الجزائر بين فخاخ العسكر وإغراء واشنطن.. موارد البلاد على طاولة المساومات    جلالة الملك محمد السادس يبعث برقية تعزية ومواساة إلى أسرة الفنانة الراحلة نعيمة سميح    الدكتورة سارة هند جعفر: 8 مارس يوم للاعتراف بريادة المرأة وفرصة للتذكير بحقوقها المسلوبة    مجلس التعاون الخليجي يجدد دعمه الكامل والراسخ للوحدة الترابية للمغرب و يشدد على أهمية تعزيز شراكته الإستراتيجية مع المملكة    إيران ترفض دعوات أمريكية للتفاوض    البطولة.. الجيش الملكي يرتقي إلى الوصافة عقب انتصاره على نهضة الزمامرة اتحاد طنجة يعود بنقطة من فاس    الأمن الوطني يوقف ستة أشخاص بتهمة التحضير لتهريب دولي للمخدرات    المجلس الجماعي لأكزناية يعقد دورة استثنائية لمناقشة قضايا تنموية هامة    بنهاشم يوضح سبب مغادرة الزمامرة    "حماس" تتفاءل باستمرار الهدنة    مسؤول أممي: المغرب أصبح وجهة متميزة للمستثمرين في القطاع السياحي    توقيف مهربين للشيرا بالناظور    إنذار أحمر: أمواج عاتية تهدد السواحل الأطلسية المغربية    بعد سبع سنوات عجاف.. أمطار الخير تنعش المغرب وتبعث الأمل    مستجدات تُقرب المتابعين في ملف "اغتصاب" المحامية الفرنسية من الحرية    الملك: رحيل سميح "خسارة فنية"    تشييع جنازة الفنانة نعيمة سميح بمقبرة سيدي امحمد ببنسليمان    تأجيل مباراة برشلونة وأوساسونا بعد وفاة طبيب النادي الكاتالوني    ندوة فكرية بطنجة تناقش تحديات ورش الدولة الاجتماعية وآفاقه    تخصيص أكثر من 3,27 مليار درهم لرفع الطاقة الاستيعابية لمطار طنجة إلى 7 ملايين مسافر    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    الجمعيات الكشفية الفرنسية بالمغرب في ظل الاستعمار ونشأة الحركة الكشفية المغربية    سميرة سعيد تنعى رفيقة الطفولة نعيمة سميح بكلمات مؤثرة    النساء بجهة الشمال يمثلن ما يقرب من ثلث اليد العاملة الدائمة في المؤسسات الربحية    توقيع اتفاقية لتنفيذ البرنامج الوطني لتكوين الأطفال في المجال الرقمي والذكاء الاصطناعي    الصويرة.. الأمطار تتسبب في انقلاب حافلة لنقل المسافرين (فيديو)    تسجيل أزيد من 24 ألف إصابة بجدري القردة بإفريقيا منذ مطلع 2025    وزير الخارجية الصيني: الصين تسعى إلى تقديم عوامل اليقين لعالم مليء بعدم اليقين    تساقطات ثلجية وأمطار قوية وهبات رياح قوية مرتقبة من السبت إلى الاثنين بعدد من مناطق المغرب    دوق بوكان الثالث سفيرًا جديدًا للولايات المتحدة في المغرب.. أهمية المملكة في الاستراتيجية الدبلوماسية الأمريكية    اليوم العالمي للمرأة.. إسرائيل قتلت 24 صحفية خلال الحرب على غزة    خلال اجتماع استثنائي بجدة... منظمة التعاون الإسلامي تقرر استئناف عضوية سوريا في المنظمة    ترامب يعين ديوك بوكان الثالث سفيرا للولايات المتحدة بالمغرب    رحيل أيقونة الطرب المغربي نعيمة سميح عن عمر 71 عاما    مواجهات ملغومة للكوكب المراكشي ومطارديه وهاجس النجاة حاضر بين خريبكة والمولودية    ترامب: الخلاف مع كندا والمكسيك سيجعل مونديال 2026 "أكثر إثارة"    جمال حركاس يجدّد عقده مع الوداد    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    الفنانة المغربية نعيمة سميح في ذمة الله    نعيمة سميح في ذمة الله    عمرة رمضان 2025: الموسم الذهبي لوكالات الأسفار    قائمة أسود الأطلس النهائية التي قد يختارها المدرب وليد الركراكي    رحيل أيقونة الطرب المغربي نعيمة سميح عن عمر 73 سنة    الفنانة نعيمة سميح في ذمة الله    مكتب الحبوب يدعم الموردين ب14.77 درهم للقنطار    النجم المغربي لامين يامال يثير اهتمام وسائل الإعلام حول توفيقه بين الصيام والتداريب    الصين تفرض رسوما إضافية على المنتجات الفلاحية والغذائية الكندية    تسرب الغاز قبالة