وثيقة الدستور مشروع وسط، أحسن بكثير من وثيقة 1996، جاء بمقتضيات إيجابية هامة فيما يخص الحريات والحقوق والمساواة ورفع الميز بجميع أشكاله. هناك تقدم لا بأس به في فصل السلط وتوسيعها وتقويتها، على أمل أن يتولد عن ذلك فصل كسب المال عن السياسة. النص يظل في تقديري الشخصي بعيدا عن طموحات "البيان الديمقراطي" في مسألتين على الخصوص. المسألة الأولى هي أن السلطة التنفيذية والسلط الأخرى الكثيرة التي بيد الملك تستتبع أن تقوم حكومة ظل جديدة حول الملك تتولى مساعدة الملك في تدبير هذه السلط. وهذا شيء يرهن المسار الديمقراطي، ويضعف فصل السلط وتوزيعها التوزيع الملائم. المسألة الثانية تتعلق بالهوية، والهوية اللغوية على الخصوص، حيث لم يقع نقاش هادئ وعميق في هذه المسألة، ليبين فوائد الوحدة إلى جانب التنوع. وماانفك الأمر عند البعض قرنا للغة بالقومية، وفرضا لقوميتين (بألوان عرقية) على المغاربة، مع أن المغاربة لم يعرف عنهم أنهم قوميون، بل إنهم وطنيون ومواطنون بالأساس. وينبغي أن يكون واضحا أن معالجة إشكال التعدد اللغوي أو الثقافي لا يمكن أن يرتبط بفرض هوية قومية أحفورية، وأن هذا يتنافى والحقوق الفردية والجماعية للمغاربة، كما يتنافى وسمو الوطنية على الهويات الفئوية، علاوة على ربطها ببينية وكونية تجميعيتين وتراكميتين. وإذا كان لا بد من تأكيد دور الملكية في صيانة المصالح العليا للبلاد، ودورها التحكيمي والرَّعْوِي، وإمارة المؤمنين، فإن دورها المتسامي عن كل ما هو حزبي أو فئوي أو انتفاعي، علاوة على كونها آخر ملاذ فيما يخص النزاعات التي تهدد أمن البلد واستقراره المجتمعي والأمني، يضطرها إلى أن تتموقع ضمن نظام ديمقراطي صريح، وغير قابل لاجتهادات أي حكومة، أو قيام حكومتين. وقد يكمن المخرج في أن يعلن الملك عبر خطاب رسمي أن الدستور الحالي وثيقة نَقْلِية لمرحلة تدوم دورة تشريعية واحدة، يحرص فيها جلالة الملك على تسريح كل ما هو نزاعي أو نفعي أو خاضع للمحاسبة للحكومة السياسية الواحدة المأمولة، التي توظف الفترة الانتقالية لسبر الملامح الجديدة والطلائعية لأطرها، وتغيير العقول وتأهيل من يطمحون إلى ثقة الشعب في السلط الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية، تجاوبا مع ما تتطلبه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الساخنة، ومشروعية المطالب الشبابية، ومطامح الشعب في الحرية والديمقراطية والكرامة. *رئيس جمعية اللسانيات بالمغرب