تميزت بداية سنة 2017 بانتصار دبلوماسي كبير للمغرب يسجل عودته إلى الاتحاد الإفريقي، الإطار المؤسساتي الطبيعي الذي ينتمي إليه بحكم وشائج الجغرافيا والتاريخ والنضال والمصير المشترك الذي يجمعه بالدول الإفريقية. لم يغب المغرب عن القارة الإفريقية وعن قضاياها والاشكاليات العميقة التي تجتازها عبر التاريخ، وكذلك لم يتوقف طيلة سنوات عن التوظيف الايجابي لكل الحمولات الاندماجية الجديدة متعددة الأبعاد، سواء تعلق الأمر بالمقاربة التنموية الحضارية التي شكلت نموذجا جديدا استطاع من خلاله المغرب الانتقال إلى أسلوب واقعي يؤمن بالحركية والدينامية الاقتصادية الجديدة ضمن مفهوم الإقليمية المتطورة التي تستوعب الكيانات الدولية الإفريقية وتتقاسم معها كل هموم الإنسان الإفريقي من إشكالية الأمن إلى الأزمات الاقتصادية، أو التعبئة الروحية والدينية، أو التركيز على جانب الحفاظ على مكتسبات القارة الإفريقية وعدم جعل المنطقة ضحية التوازنات السياسية الخاطئة. بعد هذا الانتصار الدبلوماسي الذي يرجع الفضل فيه للدبلوماسية الملكية، يحتاج المغرب الدبلوماسي إلى أجندة خاصة يكون هدفها ترسيخ دوره في تدبير قضايا الاتحاد الإفريقي والمساهمة في رسم أولوياته، وعلى رأسها التنمية الشمولية المستدامة، والإقلاع الاقتصادي، وتجاوز الخلافات السياسية، وحل النزاعات العسكرية بالطرق السلمية. العمل المؤسساتي: الرهان المقبل إن الانتقال إلى العمل المؤسساتي من داخل الاتحاد الإفريقي يدشن مرحلة تاريخية جديدة بالنسبة للمغرب الذي خرج من منظمة الوحدة الإفريقية في سنة 1984، بعد ما كان ضحية التوازنات الجيوسياسية نتيجة للتجاذب القطبي خلال فترة الحرب الباردة؛ حيث إن اقحام الجمهورية الصحراوية ضمن أعضاء منظمة الوحدة الإفريقية شكل صدمة للمغرب الذي قرر الانسحاب من هذا الكيان بعد تسييس القضايا الإفريقية وبعد تمكن الجزائر والدول التي تدور في فلكها من تأكيد أطروحة تقرير المصير. وعلى خلاف من يعتقد أن القرار كان خاطئا ومجانبا للصواب، فان قرار الانسحاب كانت له مسبباته ودوافعه الجيوسياسية كما أن قرار العودة في هذا التوقيت بالذات له مبرراته القوية، أهمها التغير الحاصل على مستوى التوازنات الإقليمية والدولية، وخاصة مع انحسار الصراعات الايديولوجية وتلاشي مفهوم الزعامات الإقليمية التي كانت تعمل بطرق تقليدية وتستجدي أصوات الدول الإفريقية مقابل حفنة من المال وبعض الامتيازات المحدودة، حيث إن تغيير بعض الدول الإفريقية مواقفها كان يتم عبر استقطاب بعض القيادات والأنظمة الفاسدة والمرتشية التي ليست لها شرعية أو امتداد شعبي في بلدانها، وكان انتشار المد الاشتراكي في العديد من البلدان الإفريقية سببا في معاداتها للمغرب ودعمها، بإيعاز من الجزائر، للأطروحة الانفصالية. بعد تولي الملك محمد السادس العرش، جعل من أولوياته في السياسة الخارجية تكريس البعد الاندماجي من داخل المنظمات الإقليمية بداية من اتحاد المغرب العربي إلى تجديد العلاقات الثنائية مع الدول الإفريقية من خلال التوقيع على أزيد من 600 اتفاقية منذ العام 2000 في المجالين العام والخصوصي، والقيام بزيارات رسمية إلى أزيد من 25 دولة إفريقية. إن التركيز على البعد القانوني من خلال اتفاقيات التعاون بين العديد من الدول الإفريقية واختراق الدول التي كانت محسوبة على تيار