بعد هدوء دام لأيام، عاد رئيس الحكومة المعين، عبد الإله بنكيران، لتقليب ملف المشاورات والحديث فيه أمام منصة المجلس الوطني للحزب، معيدا التلويح بموقفه المتشبث بتشكيل حكومة مكونة من الأغلبية السابقة. وحافظ بنكيران، الذي تحدث أمام المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، على موقفه الرافض لدخول حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى الحكومة، معتبرا أن ما حصل عليه رفاق لشكر كافيا بعد فوز مرشحهم الحبيب المالكي بمنصب رئاسة مجلس النواب، وهو ما عبّر عنه بمخاطبة زعيم الاتحاديين بالقول: "شدّيتي رئاسة مجلس النواب باراكا عليك". المشاورات التي ظلت حبيسة نفق "البلوكاج"منذ حوالي أربعة أشهر، ربط بنكيران انفراجها باحترام باقي الأحزاب الأخرى للمنطلقات التي أعلن عنها سابقا، واحترام الإرادة الشعبية والتعيين الملكي والقواعد الديمقراطية، فضلا عن انتظارات المواطنين. بن يونس المرزوقي، باحث في العلوم السياسية، اعتبر أن التصريحات المتشددة الصادرة عن الأطراف الحزبية المعنية بملف تشكيل المفاوضات باتت تطرح تساؤلات حول طبيعة المرحلة التي أصبحت تُهدد البلاد بفراغ مؤسساتي تنفيذي وتشريعي، مضيفا أن هذه الصراعات لا زالت لم تأخذ البُعد الحقيقي الذي يجب أن تصب في اتجاهه المتمثل في خلق كتل حزبية حقيقية. وقال المرزوقي، في تصريح لهسبريس، إن "تصريحات رئيس الحكومة المكلف، باعتباره رئيسا لحزب العدالة والتنمية، لا تسير في اتجاه منظور موضوعي يتجاوز الحسابات الظرفية إلى حسابات استراتيجية تؤدي إلى تقوية الأحزاب ذات المشروعية التاريخية والنضالية إلى جانب الأحزاب ذات المشروعية الانتخابية"، منبها إلى كون الوضع القائم "لن يكون قادرا على معالجة الأعطاب التي يعيشها المشهد الحزبي ومنح فرصة للأحزاب القادرة على الدفاع عن استقلالية قرارها"، وفق تصوره. وفي تحليله للحالة السياسية الحالية بعد دخول "البلوكاج" شهره الرابع، أشار المتحدث ذاته إلى وقوع تحول في بنية المشهد السياسي المغربي بعد ميلاد دستور 2011، بتحول الصراع من "ثنائية الدولة-الأحزاب السياسية إلى صراع ثنائي من طبيعة أخرى؛ أحزاب سياسية-أحزاب سياسية"، يقول المرزوقي، الذي أضاف أنه بعد قيام تناوب جديد يقوده حزب العدالة والتنمية، لم يعُد هناك أي معنى لأحزاب موالية للدولة وأحزاب معارضة إلا في حدود دنيا. "مشاورات تشكيل الحكومة لا زالت غير قادرة على فرز استقطاب حزبي واضح، مبني على خلافات مذهبية أو سياسية أو برامجية"، يقول الباحث في العلوم السياسية، مضيفا أن المشهد بات يفتقد إلى كتلة ديمقراطية موحدة وأحزاب وفاق متجانسة، ما أفرز، بحسبه، "اصطفافات غريبة، مثل تحالف التقدم والاشتراكية وإخوان بنكيران".