جان لوك ميلونشون، مرشّح اليسار الراديكالي في فرنسا للانتخابات الرئاسية المقررة ربيع العام الجاري، صنع الحدث وقلب نوايا التصويت رأسا على عقب، حتى إن بعض المراقبين لم يستبعدوا أن ينضم الرجل إلى المرشحين الأوفر حظا في السباق نحو الإليزيه. ميلونشون الذي غاب عن وسائل الإعلام الفرنسية بسبب تأخّر ترتيبه ضمن استطلاعات الرأي لنوايا التصويت، قفز فجأة إلى واجهة الأحداث، بفضل "الهولوغرام"، أو التصوير التجسيمي، هذه التقنية التصويرية التي جعلته يعقد اجتماعين متزامنين، ضمن حملته الانتخابية؛ أحدهما في ليون جنوبي شرقي البلاد، والثاني في العاصمة باريس. "ضربة تقنية" 12 ألفا من أنصار ميلونشون تجمّعوا، قبل أيام، قرب ليون، وفق منظمي المؤتمر، و6 آلاف آخرون احتشدوا في اللحظة نفسها قرب باريس. في المدينة الأولى، خرج المرشّح الرئاسي إلى أنصاره ليستعرض برنامجه وانتقاداته، أما في ضاحية "دوك دوبرفيل" شرق باريس، فظهرت صورته التجسيمية ثلاثية الأبعاد، أو ما يعرف بتقنية "الهولوغرام" التي تمتلك خاصية فريدة تمكنها من إعادة تكوين صورة الأجسام بأبعادها الثلاثة في الفضاء، باستخدام أشعة الليزر. العملية سوّق لها فريق ميلونشون منذ أسابيع ك "سابقة عالمية أولى"، حبست أنفاس المتابعين، سواء المتواجدين في الضاحية الباريسية حيث عقد المؤتمر، أو ممن تابعوه عبر مواقع التواصل الاجتماعي وقناة المرشح على "يوتيوب". بدا المشهد مذهلا بالفعل، بحسب ردود الفعل المرصودة حول الموضوع من قبل وسائل الإعلام الفرنسية. مسرح بأنوار خافتة، يتوسّطه فجأة تجسيم مولونشون بأبعاده الثلاثة، وبألوان الثياب التي يرتديها، وأزرار سترته، وجميع التفاصيل الدقيقة، وصولا إلى اللون الباهت نوعا ما لبنطلون الجينز الذي كان يرتديه. "ضربة تقنية ناجحة".. هكذا أجمعت وسائل الإعلام الفرنسية على وصف "هولوغرام" ميلونشون، كما أن جل الحاضرين في مؤتمر باريس أكدوا أنه اعتراهم شعور بأنه بإمكانهم لمس المجسّم. البث المباشر يجعل منها سابقة عالمية "سابقة عالمية" فريدة من نوعها، مع أن استخدام تقنية "الهولوغرام" من قبل فريق ميلونشون لا يعتبر في حد ذاته ابتكارا من قبله، بما أنه وقع استخدامه من قبل شخصيات وحتى فنانين عالميين، غير أن الإنجاز يكمن في بثّه مباشرة إلى الجمهور، مع ما تضمنه ذلك من مغامرة كانت لتقضي على حظوظ المرشح في حال فشلت عملية التصوير التجسيمي. اختبار عصيب فسّر الضغط الواضح المرتسم على وجوه فريق ميلونشون الحاضرين في باريس قبيل انطلاق العرض. غير أن النتيجة التي استقطبت اهتمام معظم الفرنسيين كانت "باهرة"، على حدّ وصف عدد من المتابعين للمؤتمر، في شهادات ازدحمت بها الصحف والبرامج التلفزيونية الفرنسية من اليمين إلى اليسار. راكيل غاريدو، المتحدّثة باسم "فرنسا التي لا تخضع"، وهي حركة المواطنة التي تأسست في فبراير 2016 لدعم ترشح ميلونشون، صرّحت عقبت نجاح "الهولوغرام" بالقول: "لقد كان أمرا رائعا بالفعل، ولقد قمنا بكل ذلك لوحدنا دون دعم من أي محطّة تلفزيونية". تجسيد ميلونشون ثلاثي الأبعاد صنع الحدث في فرنسا، وتابع بثه المباشر على قناة المرشح عبر "يوتيوب" نحو 41 ألف شخص، كما حقق "هاشتاغ # جان لوك ميلونشون" انتشارا واسعا عبر "تويتر". نقطة ارتكاز في مسار الحملة الانتخابية "استعراض مبهر"، وفق مراقبين ممن اعتبروا اجتماع باريس منعطفا حاسما في الحملة الانتخابية للرئاسية المقررة في دورها الأول في أبريل ومايو المقبلين، ونقطة ارتكاز في مسار المرشح الذي حل رابعا في الانتخابات الرئاسية لعام 2012. نجاح اعتبرت المصادر نفسها أنه قد يخرج مرشح اليسار المتطرف من عتمة إعلامية فرضها تأخر الرجل في استطلاعات الرأي بشأن نوايا التصويت في الاقتراع القادم، كما من المحتمل أن تضمه إلى الثنائي الأوفر حظا لتصدر النتائج، وهما الجمهوري فرانسو فيون واليمينية المتطرفة مارين لوبان. ميلونشون نجح، يوم الأحد الماضي، في كسر احتكار المرشحين المذكورين لصدارة الترتيب في السباق الرئاسي، واستحوذ على اهتمام واسع من قبل طيف واسع من الفرنسيين، وهو ما سينعكس بديهيا على نوايا التصويت في الأيام القليلة المقبلة. هولوغرام لكن في بث غير مباشر غير أن "التقنية الثورية" التي يتباهى ميلونشون بأنه أول من استخدمها في العالم لا تعتبر، في الواقع، "سابقة عالمية" كما سبق وأشار إلى ذلك في 12 يناير الماضي في تدوينة له عبر موقع "تويتر". فالريادة في هذا المجال المثير للدهشة تعود إلى ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز، الذي يعتبر أول من استخدم الهولوغرام للإدلاء بكلمة في مؤتمر حول الطاقة عقد في 2008 بأبوظبي في الإمارات العربية المتحدة. عاما إثر ذلك، وتحديدا في 2009، ألقى ألبرت أرنولد "آل جور الابن"، نائب الرئيس الأمريكي في عهد بيل كلينتون، خطابا حول ظاهرة الاحتباس الحراري في العاصمة اليابانية طوكيو، اعتمادا على تقنية الهولوغرام. رئيس الوزراء الهندي الحالي، نارندا مودي، يظل السياسي الذي حطم الرقم القياسي في استخدام هذه التقنية؛ فقد تمكن من تنظيم نحو 3 آلاف و500 اجتماع في 45 يوما خلال حملة الانتخابات البرلمانية لعام 2014. وسبق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن استخدم أيضا الهولوغرام خلال اجتماع عام عقده في مدينة إزمير. مناسبات مختلفة لجأ خلالها الساسة إلى هذه التقنية القادرة على خلق إبهار تقني قادر على استقطاب المتلقي، لكن لا أحد منهم حاول تجربة التقنية في بث مباشر كما فعل ميلونشون، فجميع التجارب في هذا الصدد سجلت في استديوهات اعتمادا على خلفية خضراء، تفاديا لأي خلل تقني محتمل. وبعيدا عن عالم السياسة، انتظم عدد كبير من العروض الموسيقية باستخدام المجسمات ثلاثية الأبعاد؛ ففي 2012، عاد مغني الراب توباك بعد 16 عاما من رحيله، ليتوسط المسرح في إطار مهرجان "كواتشيلا". وهذا العام، قدم 4 من نجوم الأغنية الفرنسية في سبعينيات القرن الماضي، انطلاقا من 12 يناير الماضي، عرضا موسيقيا بعنوان "هيت باراد". المفارقة تكمن في أن من سيقدم العرض الموسيقي هم نجوم فرنسيون رحلوا منذ 10 أو 20 أو حتى 30 عاما، غير أن الهولوغرام منح محبيهم فرصة ملاقاتهم مرة أخرى على المسرح، في انتظار تجربة مماثلة في مجالات أخرى قد تعمم استخدام هذه التقنية المبهرة.