ألمانيا غير قادرة على ترحيل "مجرمين" ينحدرون من بلدان شمال إفريقيا إلى أوطانهم؛ ويرجع السبب في ذلك، بحسب وزارة الداخلية الاتحادية، إلى عدم تعاون دول المغرب العربي، لكن فولكر كرونينغ (Volker Kröning)* لديه وجهة نظر مغايرة تماما. يرى القنصل الشرفي للمغرب بكل من بريمن (Bremen)، ساكسونيا السفلى (Niedersachen) ومكلنبورغ-فوربومغن (Mecklenburg-Vorpommern) أن برلين هي المسؤولة عن هذا الوضع. إليكم الحوار مع فولكر كرونينغ والذي أجراه غالف ميشيل وذلك بمنبر weser-kurier.de السيد كرونينغ، هل لديكم تفسيرا لطريقة تعامل المغرب مع النقاش الدائر حاليا حول إرجاع المواطنين المغاربة الذين اقترفوا جرائم فوق التراب الألماني؟ الأمر متوقف على ما إذا كنا مطلعين على القدر نفسه من المعلومات. أنا أستشهد باللوم الذي وجهه كل من وزير الداخلية الاتحادي توماس دو ميزيير (Thomas de Mazière) ووزير داخلية ولاية بريمن السيد أولريش مويرار (Ulrich Mäurer): جرى الحديث هنا عن تعاون لم يصل السقف المطلوب، بل حد الامتناع، وعموما عن عدم استعداد المغرب استقبال مواطنيه الذين ارتكبوا جرائم. هذا غير صحيح، ووزير الداخلية يعرف ذلك. لقد قام هو ووزير الخارجية الاتحادي وكذلك وزير الاقتصاد الاتحادي بزيارة إلى المغرب السنة الماضية. كما أنه قبل سنة، اتفقت المستشارة أنجيلا ميركل والملك محمد السادس على تيسير عودة المواطنين المغاربة، لكن ألمانيا لم تكن قادرة على ذلك، مثلا غير قادرة على توفير جوزات سفر بديلة، ومد المغرب بالمعطيات كي ينظم العملية من هناك. يفترض أن يجري التعرف على الأشخاص من خلال البصمات. هل هناك بنك معلومات من هذا القبيل لدى المغرب؟ يتوفر المغرب منذ مدة طويلة على نظام بيومتري لجوزات السفر، على ما يزيد عن عشر سنوات الآن، وهو نظام مركز بشكل قوي في مدينة الرباط. إذن أين المشكل؟ السيد دو ميزيير لم ينسج هذا كله من محض خياله. دعنا نبقى هنا في بريمن: لماذا تتحدث وزارة الداخلية للولاية عن كونها لم تتلق أي جواب من الرباط عن طلبات إعادة المواطنين المغاربة وذلك لشهور؟ ليس هناك أي تعامل مباشر بين بريمن والمغرب. العملية تجري عبر قنوات الحكومة الاتحادية. وما تصفه أنت، لا يتطابق والصورة التي لدى المسؤولين في برلين عن الأمور. من أين استقوا المسؤولون في بريمن أقوالهم إذن؟ عليك أن توجه هذا السؤال إليهم أنفسهم. بمبادرة مني، جلسنا في فصل الربيع من السنة الماضية معا. دار الحديث أيضا حول المظاهر المحرجة المرافقة لموضوع النازحين، ولم توجه هذه الاتهامات للجانب المغربي. ما قصدك عندما تقول بأن ألمانيا لم تمد المغرب بالمعطيات كي ينظم العملية من هناك؟ التعاون بين البلدين في مجال إرجاع المجرمين قائم منذ مدة طويلة. وهم هنا موضوع الحديث وليس المهاجرين غير القانونين. ليس لدينا في ألمانيا نظام هجرة ولجوء فعال. لقد بدأنا للتو في إرساء ثقافة ترحيبية، دون تحديد موضوع النقاش بشكل دقيق – الموضوع هو مد يد المساعدة لنازحين من الحروب وحل مشكل أوروبي صرف بين البلقان ووسط أوروبا. للأمر تداعيات على مجالات أخرى؟ لمدة طويلة تركنا أمرنا في ألمانيا بأكملها للشعور العارم بالفرح. من هنا أظن أن عمل الإدارة إلى حدود الانتخابات البرلمانية كان أكثر سوء مما هو عليه الآن. لكن لا يمكن أن يكون الأمر بهذا التعقيد. توجد لدى سلطات بريمن لائحة بأسماء المجرمين الذين عاودوا ارتكاب الجرائم وتم التعرف عليهم وعلى كونهم من المغرب. هذه اللائحة قدمها وزير داخلية ولاية بريمن للسيد دو ميزيير، عندما قام الأخير بزيارة بريمن... هذا أمر جيد، لأنه هو شخصيا لا يستطيع القيام بأي شيء... ... لكن ستة أشهر بعد ذلك لم نستطيع ترحيل ولو مجرم واحد. لكن الشكوى هذه ليست ضد المغرب بل هي بالأحرى شكوى ضد برلين. وقع هذه التصريحات على الرأي العام مخالف لما تقوله أنت. ما يهمني هو المؤسسات والأشخاص وأنا أتبع ما يقولونه لي ولا يمكنني تأكيد هذه الاتهامات. بالمناسبة، فأنا أشارك السيد مويرار مطلبه مركزة عملية الترحيل. وماذا عن تلك التفاصيل التي أثارت الاستياء بكون المغرب يصر على ترحيل مرتكبي الجرائم فقط عبر طائرات الخطوط الملكية المغربية مما يؤدي مرة أخرى إلى تأخير عملية الترحيل؟ ما الجدوى من ذلك؟ لا أدري. أتصور أن هناك محاولات لإيجاد تسوية. والمغرب يريد استقبال العائدين بطريقة تصلح ما فشلت فيه ألمانيا ولا يريد تعريض ركاب الطائرات إلى الخطر. بالنظر إلى الوضعية الاجتماعية للبلد، وبالأخص تلك للشباب، وبالنظر إلى آفاق هؤلاء الناس في عالم متسارع شفاف تماما بسبب الإنترنت، تحاول الدولة والقانون تدارك الموقف غالبا بعد حدوث الظاهرة. بدل اتخاذ إجراءت تعسفية، علينا التأقلم مع هذه الظواهر. يبقى هذا من الناحية النظرية، لكن في الواقع يحدث أن طائرة مليئة بالمجرمين تحط بالمطار. ماذا تفعل الدولة المغربية بهؤلاء حينها، الذين اقترفوا جرائم في الخارج وهناك في الغالب لم تتم حتى محاكمتهم؟ حينها يجب إما الاحتفاظ بهم أو إطلاق سراحهم مع استكمال الإجراءات. لكن لا يجب تعريضهم للخطر، بل يجب العمل على إدماجهم من جديد في المجتمع. هذا الواجب يقع على عاتق الدولة المغربية وليس ألمانيا، لكن علينا تقديم الدعم، بالأخص في مجال التكوين. هنا على الفدراليات تقديم يد العون لتأهيل المرحلين. كيف ينظر هناك في المغرب إلى هذا النقاش؟ بحزن؛ لأن ما جرى يشوه صورة المغاربة الذين نجحوا منذ عشرات السنين في الاندماج في المجتمع الألماني. لكن المغاربة يقدرون أيضا المساهمة الألمانية بشكل كبير. على سبيل المثال من خلال المؤسسات السياسية أو من خلال الغرفة التجارية الخارجية، لكن أيضا من خلال عمل العديد من الشركات المهمة جدا. لذلك فأنا أؤمن بأن الأمور ستعود إلى نصابها. هل يدرك الجانب المغربي عموما بأن ألمانيا لديها مشكل مع الشباب الجانح من شمال إفريقيا؟ بطبيعة الحال. وليس هذا فقط. المغرب شريك وثيق للاتحاد الأوروبي في مجال حماية الحدود. المغرب يستقبل أعدادا كبيرة من المهاجرين من جنوب الصحراء. المغرب يتحمل هذا العبئ لصالح أوروبا في البر ولا يهمل حماية الحدود بحرا. ما الواجب القيام به من وجهة نظر المغرب لتسريع إعادة مواطنيه المخالفين للقانون؟ تقوية التعاون الاقتصادي الوثيق أكثر، وبالخصوص التعاون في مجال تأهيل الشباب. لا يمكننا حل مشاكل الشباب الذين يأتون إلينا غالبا ليس كمجرمين، لكن رغم ذلك لا يتم قبولهم هنا، فيصبحون هنا مجرمين، يجب علينا حل هذه المشاكل في بلدانهم الأصلية. كيف تنظرون من هذه الخلفية إلى نبرات الوعيد التي صدرت مؤخرا من جانب حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي ومن جانب الحزب الاجتماعي الديمقراطي؟ كل أولائك الذين يدلون بدلوهم الآن بالذات في هذا الموضوع لا يتوفرون على خبرة في السياسة الخارجية. السياسة الخارجية حرفة يجب إتقانها. يجب الحديث مع الطرف الآخر بشكل مباشر، وهذا يسري بالخصوص على حالة المغرب وتونس، البلدين اللذين بنيا علاقة وثيقة مع ألمانيا. لا يجب أن نسمح بتدمير هذه العلاقات بهذه السهولة. هذا نداء إلى المزيد من الدبلوماسية؟ المطلوب هنا، إلى جانب العمل الموضوعي، الشعور المرهف والتقمص العاطفي، لكن أيضا الوقوف على الحقائق. هاجس الأمن الداخلي كما الخارجي على حد سواء هو حاضر بشكل كبير في المقاربة الأمنية للمغرب. المغرب محور بين إفريقيا وأمريكا الشمالية، بين إفريقيا وأوروبا، وبين شمال غرب إفريقيا وإفريقيا برمتها. العلاقة الجدلية بين الأمن والحرية، ما يشغلنا بالذات أيضا هنا، لا يمكن ضمانها في المغرب إلا عبر نظام أمن إستباقي قوي بشكل كبير. هل المغرب كبلد أصل هو آمن في نظركم؟ في اعتقادي نعم. يولي المغرب لحقوق الإنسان عناية خاصة جدا وينهج سياسته الخاصة في هذا المجال. للمغرب مجلس خاص بحقوق الإنسان، وحرية الصحافة منتشرة هناك على نطاق واسع. أتأسف لكون الحوار بين السلطة الاتحادية والولايات، التي ليست على استعداد للاعتراف بالمغرب كبلد أصل آمن، معرقل. شيء مؤسف أن لم يحالفهم النجاح في هذا الأمر. إذا ما توصلنا إلى اتفاق في هذا الشأن، فإن المغرب سيسدي معروفا لبريمن أيضا. ما هو حكمكم على العلاقات بين بريمن والمغرب؟ مواقف بريمن على شاكلتها، فهي تنأى عن الإجماع، بالأخص في ما يتعلق بمشكل الصحراء. برلمان ومجلس الشيوخ في بريمن يعتقدان غير ما مرة أن بإمكانهما اتخاذ مواقف خاصة-دون وضع مواقف السلطة الاتحادية بعين الاعتبار، التي بوصلتها هي الأممالمتحدة بتدخلها العملي أو عدم تدخلها. هذه شراكة مستمرة لا يشعر فيها المغرب أنه مأخود بالأحضان، كما تفعل القوى الداعمة له كفرنسا وإسبانيا، لكنه لا يجب أن يشعر من ناحية أخرى بأنه في حالة دفاع دائم. وماذا عن التشابك الاقتصادي بين بريمن والمملكة المغربية؟ جيد جدا، خاصة في فرع اللوجستيك بكل قطاعاته، البحري والآن أيضا في لوجستيك الطيران والفضاء. الشيء نفسه يمكن قوله عن قطاع التجارة والطاقة. علاوة على ذلك يلعب المغرب دورا رائدا في مجابهة تغير المناخ – أريد التأكيد على هذا الأمر هنا، خاصة في علاقة مع توجه بريمن المسالم والصديق للبيئة. والمغرب بلد سياحي جذاب جدا. أؤكد على هذا كله؛ لأن المهم هنا هو إدراك بلد كالمغرب من خلال المعلومات أولا وبطريقة منصفة ثانية. * منذ 2010 ورجل القانون فولكر كرونينغ يعمل قنصلا شرفيا للمملكة المغربية بكل من بريمن، ساكسونيا السفلى ومكلنبورغ-فوربومغن. يبلغ كرونينغ 71 سنة. كان من 1979 إلى 1983 ممثلا للأمة في برلمان بريمن عن الحزب الاجتماعي الديمقراطي، كما تقلد بين 1983 و1994 مناصب عدة في مجلس الشيوخ لولاية بريمن (الداخلية، العدل والتشريع والمالية) وكان من 1994 إلى 2009 برلمانيا عن بريمن في البندستاغ.