رصد التقرير السنوي عن وضعية النشر والكتاب في مجالات الأدب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، الذي تعده مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء، وضعية القطاع التي لا تزال تراوح مكانها، بالرغم من التطور الذي سجله هذا المجال بالمقارنة مع العام الماضي. وأفاد التقرير بأن حصيلة النشر لموسم 2015/2016 بالمغرب شملت ما قدره 3304 وثائق؛ تتوزع بين 2807 من الكتب و497 من المجلات الأكاديمية والثقافية، بعضها يتضمن ملفات مخصصة لموضوعات محددة. وإذا كانت الحصيلة الإجمالية لمنشورات هذه السنة قد حققت نموا بنسبة 19 في المائة مقارنة مع 2014/2015، فإن التوجهات الكبرى للنشر، وفق مؤشرات اللغات والمجالات المعرفية، قد حافظت على الوتيرة نفسها المسجلة في التقرير السابق، دون إهمال الإشارة إلى البدايات الأولى لدخول المجلات المغربية المجال الرقمي بنسبة 25.35 في المائة من المجلات المحصل عليها. وأفاد التقرير بأن مسلسل تعريب قطاع النشر في المجالات الأدبية والمعرفية الذي انطلق أواسط ثمانينيات القرن الماضي يتوجه نحو الاكتمال؛ إذ انطلقت نسبة حضور العربية في قطاع النشر من 58 في المائة أواسط الثمانينيات لتصل إلى 82.5 في المائة في التقرير الجديد. وبتراجع الفرنسية إلى 394 عنوانا، وفق التقرير الحديث، فإنها لم تعد تغطي سوى 14.5 في المائة من المنشورات المغربية، علما بأن النشر باللغة الأمازيغية، وهي اللغة الرسمية أيضا وفق دستور المملكة، ظل يراوح مكانه بنحو 50 عنوانا فقط؛ أي 1.84 في المائة، كما لم تنل اللغات الأجنبية غير الفرنسية سوى نسب ضئيلة جدا من حجم النشر السنوي في المغرب؛ إذ سجلت الاسبانية 0.66 في المائة، والإنجليزية 0.48 في المائة. ويتضح من خلال النسب المسجلة الحضور المطرد للغة العربية في حقل النشر المغربي منذ أواسط الثمانينات من القرن العشرين، وهو توجه لم يفتأ يترسخ باتساع قاعدة المتعلمين وتزايد أعداد طلبة الجامعات في التخصصات الأدبية والاجتماعية والإنسانية التي خضع تدريسها للتعريب في أوساط السبعينات. أما في ما يتعلق بالمنشورات حسب المجلات الأدبية والمعرفية، فقد برز في حركة قطاع النشر بالمملكة، خلال الموسم المنقضي٫ توجه أساسي على مستوى توزيع الإنتاج المنشور حسب الحقول المعرفية، تمثل في هيمنة الحقول التي عرفت تعريبا عميقا على مستوى التعليم الجامعي خاصة. تبعا لذلك، فقد كانت حصيلة الأعمال الأدبية من رواية وقصص وشعر وغيرها هي 675 عنوانا، بنسبة 25 في المائة من إجمالي الكتب المنشورة، كما تأتي في المرتبة الثانية المؤلفات القانونية ب 371 عنوانا بنسبة 13.69، متبوعة بالدراسات الإسلامية ب 274 عنوانا بنسبة 10.1 في المائة، والدراسات التي تتناول القضايا الاجتماعية ب 272 عنوانا بنسبة 10.03 في المائة. إلى جانب هذه المجالات، لم تتجاوز النسبة المسجلة في ما يخص المؤلفات التاريخية والدراسات الأدبية الكتابات السياسية 10 في المائة، في حين تهيمن الحقول المعرفية السبعة المذكورة على 82.7 في المائة من إنتاج النشر بالمغرب، مقابل ضعف النشر في مجالات الاقتصاد والمالية التي تصدر أساسا بالفرنسية، على غرار مجالات أخرى من العلوم الإنسانية كالفلسفة واللسانيات وعلم النفس ودراسات الأديان الأخرى والفنون. وفي الوقت الذي كان فيه المغرب إلى حدود نهاية القرن المنصرم مكتفيا باستيراد الكتاب الديني من المشرق العربي، عرف هذا المجال منعطفا أساسيا بالتزامن مع صعود القوى الاجتماعية السياسية ذات الحساسية الدينية، ما جعل الطلب على الكتاب الديني رهانا سياسيا وإيديولوجيا؛ حيث بلغ عدد الكتب المنشورة في حقل الدراسات الإسلامية 274 كتابا خلال هذه السنة، بينما كانت الحصيلة خلال السنة الفارطة 261 كتابا، باستثناء مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من المصاحف والمطبوعات الدينية الفاخرة. وبحسب المصدر ذاته،يبلغ معدل سعر الكتاب في المغرب، الصادر خلال سنة 2015/2016، قيمة 61.10 دراهم، بانخفاض طفيف مقارنة بالتقرير السابق، وهذا السعر يقل عن معدل سعر الكتاب الجزائري الصادر في الفترة نفسها، الذي يصل إلى 94 درهما، كما يقل عن معدل سعر الكتاب التونسي الذي يصل إلى 96 درهما. ومن أبرز خصائص حقل النشر يورد التقرير أن نسبة عالية تتجاوز 26 في المائة من مجموع المطبوعات تتم بمبادرة المؤلف نفسه وعلى نفقته، وبالتالي فإن 701 عنوان نشر بهذه الطريقة، مما يقلص حظوظ التوزيع؛ إذ إن بعض العناوين لا يتجاوز انتشارها نطاق مدينة المؤلف أو دائرة معارفه، "ولا شك أن الحضور الكثيف لهذه الممارسة الهاوية في مجال الطبع والنشر تؤشر لعدم اكتمال مسلسل هيكلة قطاع النشر بالمغرب"، يؤكد التقرير.