-ما بين عزيز أخنوش وصلاح الدين المزوار- أكد رئيس التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، على أنه سيعطي أولوية كبيرة للتنظيم الجهوي والتوسع التنظيمي، وذلك من خلال تنظيمه لعدة لقاءات جهوية عبر زياراته لجهات المغرب، على أساس أن هذه اللقاءات هي آلية للتشاور الديمقراطي الذي يروم إلى دراسة واقع الهياكل الحزبية المحلية، وأفاق تطورها، من أجل وضع هيكلة جديدة، وبرامج جهوية تضع تطلعات المواطنين في صلب الاهتمامات ... وبالفعل كانت البداية من طنجة ووصولا إلى وجدة، رافعا شعار "العمل والمعقول وأغاراس، أغاراس"، كشعار للمرحلة القادمة. وكأن الزمن يعيد نفسه، إلى حدود 23 يناير 2010، حيث انعقد المؤتمر الاستثنائي بمراكش، والذي دعت إليه "الحركة التصحيحية"، إذ تم انتخاب صلاح الدين المزوار رئيسا للحزب، وكان هو الأخر، رفع شعارات قوية، تروم إلى إعادة البناء والهيكلة الجديدة، والتنظيم الجهوي كرافعة للتوسع التنظيمي واحتضان كافة فعاليات وحساسيات وطاقات الحزب، وكان شعار المرحلة آنذاك قويا، من خلال ثنائية: " ديمقراطية داخلية أكبر ... لفعالية ميدانية أكثر"، والتي تعني أنه كلما تم توسيع حدود الديمقراطية الداخلية، كلما سمح ذلك بإنتاج فعل ميداني أكثر قوة وقدرة على التفاعل الايجابي مع المحيط، وكلما كان الهدف المنشود هو ضمان فعالية الممارسة الميدانية، بناء على أسس ومبادئ مهيكلة لرؤية واستراتيجية تنظيمية، تقوم على ثلاثية: المرونة، و اللاتركيز، والحركية. ودشن صلاح الدين المزوار عمله الميداني بالقيام، بزيارات لجهات المغرب، من خلال تنظيم جامعات جهوية، كفضاءات مفتوحة، ومنتديات فكرية، للتداول واثراء النقاش حول القضايا المجمعية، وفرصة لبلورة اقتراحات علمية. وأكد صلاح الدين المزوار، من خلال هذه الجامعات الجهوية، على إعطاء الأولوية، للتنظيم الجهوي، كقناعة أساسية للخروج من منطق المركز لمنطق مركز الجهة بحكم قربها من المواطنين، وقدرتها على استيعاب الأولويات والاشكالات الأولية. السؤال المحوري، الذي نسعى إلى بلورته ونروم إلى معالجته، هو: هل استطاع حزب التجمع الوطني للأحرار، من خلال هذه اللقاءات الجهوية، أن يؤسس لهيكلة جديدة، كرافعة للتوسع التنظيمي ؟ أم هي عبارة عن طقوس احتفالية، تنتهي فعاليتها بانتهاء اللقاء؟ التجمع الوطني للأحرار، لديه قوته ووزنه السياسي، وجذوره المجتمعية وطاقاته البشرية، التي تضمن حضوره بكل قوة واستقلالية، فقد تجذر في المجتمع المغربي لأزيد من 38 سنة، وقد لعب أدوار أساسية في المشهد السياسي المغربي، وأصبح رقما أساسيا داخل معادلات التوازنات السياسية للبلاد، وحافظ على تواجده داخل المشهد الانتخابي، وذلك بفضل نسائه ورجاله، حيث اعتمد بشكل اساسي على الشخصنة في غياب تام للحزب كمؤسسة، إذ كان همه الأساسي، هو الحصول على مقاعد انتخابية، توصله لتدبير الشأن المحلي والعام، وبأقصر الطرق، مما جعل "للأعيان"، ككائنات انتخابية، مكانة مهمة داخل الحزب، أثرت سلبا على البناء والتطوير التنظيمي ... لقاءات وزيارات جهوية في عهد أخنوش، مقابل "جامعات جهوية" في عهد المزوار اختار عزيز أخنوش على أن يبدأ جولاته وزيارته لجهات المغرب من مدينة طنجة، وهي نفس المدينة التي اختارها صلاح الدين المزوار ، أن تكون بها أول جامعة جهوية، وجاءت بعد ذلك محطتان في كل من سطات وأسفي وافران ... رافعا شعار قوي، ألا وهو: "ديمقراطية داخلية أكبر ... لفعالية ميدانية أكثر"، كإشارة قوية لإعطاء الأولوية للتنظيم، وكفرصة للتداول والانفتاح وبلورة عمل ومنظور يتماشى مع الانتظارات الموضوعية لكل منطقة ولكل جهة، وذلك داخل استراتيجية ورؤية تقوم على ثلاثية تنظيمية قوامها، المرونة، واللاتركيز، والحركية، وبالطبع تم تجنيد العدة لإنجاح هذه الملتقيات، وبالتالي حشد الناس للحضور والمشاركة والتصفيق، وسط طقوس يغلب عليها الطابع الاحتفالي، والتي تنتهي بمجرد انتهاء اللقاء، وبمجرد ركوب الرئيس الطائرة للعودة للرباط، تنتهي معه الرحلة، داخل الاقليم والجهة، لأنه تغيب الارادة الحقيقة عند المسؤولين المحليين، في البناء والهيكلة، لآنه وبكل بساطة التنظيم هو تهديد مباشر لوجودهم، انطلاقا من منظورهم للعمل الحزبي، باعتباره مجرد مرحلة ظرفية محددة في الزمان والمكان، وحصرها في "مرحلة الانتخابات"، و ربط العملية الانتخابية " بالمال السياسي"، أي أنه لا وجود لما يسمى بالتنظيم والهيكلة في مقابل " المال السياسي" ، ليصبح المعيار الحقيقي والوحيد والشرط الأساسي للعمل الحزبي هو "المال"... وانطلاقا من هذا الواقع تغيب عملية الهيكلة والبناء، والتطوير التنظيمي كأقصر طريق للفوز والنجاح، وبالتالي تغيب الارادة الحقيقية في الانفتاح على الطاقات واستقطاب الأطر والكوادر... وهذا ما أدى إلى جعل المشهد السياسي والانتخابي المغربي ، مرهون بين " المال السياسي" و" الاسلام السياسي"، أي أدلجة الدين، وإلباس السياسة لبوس الدين، والعكس صحيح، ومادام أصحاب الأحزاب المحافظة ذو المرجعية الدينية، قوية بتنظيماتها الحزبية، ولها أهداف سياسية/دينية، تدافع عنها بقوة وبإيمان، وأمام ضعف الأحزاب التي تعتمد على "كائنات انتخابية"، تعتمد على شراء الذمم والأصوات، في غياب تام، يكل ما هو فكري، إضافة لتهافت الإدارة بشكل ساذج وبئيس في دعم أصحاب المال، تتحول للأسف الشديد المعركة لصالح "الاحزاب المحافظة ذات المرجعية الدينية"، وللأسف الشديد أن التاريخ يعيد نفسه، والأخطاء تتكرر، مع الرئيس الجديد لحزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، أنه لم يأخذ العبرة من سابقه، أن هناك من يسعى لجعل هذه اللقاءات السياسية، كمجرد طقوس احتفالية، يتهافت عليها ذوي النفوذ وأصحاب المال، وبتالي يدخل الحزب في عملية إعادة إنتاج نفس النماذج من الأشخاص، ممن يرون في الحزب قنطرة للوصول إلى مآربهم الخاصة ... من الممكن أن يكون حزب التجمع الوطني للأحرار، بديلا حقيقيا، إذ تم تفعيل شعاراته حول التنظيم والهيكلة الجديدة، وعلى أساس أن لا تبقى كيافطات انتخابية موسمية، وهذا يتطلب شجاعة من الرئيس ومن المكتب السياسي، وذلك بتبني ديمقراطية داخلية حقيقية تقوم على إشراك كافة الطاقات في عملية إعادة الهيكلة، وأن يتم اختيار لغة الشفافية والصراحة ولغة المسؤولية، وأن تتجاوز عملية إسناد المسؤولية، للاعتبار وحيد وأوحد وهو " المال"، ولو على الأقل يجب التفريق بين "المسؤولية الانتخابية" و"المسؤولية السياسية"، حتى لا تسند المسؤولية السياسية، لذوي "المال"، كما لايجب السقوط في فخ الكراهية، والتفريق، إذ هنا لا نسعى، لإقصاء رجال الأعمال والمال من العمل اسياسي، بالعكس، فقط نربط تحمل المسؤولية بالكفاءة، ولا نرى مانعا إن البعض يجمع ما بين الاثني ... قد أثبت الانتخابات التشريعية الأخيرة وما قبل الأخيرة، أن المغرب يعرف ارتفاع منسوب الوعي السياسي لدى الشباب، وهناك ااهتمام بالميدان السياسي، لكن وفي المقابل هناك عزوف انتخابي، ليس اعتباطي، ولكن هو رفض صريح، لرداءة العملية الانتخابية، وانحطاط التراجيدي للعمل السياسي، الذي وصل إلى درجة ما تحت الصفر عند بعض الأحزاب السياسية والتي تسعى للفوز الانتخابي بالاعتماد على كائنات انتخابية، بعيدا كل البعد عن العمل السياسي والحزبي ...