يجدر بسيرورة التاريخ وعجلتها أن لاتقف على أعقاب سنة أرخت سدولها، وبين عام سيحمل محطات بحلوها ومرها، وإن كانت التطلعات ترنو إلى انبثاق أحدات غير مأساوية. وقبل أن نطوي أهم الأحداث التي طبعت سنة 2016، كان العالم أجمع مشرئبا نحو البيت الأبيض للتعرف على الرئيس ال45 للولايات المتحدةالأمريكية، بعد تفوقه على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون. كما شكل يوم 15 يوليو 2016 يوما مثيرا للجدل، حيث استيقظ العالم على خبر عاجل قرأته مذيعة على قناة "تي آر تي" التركية يفيد بنجاح محاولة انقلاب على النظام الحاكم بتركيا. وسويعات فقط بعد هذا الخبر، اهتزت شبكات التواصل الاجتماعي على خبر فشل المحاولة الانقلابية، بعد أن نجحت القوات الموالية للحكومة في استعادة السيطرة على الوضع. ليطل، في سابقة من نوعها، الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان، عبر أحد تطبيقات التواصل، متهما من خلاله ما سمّاه بالكيان الموازي قاصداً أحد معارضيه، بالوقوف وراء محاولة الانقلاب. كما دعا أردوغان الشعب التركي إلى هبة حاشدة في الشوارع والميادين للاعتراض على ما حدث. وبلدان أوربا كانت عرضة لسلسلة التفجيرات الإرهابية، ومسلسل الدم، بل زادت وتيرته وأفظعها، إذ إن تفجيرات بروكسيل في شهر مارس والتي ذهب ضحيتها أكثر من 34 شخصا وأصيب 135 آخرون في تفجيرين وقعا في مطار بروكسيل، ومحطتين للميترو في العاصمة البلجيكية، وقد تبنى تنظيم داعش الهجمات. واستمر المسلسل الإرهابي بهجوم نيس الفرنسية، فقد أوقع ما لا يقل عن 84 قتيلا، وأكثر من 100 جريح، إثر اندفاع شاحنة صوب جمع من الناس، كانوا محتشدين لمشاهدة الألعاب النارية بمناسبة العيد الوطني. أما كابوس حوادث الطائرات، فكان له نصيب هو الآخر، حيث تحطمت الطائرة التابعة لشركة مصر للطيران وعلى متنها 66 شخصا أثناء رحلتها من باريس إلى القاهرة. وكان قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الأبرز في السنة، وبتداعياته على الاتحاد نفسه، وعلى السياسة البريطانية الداخلية؛ وذلك بعد43 عاما من العضوية. وقد غيّر البريكست خارطة أوروبا الاقتصادية، إذ صوّت 51.9 من الناخبين البريطانيين مع خروج المملكة المتحدة من الاتحاد، مقابل 48.1 عبّروا عن تأييدهم للبقاء فيه. وطفت بين دمار حلب صورة عمران التي أبكت العالم أجمع، فالطفل عمران دقنيش ابن الخمسة أعوام، وهو يجلس في سيارة إسعاف بعد تعرض منزله لغارات جوية نفذتها مقاتلات النظام السوري، فملامحه البريئة التي لم تكن تستوعب ربما ما يجري حوله هزت العالم، واسترجعت صورة الطفل السوري الغريق "ألان كردي"، ذي الثلاث السنوات، والذي رج أصقاع المعمور بجسده الملائكي، والذي تلاعبت به الأمواج وقذفته على رمال المتوسط. وللخروج من جو التوتر والحروب والدمار، كانت لمنافسات النسخة ال31 لدورة الألعاب الأولمبية، والتي افتتحت في ريو دي جنيرو البرازيلية. في سنة 2016، توفي المسرحي المغربي الكبير الطيب الصديقي، كما اختطف الموت العالم المصري أحمد زويل الذي حصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 