تحول الغضب العارم الذي اضطرم في نفوس عدد من النخب السياسية والثقافية والمدنية في موريتانيا، بسبب تصريحات حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، التي تحدث فيها عن الوحدة الترابية للجار الجنوبي للمملكة، إلى استبشار وحبور عقب ردة الفعل الرسمية لأعلى سلطة في البلاد. وتمثلت ردة فعل المغرب حيال تصريحات شباط، في ثلاث مبادرات رئيسة؛ الأولى كانت بلاغ وزارة الخارجية التي هاجمت زعيم "الاستقلال"، والثانية زيارة على عجل لرئيس الحكومة إلى موريتانيا لملاقاة الرئيس محمد ولد عبر العزيز، والثالثة المكالمة الهاتفية التي أجراها الملك مع الأخير. وفي هذا الصدد، أبدى منتدى المعارضة في موريتانيا ارتياحه لمحتوى البلاغ الصادر عن الخارجية المغربية، وللمواقف المبدئية والأخوية التي عبر عنها، معتبرا إياها "مواقف منتظرة من المملكة المغربية الشقيقة، تمليها العلاقات والروابط المتعددة الأبعاد التي تجمع بين الشعبين والبلدين الشقيقين". من جهته أفاد رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، محمد جميل ولد منصور، بأن وزارة الخارجية المغربية "أحسنت ببيانها الرافض لتصريحات شباط"، وأضاف: "حسنا فعلت المملكة حين نأت بنفسها عن تصريحاته"، مؤكدا أن "موريتانيا لا يصلح لها إلا اعتماد التوازن في سياستها الخارجية". واعتبر المحلل والكاتب السياسي الموريتاني إسماعيل الرباني أن "سيل أقاويل المرجفين في المنطقة بلغ الزبى، وعلا صوت التفرقة والخلاف، ودق الصائدون في المياه العكرة طبول الحرب. وبعد أن تصدر دعاة التفرقة المشهد في الأيام الأخيرة، جاء بيان الخارجية المغربية مثلجا لصدور الشعبين الموريتاني والمغربي". وتابع الرباني بأن "الخارجية المغربية وضعت النقاط على الحروف، ووصفت تصريحات شباط بما تستحق من استهجان ورفض وتوضيح، وتعبير عن متانة عرى الوشائج التي تربط شعبا واحدا في دولتين، والتي أظهرت الأزمة الحالية العابرة أنها عصية على المؤامرات التي تحاك في آخر منطقة عربية هادئة منذ اندلاع الربيع العربي". وزاد المحلل ذاته أن "من يحاول الوقيعة بين الشعب الموريتاني وشقيقه المغربي، من صحافة ومحللين وساسة ومندسين ومخبرين، لقنته الحكومة المغربية درسا لن ينساه أبدا، مفاده ألا أحد، مهما كان الهرم الذي يتربع عليه، باستطاعته أن يكون في مأمن من رفضها القاطع لمحاولته النيل من العلاقات المتميزة بين الرباط ونواكشوط". واسترسل الرباني: "رغم فداحة الجرم الذي ارتكبه الأمين العام لحزب الاستقلال، فإن تصريحه أبان عن عمق العلاقات الموريتانية المغربية، وكونها عصية على التوتير، مهما حاول دعاة التفرقة من الطرفين، ومهما كانت مواقف النخب التي لا تنمو إلا في المياه الراكدة الآسنة، ولا تدخل الإعلام ولا اهتمام الرأي العام إلا من باب "خالف لتذكر"". ومن جهته كتب محمد الأمين ولد الكتاب، معقبا على الأزمة التي أحدثتها تصريحات شباط، أن "لموريتانيا والمغرب علاقات تاريخية وسوسيوثقافية وطيدة لا يمكن تجاهلها، ولهما مصالح اقتصادية وجيو إستراتيجية قوية ومتشابكة، لا يمكن لأي منهما أن يفرط فيها دون أن يلحق الضرر بنفسه". واستطرد المحلل ذاته بأنه "لا بد للموريتانيين أن يعوا أن المغرب لا يشكل فقط الجسر بين بلدهم وأوربا، ولكنه أيضا القوة الاقتصادية الإقليمية التي يزداد حجم التبادل التجاري معها باضطراد؛ ناهيك عن التواصل الاجتماعي والفكري والروحي التليد بين البلدين، بدليل أن الجامعات والمعاهد والمدارس العليا المغربية مفتوحة على مصراعيها في وجه الطلبة الموريتانيين".