وبالتالي لا يمكن لحزب التجمع الوطني للأحرار، أن ينجح في بناء حزبه، في غياب ارادة قوية من قيادته، في الانخراط في عملية البناء والهيكلة، والتطوير التنظيمي، ونهج سياسة القرب من المواطنين ... لا نشك في نية رئيس الحزب عزيز أخنوش، في "البناء والتنظيم"، وهي نفس الارادة التي كانت عند سلفه صلاح الدين المزوار، لكنها اصطدمت ب"صخرة المحال"، المتمثلة في " أعداء التغيير"، والذين لا تتماشى مصالحهم الشخصية والحزبية الضيقة، مع التطوير الحزبي، لأنه بكل بساطة هو تهديد لوجودهم، وبالتالي لا يمكن أن ينجح الحزب دون الانخراط القوي من طرف المجتمع بكل شرائحه، ثم إنه لا يوجد انخراط مجتمعي دون تأطير سياسي، إذن لا بد لحزب التجمع الوطني للأحرار، أن يؤهل أدواته، وأن يجعل من هذه الزيارات واللقاءات أدوات للتغيير الحقيقي، وفرصة حقيقية للبناء والتنظيم، وليس كطقوس احتفالية منسباتية، تنتهي فعاليتها بمجرد انتهاء اللقاء، ويتحول مقر الحزب إلى قاعة انتظار للانتخابات والزيارات... حيث تم ملاحظة أساسية: كون أن بعض الجهات عرفت وبقوة، عودة مجموعة من الوجوه، والتي سبق وأن سيرت الحزب منذ زمن الرئيس المؤسس أحمد عصمان، وفقدت كل نفوذها، ولم يعد لها أي تمثيل لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الانتخابي، بل حاربت الحزب، في عدة محطات واستحقاقات انتخابية ... فما هي الاضافة التي ستقدمها هذه الوجوه ؟ فهدفها الوحيد، "كأقصى فعل نضالي تنظيمي"، وهو أن يدخل عزيز أخنوش لمنزلهم، لا احتراما لعزيز أخنوش، "ككريزما" أو فاعل سياسي منحنك، أو رئيس منتخب من طرف القواعد، وإنما "كملياردير"، و"مقرب من الدوائر العليا"، لذا تجدها تتهافت على زيارة الرئيس، بتنظيم مأدبات الغذاء والعشاء ... مما يعطي الانطباع السيء والسلبي، لهذه اللقاءات الجهوية، وبالتالي اعتبارها عملية اجترار ماض بئيس، لعودة وجوه بئيسة، في اطار طقوس احتفالية، الهدف منها هو إعادة إنتاج نفس النماذج والأشخاص ممن يرون في الحزب قنطرة الوصول لتحقيق مآرب وأهداف شخصية. فالحزب مطالب بتوسيع قاعدته باستقطابات جديدة، وانفتاح على طاقات جديدة، وبناء منظماته وقطاعاته الموازية، من خلال تبني القرب كمنهجية، والاصغاء إلى اهتمامات وهموم وملاحظات المواطنين والانخراط في الحركة الجمعوية ، وبتبني الديمقراطية الداخلية، باحترام القواعد كقوة اقتراحية وتقريرية من خلال تنظيم مؤتمرات اقليمية وجهوية حقيقية، تفرز مكاتب اتحاديات اقليمية ومجالس جهوية... أثبتت التجربة أن الأحزاب التي لا تستمد وجودها وقوتها من أفكارها ومجهوداتها الخاصة في التأطير والتنظيم والمبادرة، لا تستطيع أن تضمن لنفسها مكانا ثابتا ومحترما على الخريطة الحزبية. فالأحزاب التي تسعى فقط إلى استقطاب ممن يرون في الحزب تلك القنطرة للوصول إلى مآربهم الشخصية، فإنها لا تستطيع كسب الثقة الواسعة وتبقى تجتر ماض بئيس، بدون أي مصداقية. *باحث في سلك الدكتوراه في العلوم السياسية