الجزائر يكشف عن الرؤية الدبلوماسية الملكية الناضجة وتبصر استراتيجي على قدر كبير من التطور والاحترافية (powerful strategic insight)؛ ذلك أن التركيز على المسلك السياسي والخلافات العقائدية والايديولوجية يفرغ العلاقات بين الدول من محتواها النفعي والواقعي، وخاصة في إطار التعاون جنوب-جنوب. لذلك راهن المغرب خلال العقد الأخير على اختيار استراتيجي ذكي يضع جانبا كل الخلافات السياسية، ويبحث عن الفرص السانحة لشراكات قوية مع إفريقيا تحرص على تقديم الخدمات المتبادلة للشعوب الإفريقية، ولا يفكر ضمنيا في المفهوم الكلاسيكي للقيادة الإقليمية، لكن مع استخدام آليات الريادة الجهوية في المجال الحيوي للمغرب باعتباره قاطرة حقيقية للتنمية في إفريقيا، ونموذجا للدولة الوطنية الراسخة في القدم التي تمتلك مقومات حضارية واعدة تجعل منها محط إجماع الدول الإفريقية. وهذا ما تبين من خلال الدور الكاريزماتي للملك محمد السادس الذي حاز احترام الكل، الأعداء قبل الأصدقاء، وكانت رسائله خلال الدورة 28 لمنظمة الاتحاد الإفريقي تحمل دلالات سياسية وإنسانية عميقة انطلاقا من قناعة مفادها، على حد قول جلالة الملك، "كم هي مهمة إفريقيا للمغرب وكم هذا الأخير مهم لها"، كما قال إن المغرب عاد إلى الاتحاد من الباب الكبير. في اعتقادي عودة المغرب إلى الاتحاد خيار استراتيجي يستوعب التناقضات الإقليمية والدولية، وجاء عبر مراحل مدروسة ساهمت فيها عوامل دولية وداخلية، وأبرزت من جديد أن مرتكزات السياسة الخارجية المغربية تقوم على: تطوير مفهوم الإقليمية في سلوك السياسة الخارجية: لقد طور المغرب خلال السنوات الأخيرة قدرة كبيرة على الاعتماد الذاتي في تدبير العديد من ملفاته الدولية، ومن خلال المبادرات التي تقدم بها، وهو يعكس حقيقة جديدة وهي قدرة الدول المتوسطة أو الصغيرة على التموقع في المجتمع الدولي بما يليق وتاريخ وسمعة البلد ومقدراته السياسية والاقتصادية والثقافية، وما ساعده على تحقيق هذا الأمر هو التناغم الحاصل بين مكونات الداخل والاستقرار السياسي والأمني الذي ينعم به المغرب في منطقة ملتهبة تعاني من هزات أمنية وسياسية، لكن اليقين بأن العلاقات ثنائية الأطراف رغم أهميتها قد لا تساعد المغرب على تحقيق أهدافه الوطنية، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية، دفعته إلى المبادرة لتهييء الأجواء للعودة إلى العائلة الإفريقية. مفهوم الإقليمية أصبح أمرا قدريا مرتبطا بمفهوم العولمة، من خلاله يستطيع المغرب التوحد مع منطقة جغرافية ينتمي إليها ويتشارك معها في العديد من المصالح والقيم، وهذا ما عبّر عنه جلالة الملك في خطابه أمام قادة إفريقيا؛ حيث تشكل الإقليمية حلا مثاليا لتجاوز مشاكل التنمية الاقتصادية والخلافات بين الدول وهيمنة الدول الكبرى. هذا المنحى الثوري الدبلوماسي الجديد للمغرب يكشف عن توجه واقعي يبرز فيه المغرب كفاعل إقليمي له رؤية خاصة لقضاياه العادلة وتصور حضاري لشراكات مجدية، كما ينم عن وعي للتوازنات الدولية من خلال تكثيف التعاون جنوب جنوب للتخفيف من الاعتماد على الدول الكبرى في إدارة الأزمات وتدبير الجانب العلائقي من منظور تنموي يقفز عن كل القضايا الخلافية. كما أن قضية الصحراء المغربية رغم أهميتها وأولويتها قد لا تعيق العمل المؤسساتي في إطار الدبلوماسية الجماعية، خاصة أن