لم يخلُ البلاغ الأخير لرئيس الحكومة المكلف، عبد الإله بنكيران، من رسائل سياسية موجهة ليس فقط إلى حليفيه السابقين عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار، وامحند العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، بل امتدت إلى مختلف الفاعلين في الحقل السياسي المغربي. وبعد أيام من لقاء بنكيران بمستشاري الملك، وإبلاغه برغبة محمد السادس في تشكيل الحكومة خلال أقرب الآجال، شرع الأمين العام لحزب العدالة والتنمية في جولة جديدة من المشاورات من أجل وضع حد لحالة "البلوكاج الحكومي" التي يعشيها المغرب بعد أكثر من ثلاثة أشهر على الانتخابات التشريعية، لكن تأزم الوضع بشكل أكبر بعدما أصدر رئيس الحكومة بلاغه الذي ينهي المشاورات مع أخنوش والعنصر. وبالرغم من أن هذا البلاغ موجه إلى فاعلين حزبيين في المشهد السياسي، إلا أن عددا من القراءات تذهب إلى أنه لا يخلو من إشارة موجهة إلى القصر، وتشبث العدالة والتنمية بمواقفه السابقة، خاصة بعد أن قرر التخلي عن حليفه بعد انتخابات السابع من أكتوبر، وحصر المشاورات في الأغلبية السابقة، استجابة لشروط رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار. ويرى الباحث في العلوم السياسية محمد شقير أنه يمكن قراءة البلاغ بالأساس من خلال وجهتين؛ الأولى تتعلق برسالة بنكيران إلى مفاوضيه، وعلى رأسهم عزيز أخنوش، بعد أن تجاوزه هذا الأخير الذي صرح بنكيران بأنه يطرح مطالب رئيس للحكومة وليس مفاوضا فيها؛ حيث استمر التجاذب إلى أن كان التصريح الأخير لحميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، وبعد إقصاء الأخير، رفع أخنوش السقف وطالب بإدماج حلفائه. الرسالة الثانية في رأي شقير، خلال حديثه لهسبريس، موجهة أساسا إلى القصر؛ ذلك أنه ما دام بنكيران لم يصرح مباشرة بأنه "حط السوارت" وتخلى عن تشكيل الحكومة، فإن ذلك يبين بأنه يرغب في تدخل ملكي، "ويمكن القول إن انتخاب رئيس لمجلس النواب يمكن أن يكون المنفذ من أجل الخروج من الأزمة، كما قد يكون اتفاق على ذلك". ويرى شقير أنه في حال تم التوافق على انتخاب شخصية معينة لرئاسة مجلس النواب، فإن ذلك سيكون بمثابة تهييء لتشكيل الحكومة، وأوضح أن علاقة بنكيران بالقصر لا تزال متواصلة وأن "عملية التطبيع أتت أكلها"، من خلال بقاء بنكيران في حكومة تصريف الأعمال ورئاسته لمجلسها، بالإضافة إلى تواجده في المجلس الوزاري، ما "يبين أن حبل الود لا يزال متواصلا"، بتعبير شقير.