنص المقدس مفسرين (ص 49 - 51)؛ لكنه لا يوضح لنا من هم؟ المغالطة الثانية: أشار الكاتب إلى أن هناك قصصا لإبراهيم ب"التلمود" و"القبالاه" و"المدراش" و"الهاكاداه" عند اليهود؛ لكنه لم يحدد المراجع بالضبط ليترك الباحث في حيرة من هاته الكتب وقصصها عن رجل الله إبراهيم، فالبحث العلمي والتحقيب التاريخي يفترض الإشارة إلى المراجع بالتحديد.. وهذا ما لم يفعله الكاتب (انظر الصفحات 81 - 82)، وفي الحقيقة هذا مجرد هروب من الحقيقة الساطعة، أنه "ليست هناك إضافة نوعية قرآنية للكتاب المقدس"، ودليلنا على ذلك هو ما قاله بخصوص عدم إدراجه للمراجع في آخر الكتاب (الإضافة النوعية القرآنية)، إذ يقول: "المصادر المعتمدة في هذه الدراسة هي الكتب المقدسة والقرآن الكريم أساساً، إضافة إلى بعض النصوص القديمة الأخرى، التي لم نوردها إلا في مرات قليلة، كمخطوطات قمران المكتشفة بالبحر الميت ونصوص التلمود والهاكاداه المطبوعة في كتب مستقلة بهذا الاسم، وقد ترجمنا منها ما احتجنا إليه إلى اللغة العربية" (ص 229)، نرى هنا أن الكاتب لم يحدد ما هي هذه النصوص القديمة؟ ولم يعطينا السبب لعدم ورودها كمراجع داخل كتابه ! المغالطة الثالثة: يعتمد مصطفى بوهندي على رؤيا إبراهيم التي أتت بمخطوطات قمران حسب إشارته المرجعية (انظر الصفحات 92 - 96) وكتاب الخمسينات المنحول، ليبين لنا صدقية الرواية القرآنية مع هاته الكتب المنحولة، والسؤال هو - إذا كانت هذه الكتب ذات مصداقية للمسلمين، فليؤمنوا بها ويقولوا هاته هي الكتب غير المحرفة، ويتخذوها بدل التوراة التي يدعون تحريفها، ومن ثم ننهي الجدل بالخصوص. المغالطة الرابعة: لا أدري من أين أتى الكاتب بهذه المعلومة بخصوص "بيت إيل" إذ يدعي أن هناك ألاعيب ترجمية لا تترجمها ب"بيت الله" بالكتاب المقدس (ص 106). وهذا الادعاء مناف للصحة؛ ف"بيت إيل" نعرفها ك"بيت الله"، ومكان هذا البيت كنعان (فلسطين) - انظر سفر التكوين (35: 1 - 2) وليس ما قاله الكاتب أن هذا البيت بالجزيرة العربية، ثم إن "بيت إيل" ليست هي "مكة" أو "بكة" كما يريد أن يوهمنا الكاتب من خلال إيديولوجيته (ص 106 و108). وقد سقط الكاتب في الإشكال نفسه عندما تكلم عن منطقة "بئر سبع" (ص 118) بفلسطين عندما سماها ب"بئر الكعبة"، مع العلم أن "الكعبة" توجد بالسعودية، ولا علاقة لجغرافية فلسطين التي توجد بها "بئر سبع" بالسعودية (الجزيرة العربية)؛ ففي الصفحات (172 - 173)، يقول مصطفى بوهندي إن "بيت إيل" هو "البيت الحرام"، لكنه لا يدلي بأي دليل لهذا الكلام العاطفي، ويقول إن هذا المكان أفرغ من بعده الديني، ليبقى اسم موضع من غير قداسة حتى يسلطوا عليه أهواءهم - فما هي الأهواء التي سلطها بنو إسرائيل على بيت إيل؟ ويدعي الكاتب أيضاً أن المكان المدعو ب"إيلون باكوت" هو "حقل بكة"، لكن الترجمة الصحيحة العربية لهذا المكان هي "بلوطة البكاء" (سفر التكوين 35: 8) - انظر هذا الخلط أيضاً بالصفحات (107 و125) إن الكاتب يحاول أن يوهمنا بأنه يتكلم عن الحج انطلاقا من قصة إبراهيم في الصفحات (ص 92 - 96 و106 - 108 و113). وهذا مجرد تدليس ومحاولة لتوهيم القارئ غير المتخصص في علم مقارنة الأديان بأن الحج موجود بسفر التكوين. المغالطة الخامسة: في حديث مصطفى بوهندي عن الأسباط (ص 141)، يقول إن "دان الابن الرابع ليعقوب"؛ لكن المعروف عند اليهود أن الابن الرابع ليعقوب هو "يهوذا" وليس "دان"، بل إنه أتى في الترتيب الرابع بالفقرة (2 - 3) من سفر التكوين، الإصحاح التاسع والأربعون "وهذه أسماء بنو إسرائيل الذين جاؤوا إلى مصر، مع يعقوب جاء كل إنسان وبيته، رأوبين وشمعون ولاوي ويهوذا".. المغالطة السادسة: وتحت عنوان جامع "وصايا الأسباط" (ص 147 - 165) تكلم الكاتب عن اثنتي عشرة وصية لأسباط بني إسرائيل لا علاقة لها بسفر التكون الذي ادعى الكاتب أنه يقدم مُراجعة نقدية له من خلال القرآن، فهذه الوصايا الاثنتي عشرة مقتبسة من "مخطوطات قمران - كتابات ما بين العهدين"، وهي لا تمثل النص التوراتي، فكل هذه الوصايا لا توجد بسفر التكوين- فلا نعرف لماذا ربط الكاتب استنتاجاته على كتابات غير قانونية لبناء طرحه؟ المغالطة السابعة: يضع الكاتب استنتاجا يقول فيه "إن استحضار القرآن لوصية يعقوب لأبنائه بالإسلام يعد مراجعة نقدية عميقة للفكر الكتابي تساير الطرح العالمي للدين الذي تعبر عنه هذه الوصايا بوضوح كامل، وهو ما يفيد بأن إبراهيم وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا كلهم ضمن هذا الدين العالمي الإنساني.." (ص 166)؛ لكن ما تكلم عنه هنا له علاقة بمخطوطات قمران ولا علاقة له بسفر التكوين عنوان مراجعته الإضافية على حد زعمه، فلا نعرف - لماذا ربط استنتاجاته بالكتاب المقدس والطرح الكتابي. المغالطة الثامنة: يقول مصطفى بوهندي، في اللقاء الذي نظمته "جمعية المغرب المتعدد" حول موضوع "التسامح" في (15 - 16 أبريل 2016) بمدينة الصويرة، "إن الكتب التوراة والإنجيل لم يتم تحريفها.. فهي ليست محرفة.."؛ لكن هنا يقول، بالصفحة (168) من كتابه في معرض حديثه عن يهودا، "إن سبط يهودا قد وجه النصوص الحاخامية القانونية إلى ما يخدم أهوائه". وهذا تناقض في كلامه حسب المواقف التي يوضع فيها والسياقات، وهو ما يعني أن الكاتب ليست له رؤية لمشروع يريد إنجازه من خلال هذا التضارب والتناقض في أقواله الصحافية أو المنبرية، فلا يمكننا أن نعتد بمن يغير مواقفه بدون إعطاء تبرير لما يقوله في السابق والحاضر. المغالطة التاسعة: "العم إسماعيل (بنوعمون) والأم هاجر (الهاجريون) أو أم الأب (الموأبيون)، أو مكة (المعكيون) أو الكعبة (الجبعونيون) أو بئر زمزم (الزمزميون)، أو غيرها من المسمًيات التي ظلت محافظة على أصلها اللغوي في الكتاب المقدس رغم محاولات الكتمان والإخفاء" (ص 173)، لا نعرف من أين أتى المؤلف بهذه الأسماء إذا استثنينا "المؤابيون". هذه الأسماء "الهاجريون" و"المعكيون" والزمزميون"، ليست لها علاقة بالكتاب المقدس (سفر التكوين) الذي يتكلم عنه مصطفى بوهندي، فلا نعرف من أين أتى بهذه الأسماء ! المغالطة العاشرة: يقول مصطفى بوهندي "إن نبي الإسلام وقومه لم يكونوا من القارئين للكتب المقدسة"، وهذا يعني أنهم غير معنيين بما أتى بها؛ لكنه بعد ذلك يقول: "إن القرآن أتى بإضافة للكتب المقدسة"، وأنه سيكشف بعض أوجه هذه الإضافة، مع العلم أنه تجاوز 194 صفحة في متن كتب من أجل هذه الإضافة. وقد جاء في الصفحة (196) أن "القرآن أتى في إطار جدل كتابي ورد على الاتهامات الكتابية الموجهة لنبي الإسلام".. فكيف يكون القرآن أتى في إطار رد والكتاب المقدس مكتوب من قبل؟ فهذا خطأ منهجي وقع فيه الكاتب مرة أخرى لما وضع اللاحق شاهدا عن السابق. المغالطة الحادية عشرة: يقول المؤلف في الصفحة (198) "إن العرض القرآني توافق مع مخطوطات قمران.." مع العلم أنه استشهد بنص غير موجود أصلاً بهذه المخطوطات التي ادعى أنه أخذ منها النص الذي يقول على لسان يوسف: "لقد رأيت في حياتي الحسد والموت ولم أضلل، بل بقيت في حقيقة الرب، لقد أبغضني إخوتي؛ لكن الرب أحبني، كانوا يريدون قتلي لكن إله آبائي حفظني، رموني في الهوة والعلي أصعدني منها، باعوني عبداً وحررني سيد الأشياء كلها".. ولما رجعنا إلى الشاهد الذي وضعه في الهامش لهذا النص لم نعثر عليه في بحثنا والشاهد هو - مخطوطات قمران / الجزء الثاني = وصية يوسف (ص 432). وقد بحثنا من الصفحات (ص 431 إلى متم 438) والمعنونة ب"وصية يوسف". وقد نسب القصة في الصفحات (44 - 46 و201) إلى النص الخاخامي؛ لكنه لم يعطينا دليلاً على ذلك، زيادة على أن هاته النصوص الخاخامية ذكرت بدون تحديدها في الصفحات (44 - 46 و199 - 200 و203)، وهو ما يعني أن سفر التكوين الذي قيض الدرس من لدن المؤلف هو سفر خاخامي وليس السفر القانوني الذي نعرفه. *عضو المكتب التنفيذي لمركز الدراسات والأبحاث الإنسانية