إقرار بنكيران بفشله في تشكيل الحكومة .. بين نيته في استرجاع ثقة الحزب ومأزق وضعه نهاية لمستقبله السياسي بعد طول انتظار، عبّر أخيرا رئيس الحكومة، السيد عبد الإله بنكيران، المعين من طرف الملك منذ العاشر من أكتوبر من السنة الماضية، عن عدم قدرته وعجزه على إيجاد ائتلاف حزبي يسند به تشكيل الحكومة. وبالرغم من محاولة بلاغ السيد عبد الإله بنكيران التغطية على عجزه في بناء تكتل لأغلبية الحكومة، ونسبة ذلك إلى السيد عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي أحجم عن الرد على مكالماته، ووصفه بأنه كان في وضع لا يستطيع معه الرد، فإن هذا القول لا يستقيم؛ لأن المعني بتشكيل الحكومة هو السيد عبد الإله بنكيران المعين من قبل الملك وليس غيره، ولا يجب نسبة عدم صمود بناء التشكل إلى غيره من الأحزاب، ونفي أحقيتها في ممارسة الضغط عليه لانتزاع مكاسب لها باستعمال نقط ضعفه، فهو المهندس المسؤول عن المنشأة المراد بناؤها برمتها، الذي تعزى له كل الأدوار للحفاظ على التحام لبناتها وتماسكها. ولا شك أن طريقة إدارة السيد عبد الإله بنكيران للمفاوضات وتسييرها العشوائي والشعبوي، التي لا تفارق رئيس الحكومة المعين، وإفشاء أسرار المداولات والمشاورات، والانتقال بين كل الأحزاب، نزعت عن شخصه كل خصال الرجل الصادق الوفي بوعده المحترم لوعوده؛ حيث بات الفاعل السياسي لا يفرق بين حالات الجدية والمناورة لدى الرجل، وأصبحت كل القواعد لديه مباحة ومستباحة. ذلك أن السيد عبد الإله بنكيران لا يقيم التمييز في الأمور، ولا يتقي الخلط بين أساليب وتكتيكات المناورة من أجل انتزاع مكسب والحد الأدنى للقيم والمبادئ الأخلاقية في ممارسة العمل التفاوضي السياسي؛ فغالبا ما يجنح إلى استعمال التنويم وإيهام الغير والآخر للوقوع في الخطأ أو الغلط أو التغرير به، وعدم الاكتراث إليه عندما يعتقد أنه وجد سبيلا أو بديلا لتشكيل الحكومة. كما أن السيد عبد الإله بنكيران لا يتورع في استعمال العهود والمواثيق مع الأحزاب، بتأكيدات خادعة بالمشاركة في الحكومة من أجل الظفر بإعلانها مساندته، واستعمال ذلك ورقة للضغط والقوة في المشاورات البديلة، مع النية المتجهة بالقطع مع المغرر به، وليس من أجل تراكم التكتل والائتلاف وتوسيعه، وهو ما سماه إدريس لشكر، زعيم الاتحاد الاشتراكي، بأن بنكيران يستعمل الأحزاب فزاعة لصالح حزبه، والأدهى من ذلك أن بنكيران يتسرع في تحديد الفاعلين المكونين للحكومة وإقصاء الباقي، قبل الحسم النهائي مع الآخرين، بل بناء على وعود مازالت قيد الاقتراح. هذه التصرفات جعلت السيد عبد الإله بنكيران يجرد نفسه من كل أدوات وأوراق التفاوض، ليجد نفسه وحيدا ومعزولا ومهزوما، وسط باقي المكونات السياسية الحزبية، ومتراجعا داخل الحزب ببروز أصوات داخلية تعارض طريقة تدبيره لمشاورات تكوين الحكومة، ومدمرا لحزبه في علاقة قيادته بقاعدته، وفي علاقته مع باقي الأحزاب السياسية التي تراه غير جدير بالثقة. ومع كل ذلك، فإن خطوة بنكيران جديرة بالقراءة، وإعلانه عدم القدرة على تكوين الحكومة لا يخرج عن إحدى الغايتين: الأولى الأساسية داخلية تستهدف أعضاء الحزب نفسه، لتحسيسهم بأنه يتعرض للابتزاز، في محاولة لتعزيز التفافهم حوله وإعادة الثقة إليه. أما الغاية الثانية فتكمن في يقين بنكيران بكسب ثقة الحزب ونيته في استعمالها لتوجيه رسالة إلى الدولة من أجل الابتزاز، فهو أسلوب يجيده ويتقنه؛ لأنه يعتقد أن الأحزاب موجهة وغير مستقلة وأنها مجرد أدوات، وهو ما يقصده بكون أخنوش في وضع لا يملك القدرة على الجواب. فهل يحصل السيد بنكيران على مآربه من هذا التكتيك، أو وضع خطوة أولى لتقاعده السياسي في نهاية مأساوية بفشله في تكوين الحكومة؟؟!! *محام بمكناس