سواحل السنغال وموريتانيا.. "غرينبيس إفريقيا" تحذر من الأثر البيئي    الكلايبي: لا نية لبيع مركب محمد الخامس وأولويتنا تأهيل البنية التحتية الرياضية    أفضل النصائح لخسارة الوزن    عمرو خالد: هذه ملامح استراتيجية نبوية ناجعة للتعامل مع تقلبات الحياة    اضطراب الشراهة عند تناول الطعام: المرض النفسي الذي يحوله تجار المكملات الغذائية إلى سوق استهلاكي    مقاصد الصيام.. من تحقيق التقوى إلى بناء التوازن الروحي والاجتماعي    فصل تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان    السمنة تهدد صحة المغاربة .. أرقام مقلقة ودعوات إلى إجراءات عاجلة    خبير يدعو إلى ضرورة أخذ الفئات المستهدفة للتلقيح تجنبا لعودة "بوحمرون"    عمرو خالد: 3 أمراض قلبية تمنع الهداية.. و3 صفات لرفقة النبي بالجنة    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توظيف الأساتذة بالتعاقد .. رهان الجودة أم إكراه الاقتصاد؟
نشر في هسبريس يوم 19 - 12 - 2016

حقيقة لا يمكن لمن يتابع التناقض الصارخ في قرارات الحكومة إلا أن يقف مصدوما مبهوتا أمام نفاق بعض الفاعلين السياسيين خاصة ممن يعتبرون الصراحة والوضوح منهجهم في مخاطبة المواطنين، فالسنة الماضية تابع الجميع العنترية التي جابه بها رئيس الحكومة احتجاجات أساتذة الغد، حتى أنه صعد أعلى الجبل وأقسم ألا ينزل إلى السفح إلا بعد تمرير مرسومه الذي يقضي بأن التوظيف في سلك التعليم لا يمر إلا عبر تكوين متين في المراكز الجهوية للتربية والتكوين تليه مباراة وطنية يتحدد عدد الناجحين فيها بناء على عدد المناصب المالية المدرجة في قانون المالية السنوي، وذلك استنادا إلى كون إصلاح المنظومة التعليمية وتقديم تعلمات بجودة عالية لا يتأتى إلا بسلوك مداخل أساسية أهمها التدقيق في اختيار هيأة التدريس. لكن لم تمض سنة كاملة على أجرأة هذا المرسوم، وما خلفه من أزمة، حتى جاء قرار الحكومة المفاجئ بتوظيف 11000 أستاذ وأستاذة عن طريق التعاقد مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين مباشرة وبدون تكوين أساسي في المراكز الجهوية للتربية والتكوين، فأين الجودة بمنطق الحكومة؟ وما الذي تغير بين الأمس واليوم حتى تسقط في هذا التناقض الفادح؟
إن المبرر الذي ساقه وزير التربية الوطنية لاتخاذ هذا القرار، خلال اجتماعه الطارئ مع النقابات الأكثر تمثيلية قبيل البدء في تفعيله، يتمثل في النقص الحاد في عدد المدرسين وحالة الاكتظاظ التي تعرفها معظم المؤسسات التعليمية، غير أن المتتبع للشأن التعليمي يلاحظ أن حالة الاكتظاظ بالمدارس ونقص الموارد البشرية لم يكن وليد هذه السنة، فالظاهرة مزمنة وزادت تفاقما في العشر سنوات الأخيرة، صحيح أن هذه السنة كانت استثنائية بكل المقاييس، لكن المسوغ الذي ذكره الوزير لم يكن مقنعا، لا سيما إذا استحضرنا أن الحكومة تمسكت بتوظيف 7000 أستاذ وأستاذة فقط هذه السنة من أصل 10000 آلاف الذين خضعوا للتكوين بالمراكز الجهوية. ومن تم نكون أمام موقف ضبابي وغير واضح في التوجه الحكومي الجديد، وهذا يدفعنا إلى الشك في كون الحكومة افتعلت حالة الاكتظاظ والنقص البين في الموارد البشرية هذه السنة من خلال تقليص عدد المناصب المالية تزامنا مع إحالة 27000 من رجال ونساء التعليم على التقاعد نهاية الموسم الدراسي الفائت( 12000 عن طريق التقاعد العادي و 15000 عن طريق التقاعد النسبي)، وذلك لتمرير هذا الإجراء الجديد وإقرار نظام جديد للتوظيف في قطاع التعليم. لكن نتساءل لماذا؟ وما الذي يميز هذا النظام عن النظام الجاري به العمل حاليا؟
