لم يكن اختيار الرئيس المكلف بحكومة بتشريعيات 7 اكتوبر اعتباطا أو خارجا عن قاموس النظريات السياسية، بنطقه عبارة ''القوة القاهرة''، الدارس للفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود سيتبين جيدا فحوى بلاغة الرسالة التي يشير إليها مفهوم القوة القاهرة صراحة، والتي يقصدها السيد بنكيران، انطلاقا من فقرات الفصل التي تقول: "القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه كالظواهر الطبيعية والفيضانات والجفاف والعواصف والحرائق والجراد وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا، ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة، الأمر الذي كان من الممكن دفعه ما لم يقم الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه. وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين ''. التعريف هو أيضا لا يخرج من نطاق الالتزامات الدولية، أي بين الدول الأطراف وليس فقط بين أفراد عاديين لذلك فهو يمكن استعارته في حقل نظرية التعاقد بين الأشخاص المعنوية وليس فقط الذاتية كحالة المؤسسات الحزبية داخل الدولة الواحدة. من خلال مقتضيات النص القانوني ، يلاحظ أن شروط القوة القاهرة المباغثة، الفجأة والعجز ، حيث أن القوة القاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا وينتج عن ذلك استحالة تنفيذ الالتزامات الناشئة عن العقد"السياسي" بشكل مؤقت أو بصورة نهائية. وهو ما تؤكده محاولة الفقه في تقديم تعريف عام له معتبرا إياه ذلك الحادث الذي لا يمكن تجاوزه مطلقا، غير متوقع، وغير منظور، ينتج عن قوة أجنبية كالعاصفة والانهيار والهزة الأرضية وكذلك الحرب وأحيانا قرار السلطة . استعانة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة بمصطلح القوة القاهرة من معجم القانون والاقتصاد في أحد بنود تعاقده الأخلاقي والسياسي مع حزب الاستقلال، إشارة لإعفائه كطرف متعاقد من التزاماته بسبب حدوث ظروف قاهرة خارجة عن إرادته كما يحاول أن يرسل رسالته التمهيدية ما قبل تشكيل الحكومة، بسبب حدوث انجراف كوارث خارجية عن الحياة الحزبية في الحقل السياسي، يمنعه من الالتزام بالاستمرار في التعاقد أو من تنفيذ التزاماته طبقا للعقد المعلن عنه . المصطلحات السياسية الجديدة المرتقبة في القاموس التواصلي لرئيس الحكومة محاولة تقريبية لتفكيك شيفرات تشكيل الحكومة المقبلة بما يتجاوز ما طبع حكومة 2011 من مصطلحي التماسيح والعفاريت إلى توصيف واقع ومستقبل مناخ العمل السياسي الحكومي برمته بالفيضانات والجفاف والعواصف والحرائق والجراد وغارات العدو وفعل السلطة. مع إشارة الاحتفاظ في التعليق بأن الآفات الطبيعية بفعل إلهي سماوي ''حسب التعريف الشرعي للقوة القاهرة'' في حين أن القوة القاهرة في القاموس المغربي بفعل إرث بنيوي سياسي طبيعي لسلطوية الدولة. ما تنبيء به أيضا الإشارات المستقبلية لمنطوق عبارة "القوة القاهرة"، أن الانحباس السياسي المغربي المرتقب لا يندر إلا بصواعق الانحدار بالفعل السياسي، نحو مزيد من بهدلة الوسائط الديمقراطية المنبثقة من القواعد الشعبية التي حسمت اختياراتها في صناديق الاقتراع ليوم 7 أكتوبر، وقبول الإجهاز عليها، والافتراء عليها بمخرجات لقاء 8 أكتوبرفي مقابل توسيع هامش المناورة والفعل للفاعل المظلي الذي يوسع من قاعدة السخط على جدوى المشاركة الانتخابية ومن ارتفاع منسوب اللا ثقة في مؤسسات الدولة، ومقابلة المؤسسات الحزبية بعقاب اللاتصويت والالتفاف على طريق مآلات الانتقال الديمقراطي. وفي ذلك مغامرة كبرى غير محمودة العواقب أمام هذا الانحسار السياسي المرفوق بتفاقم تعقد الأوضاع الاجتماعية نتيجة الاحتكار الاقتصادي لنادي الكبار، في حين تعزز من الفرز بين المنتصرين للصف الديمقراطي والمنتعشين من لاديمقراطية المشهد السياسي وكشف من هم في المقاعد الخلفية للفرجة يميلون حيث تميل المواقف. كما أن نتائج هذا الالتواء علاوة على هدر الزمن السياسي المغربي هو ما يصنف رتبة تموقع المغرب ضمن رزنامة مؤشرات أخرى للديمقراطية المغربية رسميا، وليس مواقف حزبية ما، تضطلع بمهامها التاريخية في بناء الوطن .