الخلاف ينضوي ضمن الأزمات التي تدار من قبل منظمة الأممالمتحدة، والتي عمرت طويلا دون حل سياسي واضح رغم جرأة وواقعية الطرح المغربي في إطار الجهوية الموسعة. إن التعاون العميق مع الدول الإفريقية داخل الاتحاد الإفريقي قد يساعد المنظمة على تبوؤ مكانة هامة في المحيط الدولي، ويساهم في تذويب كل الخلافات مع الدول المعادية للمغرب، وقد نجح العاهل المغربي في احتواء دول شرق ووسط إفريقيا من خلال تقديم المساعدات ومد يد العون لدول تعلن اعترافها بالجمهورية الصحراوية كما هو الشأن بالنسبة لجنوب السودان. هذا السلوك الخارجي المسالم والبراغماتي يستوعب كل التناقضات التي تقف في وجه الشراكة مع إفريقيا. الدفاع عن الشراكة الاستراتيجية بالمفهوم الشمولي (comprehensive strategic partnership) ، وقد نجحت الدبلوماسية الملكية في وضع المغرب في مرتبة الفاعل الإقليمي الهام الذي يملك مفاتيح كل المبادرات الهادفة من خلال العديد من المداخل الاستراتيجية، سياسيا وأمنيا واقتصاديا، عبر نهج شراكات ناجحة مع دول كانت لها مواقف مختلفة مع المغرب بشأن قضية الصحراء، واستمرار المغرب في لعب أدوار أمنية هامة لمواجهة المخاطر التي تهدد منطقة الساحل والصحراء والمساهمة في بعثات حفظ السلام في إفريقيا؛ حيث قدم المغرب آلاف الجنود إلى 6 بعثات؛ فالقوات المغربية لا تزال متواجدة في دول عدة كجمهورية إفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، إضافة إلى مساهمتها في وساطة السلام في ليبيا ومنطقة نهر مانو. هذه الأدوار تكرس القطع مع مفهوم العلاقات الكلاسيكية والتمثيل الدبلوماسي الرسمي الذي قد لا يتجاوز الإطار الشكلي للعلاقات بين الدول، في حين ترتبط الشراكات الاستراتيجية بالأساس بالمجال الأمني والعسكري لكنها تستوعب مجالات أخرى من التعاون، كالصحة والتعليم والتنمية، وتقوية العلاقات الاقتصادية، بما في ذلك العلاقات التجارية، وتوفير فرص الاستثمار والتمويلات البنكية. وقد نجح المغرب عبر المقاربة التشاركية الاندماجية(Management Approach)مع القارة السمراء في ولوج الفضاء العام والخاص لهذه الدول، وتحريك دينامية جديدة تقوم على التفاعل مع واقع الدول الإفريقية من منطلق الالتزام الاتفاقي والمعياري لتعميق العلاقات وجعلها فعالة ومجدية، سواء على المدى المتوسط أو البعيد، بما يعكس الرؤية الاستراتيجية للدبلوماسية الملكية. مسارات جديدةMulti-pathways بعد هذا الانتصار الدبلوماسي الواضح الذي جاء نتيجة الجهود الاستثنائية التي بذلها العاهل المغربي منذ فترة ليست بالقصيرة لتكريس هذا الخيار الاستراتيجي، وبالرغم مما قيل من طرف الدول المعادية للوحدة الترابية من كون عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي إقرار واعتراف بالجمهورية الصحراوية، فإن هذا الطرح الخارج عن السياق القانوني، يوضح تخبط هذه الأطراف وفشلها في مواجهة التقدم الدبلوماسي المغربي ومشروعية رجوعه، وتأويلاتها الخاطئة لنصوص ميثاق الاتحاد. هذه المناوشات العقيمة تعبير عن قلق الدول المعادية للوحدة الترابية من الدور المغربي المتنامي، ولا يغير من حقيقة الوضع أن المغرب سيعمل من خلال الاتحاد الإفريقي على إدراك ما صعب عليه تحصيله عن طريق العلاقات ثنائية الأطراف. هذا المسار الجديد يستهدف تصحيح المسارات السابقة الناجمة عن غياب 33 سنة عن