إن التوظيف بالتعاقد في سلك التعليم لم تمله الظروف الطارئة التي تذرعت بها الحكومة، وأن حالة الاستعجال التي بنت عليه الحكومة قرارها ما هي إلا حالة مفتعلة تخفي الأسباب الحقيقة للإقدام على هذا القرار. فالتوظيف بالتعاقد كان دائما ضمن التوصيات التي أقرتها الهيآت الاستشارية التي تضع مخططات إصلاح منظومة التعليم، فقد أوصى معدو ميثاق التربية والتكوين سنة 1999 بهذه المسألة، حيث جاء في الدعامة الثالثة عشرة، ضمن التوصية 135 التي تتعلق بالتكوين الأساسي للمدرسين والمشرفين التربويين وتوظيفهم ما نصه: "يسمح بمزاولة مهنة مرب أو مدرس لمن توافرت فيه الشروط التي تحددها السلطات المشرفة على التربية والتكوين، ويراعى في تحديد إطارات توظيف المدرس مبدأ الحفاظ على جودة التأطير في جميع المستويات، ويتم تنويع أوضاع المدرسين الجدد من الآن فصاعدا بما في ذلك اللجوء إلى التعاقد على مدد زمنية تدريجية قابلة للتجديد، على صعيد المؤسسات والأقاليم والجهات وفق القوانين الجاري بها العمل"، وهذه التوصية ثم التأكيد عليها ضمن الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 التي أعدها المجلس الأعلى للتعليم، حيث نص في المادة 59 على أنه: " يتم، على المدى المتوسط، بالتدريج، اعتماد تدبير جهوي للكفاءات البشرية في انسجام مع النهج اللامتمركز لمنظومة التربية والتكوين، ومع توجهات الجهوية المتقدمة، مع تنويع أشكال توظيف مدرسي التعليم المدرسي ومكوني التكوين المهني، وذلك طبقا للمادة 135 من الميثاق...". ومن هنا يمكن القول أن هذا النوع من التوظيف كان مرتبا له بشكل مسبق، ولم تكن الحكومة تنتظر سوى الأرضية المناسبة لإخراجه للوجود لإقناع الفاعلين والمهتمين بالحقل التربوي بضرورته.
بغض النظر عما إذا كان نظام التعاقد هذا فعالا أم لا، فإن الطريقة التي أخرج بها إلى حيز الوجود كانت مرتجلة ومتسرعة، من خلال الزج بخريجي الجامعات مباشرة في قاعات التدريس دون المرور من حلقة التكوين، وهو ما يظهر أن القرار الحكومي لم يكن محكوما بمسألة الجودة، وإنما كان مرهونا، في اعتقادي الشخصي، بتوازنات اقتصادية تتمثل في تخفيف الضغط على نفقات التسيير في الميزانية العامة من خلال خفض كتلة الأجور تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي كإجراء يضمن له استرداد ديونه والفوائد المترتبة عنها، وذلك بحذف أجور الأساتذة المتعاقدين من ميزانية الموظفين وتحويل أدائها إلى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين كمؤسسات عمومية ذات طبيعة إدارية تتمتع بالاستقلال المادي والمعنوي، فمن خلال عملية حسابية بسيطة إذا كان هؤلاء الأساتذة سيتقاضون أجرا ابتدائيا في حدود 5000 درهم شهريا، فإن 660 مليون درهم (مجموع ما سيتقاضاه 11000 أستاذ سنويا) ستختفي من كتلة الأجور هذه السنة، وهذا ما يظهر جليا في مشروع القانون المالي لسنة 2017 إذ حددت نفقات الموظفين في 106 مليار و700 مليون درهم في حين بلغت السنة الجارية 106 مليار و775 مليون درهم بانخفاض قدره 07،0%، وهو انخفاض يسجل أول مرة في تاريخ الميزانية العامة على ما أعتقد بعدما عرفت هذه النفقات زيادة مضطردة في السنوات الأخيرة حيث قفزت بين 2013 و 2016 من 22،53 إلى 77،106 مليار درهم بنسبة تغير ناهزت 100%.
إن هذا التحليل يظهر بلا شك أن الحكومة بإقرارها لنظام التعاقد ستربح رهانا اقتصاديا، يتمثل في خفض كتلة نفقات الموظفين في الميزانية العامة حفاظا على توازناتها الماكرواقتصادية واستجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي، لكن رهان الجودة سيبقى معلقا عما سيسفر عليه تفعيل هذا النظام في السنوات القادمة، وذلك أمام وجود تحديات كثيرة أهمها وجوب تكوين هؤلاء المتعاقدين، وضرورة توفرهم على الضمانات الحقوقية والقانونية والقضائية التي تسعفهم في أداء واجبهم على الوجه المطلوب، في ظل خضوعهم لمدونة الشغل بدل من القانون العام للوظيفة العمومية والنظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.