عن أبحاثه في مجال "كيمياء الفيمتو"، ليصبح أول عالم مصري وعربي يفوز بجائزة نوبل في الكيمياء. كما أن الموت غيّب آخر قائد شيوعي، وهو الرئيس الكوبي الشيوعي فيدال كاسترو، الذي انتزع السلطة في ثورة 1959 وحكم كوبا 49 عاما بقبضة حديدية، فأقام دولة الحزب الواحد، وأصبح شخصية رئيسية في الحرب الباردة. ووافت المنية أسطورة الفن النبيل، إذ فقدت حلبات الملاكمة أيقونتها الأبرز، الأسطورة محمد علي كلاي. وعقب إعلان نبأ وفاته، غصت مواقع التواصل الاجتماعي بصورة متبوعة بتعليقات تنعي فقدانه، إذ إنه لم يكن ملاكما عالميا فقط، بل كان حكيما ولديه رؤية لاقت إعجاب شعوب العالم على اختلاف توجهاتهم وجنسياتهم. كانت سنة 2016 سنة سمراء ،أي سنة إفريقيا بامتياز، والزيارات الملكية لم تكن بروتوكولية فقط، بحيث وقعت أكثر من مائة اتفاقية، وفتحت أوراش كبرى، كان على رأسها أنبوب الغاز بين نيجيريا وأوروبا عبر المغرب، والفتوحات الخضراء للمكتب الشريف للفوسفاط الذي يتواجد اليوم في 14 دولة إفريقية، ويحمل حلم الأمن الغذائي إلى القارة السمراء في إطار شراكات لصناعة الأسمدة محليا، وكل هذا كان مصاحبا باستثمارات كبرى في مجال العقار والأبناك والأدوية والزراعة والتأمينات؛ وهو ما جعل المغرب منافسا قويا لتركيا والهند في القارة السمراء. في المغرب، فإن سنة 2016 كانت بلا شك سنة الانتخابات التشريعية ، وما نتج عنها من نتائج قادت البلاد نحو ما يسمى ب"البلوكاج". أيضا في سنة 2016، أقر المغرب قانونا لتشغيل الطفلات دون 18 سنة. وأصبح نقاش التعليم أكثر عبثية وسريالية، إذ اكتشف البعض أن مشكل التعليم في المغرب ليس هو المضامين والجودة والبنيات التحتية والموارد البشرية؛ ولكن هو ضرورة إلغاء المجانية، وإلزام الطبقات الميسورة بالأداء، مقابل تعليم أبنائها في المدارس العمومية. ووجد المغاربة أنفسهم أمام مأزق موافقة الحكومة على استيراد 2500 طن من النفايات الإيطالية. كما أن مراكش الحمراء كانت محطة تتبع العالم أجمع لقمة المناخ ال22، والتي أدرجت في أجندتها التزام المنتظم الدولي، وكل الفاعلين الاقتصاديين، ومختلف المؤسسات العابرة للقارات لتغيير السلوكات المسيئة إلى كوكب الأرض، وعبر ضيوف كوب ال22 عن ارتياحهم للقرارات السيادية، ولمنطق التوحد. وقد قرر المغرب في هذه القمة المناخية توجيه دعاماته السياسية، وكل الروابط التاريخية والدبلوماسية إلى قيادة الاقتصاد المغربي في القارة الإفريقية، وإلى دعم ترشيح عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي. وتبقى الآمال جد ايجابية في مستهل هذا العام الجديد 2017، لتبوء المغرب مكانته الإقليمية إفريقيا. كذلك في 2016 تمت إقالة ديلما روسيف، واستقالة دافيد كامرون وتسريبات أوراق بنما ودورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في البرازيل "ريو 2016” والتوصل إلى اتفاق سلام في كولومبيا.... إذن، ودعنا سنة ميلادية حبلى بالأحداث المختلفة، ونأمل أن يطل العام الميلادي الجديد بتباشيره، وحمله لقيم الخير، والنأي عن الشرور التي تدمر البشر وعمارته في الأرض.