الاتحاد الإفريقي دون أن يغيب المغرب عن القارة الإفريقية، خاصة وأن العودة التي لم تكن مقرونة بأي قرار بشأن قضية الصحراء المغربية ودون اشتراط سحب الاعتراف بالجمهورية الصحراوية، ولا يعني أيضا اعتراف المغرب والعديد من الدول الإفريقية بهذا الكيان. لا شك أن الهدف الاستراتيجي من التواجد المغربي ضمن الأسرة الإفريقية يستهدف بالأساس إنهاك وإضعاف البوليساريو. فقد كانت الجبهة تستفيد دبلوماسيا من عضويتها في الاتحاد لدحض أطروحة المغرب والدفاع عن أطروحتها بشأن نزاع الصحراء المغربية، ودعمتها في ذلك دول إفريقية كبرى مثل الجزائروجنوب إفريقيا. هذا الإطار المؤسساتي التنظيمي يسمح للمغرب بدينامية جديدة تتبنى المدخلين القانوني والسياسي؛ أي التواجد ضمن دائرة صنع القرار في القارة الإفريقية دون الاعتماد على أطراف ثالثة تقوم بأدوار الوساطة والوكالة، بمعنى القدرة على التأثير المباشر في القضايا التي تمس مصالح المغرب، والاشتغال إلى جانب الدول الإفريقية الصديقة للدفاع عن المصالح الاستراتيجية المشتركة، والاستمرار في اختراق الدول العدائية للمغرب. كما أن حرب المواقع بين التقاطبات الموجودة داخل الاتحاد الافريقي أصبحت تصب في صالح المغرب بعد مصادقة 40 دولة على عودته إلى الاتحاد الإفريقي، وعدم اعتراف أزيد من 28 دولة بالبوليساريو، مما يضعف بشكل مباشر محور الجزائر-جنوب إفريقيا وبعض الدول التي تدور في فلكهما. إن التفكير في تنحية وإضعاف الجبهة لن يتم من خلال فتح المواجهة المباشرة وتفعيل أدوات الدبلوماسية الهجومية ضد البوليساريو حاليا، وإنما يفضل تبني تكتيكات منهجية للسياسة الخارجية المغربية تتوخى بالأساس التموقع ضمن هياكل الاتحاد الإفريقي، كالبرلمان الإفريقي والمفوضية الإفريقية والمحكمة الإفريقية. من خلال الانخراط مجددا في منظمة الاتحاد الإفريقي يستطيع المغرب القيام بأدوار المفاوض والمحاور الرئيس بالنسبة للخلافات والنزاعات الإقليمية، ويتمكن من استيعاب أعمق لدور الاتحاد في تكريس مفهوم الحياد حيال العديد من القضايا التي تهم الدول الإفريقية، وخاصة أن المفوضية الإفريقية برئاسة الجنوب الإفريقية زوما لعبت دورا سيئا في تأخير المصادقة على عودة المغرب إلى الاتحاد وكانت منحازة بشكل سافر للطروحات المناوئة للمغرب، لكن دون التسبب في الانقسام. وفي المقابل، مساعدة الاتحاد على مزيد من تحقيق التقدم والوحدة؛ وذلك حتى يغلق الباب أمام أي حديث حول ما قد تسببه عودة المغرب من شروخ وتصدعات داخل جدران الاتحاد. فهذه المنظمة الإقليمية تشكل فضاء مناسبا للمغرب لاختبار التوازنات وإعادة صياغة التحالفات القوية مع الدول المركزية والاستمرار في البحث عن الفرص الاقتصادية السانحة، وتفعيل آليات الاتحاد لتأمين الاستقرار للدول الإفريقية، وتصدير التجربة المغربية لمحاربة الإرهاب والجماعات المتطرفة من خلال تبادل المعلومات وقاعدة البيانات الموحدة، والقيام بعمليات مشتركة لحفظ السلام، وتبني مقاربة استراتيجية إفريقية ناجحة. مقاربات متكاملة إن تبني مقاربات متعددة ومتحركة تساهم في خدمة المصالح السياسية والاقتصادية المغربية في إفريقيا، خاصة أن السياسات الأحادية ذات المنطق البسيط لا تفلح في تحقيق الأهداف المرجوة، على هذا الأساس اختط المغرب منذ مدة سياسة خارجية لا تعتمد مقاربة واحدة جامدة وإنما مقاربات متكاملة ومتغيرة في تكتيكاتها وفق التوازنات الدولية والإقليمية. إن الاتجاه نحو إفريقيا وقضاياها يعتبر من البدائل الواقعية التي تعوض فشل بعض التكتلات الإقليمية، كالاتحاد المغاربي الذي بالفعل دخل مرحلة الجمود والتلاشي، وهو ما عبّر عنه العاهل المغربي في خطاب أديس أبابا من الشعور بالامتعاض واليأس من عدم إيمان دول الاتحاد بضرورة النهوض به وخسارة العديد من الفرص الاقتصادية لشعوب المنطقة نتيجة تعنت الجزائر وغموض مواقف كل من تونس وليبيا اللتين وقفتا موقفا متخاذلا إزاء التحاق المغرب بالاتحاد الإفريقي، وتحفظ موريتانيا، ما يفيد بأنه ليس هناك في الأمدين القريب والمتوسط بوادر التئام شمل الاتحاد المغاربي الذي طالما راهن المغرب على أهميته الجيوسياسية، ومواصلة المغرب لسياسة اليد الممدودة للدول الأعضاء. إجمالا لا يمكن تغييب هذا المشروع من الذهنية السياسية للدبلوماسية المغربية ويظل مشروعا متأملا ومؤجلا إلى حين، وتبرز هذه القناعة من خلال وعد العاهل المغربي بمحاولة إعادة اتحاد المغرب العربي مرة أخرى إلى العمل عقب السبات العميق؛ ذلك الكيان الإفريقي الاقتصادي الذي تعطل عمله بسبب التنافس بين أفراده، وبخاصة بين المغرب والجزائر حول الصحراء المغربية، إضافة إلى الصراعات الداخلية. تتضح هذه الرؤية من خلال تأكيد الملك محمد السادس في خطابه بأديس أبابا على إجراء مقارنة بين حجم المبادلات بين الدول الإفريقية التي ارتفعت خلال السنوات القليلة الماضية ودول شمال إفريقيا التي تظل جد ضعيفة؛ ففي الوقت الذي تصل فيه المعاملات التجارية إلى 10 في المائة بين بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، و19 في المائة بين دول مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية، فإن تلك المبادلات تقل عن 3 في المائة بين البلدان المغاربية. المقاربة التنموية الاستيعابية إزاء إفريقيا جنوب الصحراء تعززت بتبني مقاربة دبلوماسية تتوخى نوعا من الاستقلالية والجرأة في البحث عن شركاء جدد في إفريقيا ومع روسيا والصين واليابان، إعمالا لمفهوم الدبلوماسية العملياتية (operational diplomacy)، الذي لا يؤمن بالتحرك فقط داخل مناطق النفوذ التقليدية والاستجابة لضغوطاتها؛ فمثلا نجح المغرب في إلغاء قرار وقف الاتفاق الزراعي بين المغرب والاتحاد الأوروبي الذي جاء بإيعاز من البوليساريو واعتبر في حينه انتصارا قضائيا للمغرب بالتأكيد على أن موضوع الوحدة الترابية للمملكة لا يمكن أن يكون محط مزايدات. لقد تميزت هذه المقاربات المتكاملة بوضوح في المنهج وبالعمل وفق خطط دبلوماسية مدروسة من قبل العاهل المغربي الذي رسم معالم التغيير في السياسة الخارجية المغربية وفق مبادئ دبلوماسية معاصرة، أهمها الدفاع عن المصالح الوطنية من خلال تقوية الجانب الاتفاقي مع الدول الإفريقية وترجمة ذلك إلى التزامات دولية، والحرص على جانب المصداقية والمشروعية والشفافية، وسرعة التواصل، والتمسك بالمبادرات الفاعلة القابلة للتحقيق، والاستمرار في فتح قنوات الحوار مع الدول المحسوبة على محور الجزائر-جنوب إفريقيا، والتأكد من تحقيق الأهداف المنشودة من التعاون مع دول القارة السمراء، سواء على صعيد العلاقات ثنائية أو متعددة الأطراف بعد الرجوع إلى الاتحاد الإفريقي. *أستاذ العلاقات الدولية، خبير في الدراسات الاستراتيجية والأمنية