ماذا لو تم تحقيق محايد ودقيق في بعض الجامعات، للكشف عن مدى خرق مواثيق وأخلاقيات التعليم العالي؟ والكشف عن مدى توغل لوبيات يتردد أنها تتاجر في شهادات منها الماستر، وحتى الدكتوراه؟ ألوان من الفساد "العالي" يتردد أنها منتشرة هنا وهناك.. وكثير من الآباء والأمهات لا يخفون هذا، فمن أراد أن يسجل ابنته أو ابنه في الماستر، فعليه بكذا مليون.. ومن يريد التسجيل للدكتوراه، فالمبلغ أكبر.. وتبقى الضحية الأولى فئة من الأساتذة المعروفين بكفاءتهم ونزاهتهم.. أجل! عندنا أساتذة يرجع لهم الفضل في تكوين أجيال من الأطر العليا، في مختلف التخصصات.. ولكن هؤلاء الجادين ليسوا وحدهم في المدرجات.. توجد ألوان بشرية أخرى.. والفاسدون كالفيروس يتكاثرون، ويخربون أي مسلك سليم إلى الشهادات العليا.. والتحقيق إذا تم، وبشكل نزيه، سيجيب بوضوح ودقة على تساؤلات كثير من الطلبة والعائلات، ومنها: لماذا يعرقل فاسدون حق الطلبة في مواصلة الدراسة، والحصول على أعلى الشهادات؟ ولماذا التنقيط يرتبط بشراء كتاب الأستاذ، قبل الدخول إلى قاعة الامتحان؟ لماذا يعرقل بعض الأساتذة الاجتهاد الجامعي لطلبة مجدين؟ ولماذا يخلط بعض الأساتذة بين التدريس والتجارة؟ لماذا تحولت الجامعة إلى تفريخ شهادات بعضها غير مستحق؟ وتساؤلات أخرى كثيرة.. - أمام صمت وزارة وصية هي على العموم "سياسية"، يقودها وزير تابع لهذا الحزب أو ذاك؟ وأصلا، ما علاقة الأحزاب بالجامعة؟ فمعروف، حتى في زمن وحدات "الأواكس" للمراقبة والزجر، أن أحداث الشغب داخل الجامعات، لم تكن تقودها فقط "جهات خفية"، بل كانت أيضا تخطط لها وتنفذها فصائل ذات مشارب "إيديولوجية" متناقضة متعاكسة.. فصائل طلابية كانت تدعو إلى العنف، ومنها ثوري وانفصالي وإتني وعدلي وديني متطرف، وغير هذه من إيديولوجيات مختلفة بالوسط "السياسي".. وأحداث الجامعات، التي سقط فيها، خلال العقود الماضية، ضحايا من الطلبة، أبرزت أن خيوطها كانت تحركها أحزاب.. تلك الأحداث حولت جامعتنا إلى لوبيات تتحكم في مفاصيل التعليم العالي، وتجعل الوزارة نفسها مضطرة للعمل وفق توازنات مفروضة عليها، حتى ترضي كل أطراف "النزاع الجامعي".. وهكذا ينشغل الوزير بالأمن الجامعي أكثر من مراقبة المنهجية التعليمية.. وقد كثرت أحداث الشغب في التعليم الجامعي العمومي، وهو الفضاء التدريسي الذي يلجه أبناء "عامة الناس".. وتم إنضاج فكرة "المدارس العليا" الخصوصية، فالتحقت ببعضها نفس مظاهر الفساد، وصارت الشهادات العليا أوراقا يتم سحبها في مطابع عادية، ثم توقيعها ومنحها لمن يدفع.. والنجاحات تكون في بعض الحالات، على أساس الدفع، لا الكفاءة.. وهنا أيضا لا يجوز التعميم.. فعندنا في كل المؤسسات صالح وطالح، كما عندنا أيضا تجار النجاحات والشهادات.. وهذا يجب التحقيق فيه للوصول إلى كل الحقائق.. والفرق بين جامعة عمومية ومدارس خاصة، هي أن العمومية عرضة للفوضى "والسنة البيضاء" في أي وقت، والخصوصية "معفية" ولكن تباع في بعضها الشهادات "بالعلالي"! وسواء الخصوصية أو العمومية، كلتاهما تحت مراقبة نفس الوزارة، وزارة "التعليم العالي"، التي كانت وما زالت في حالة ارتباك أمام لوبيات متمركزة بمصالحها.. فما العمل؟ الحل الجامعي مزدوج: إشكالية الأحزاب.. وإشكالية الشهادات.. فبخصوص الأحزاب، يجب إبعاد الجامعة العمومية عن أي تدخل حزبي.. الجامعة فضاء للتدريس، لا "للنضال" الحزبي، وليست مجالا لافتعال صراعات ومشاكل.. ولا يجوز أن يكون التعليم العمومي العالي ساحة للفوضى بين الإيديولوجيات، بينما مدارس عليا خصوصية لا تعرف لا صراعات ولا سنة بيضاء.. لماذا ليست الدراسات ذات النزعة "الأدبية" بمعزل عن الصراعات، بينما مدارس التكوين العلمي لا مكان فيها للشغب؟ يجب تطهير التعليم العالي، عموميا وخصوصيا، ليكون في مستوى المصداقية المطلوبة.. أما عن الشهادات العليا، فهذه نوع من الترف الاجتماعي، ومن العيب أن تتحول الجامعات إلى دكاكين لبيع شهادات، وأن يتحول بعض الأساتذة إلى مظلات لإعداد وتغطية ومناقشة أطروحات هم أنفسهم أعدوها وناقشوها.. أطروحات منسوبة لأشخاص لم يبحثوا في مضمونها، ولا علاقة لهم إلا بأسمائهم المسبوقة بحرف الدال.. دكتوراه منسوبة لأشخاص ربما ليسوا هم من أعدوا الأطروحة.. يجب البحث في كل هذا، لمعرفة الشهادات العليا المستحقة، والشهادات المزورة التي ربما تم استعمالها حتى للحصول على وظائف عليا.. كما يجب التحري في الأبحاث الورقية للتأكد من أنها تتوافق مع المؤهلات المنسوبة لأسماء طلابها.. وكذلك التحري في السر وراء تخلص بعض الجامعات من أبحاث تم إلقاؤها في صناديق النفايات.. فلماذا رمي أبحاث جامعية في مزابل؟ هل هذا سلوك طبيعي؟ أليست هذه الأبحاث قابلة للاستفادة منها، باعتبارها أرشيفا علميا يمكن العودة إليه؟ وهل هذه أصلا أبحاث جامعية حقيقية؟ أم هي من الأبحاث المزورة؟ أو المسروقة؟ أم من النوع الذي ربما مر من أيدي سماسرة الشهادات؟ - أين هي مصداقية الشهادة الجامعية؟ إنها أحزابنا وقفت وتقف وراء صراعات.. ومن أجل إفشال الاستقامة الجامعية، وكذا إفشال البحث العلمي! ولوبيات تسيطر على الجامعة، ومن ثمة تؤثر على انضباط مؤسسات بالوزارة الوصية، من خلال العلاقات والمصالح.. لوبيات لا تهمها لا كفاءة، ولا جودة.. يهمها أن تكون هي "الأقوى" في الجامعة، وبالتالي بارزة في الوزارة الوصية، ومن ثمة متألقة لدى مراكز القرار.. وهكذا تتمكن اللوبيات من تركيع إدارات في الوزارة الوصية، ومن خلالها في الجامعات.. وتمكنت اللوبيات من قلب المعادلة، فأصبح البقاء "للأكفس"، لا "للأكفأ"! ولوبيات الفساد تنتشر أكثر فأكثر، على حساب الكفاءة والجودة، في غياب الجدية في المتابعة والمراقبة الإدارية.. ورغم وجود كفاءات جادة في الأسرة الجامعية، وفي الوزارة الوصية نفسها، فإن الفساد يتمكن من القفز على "القوانين" لتمكين الأقربين من التمكن.. وهذا ليس خاف على إداريين تجمعهم باللوبيات الكبرى مصالح مشتركة، منها التمركز في بعض الأحزاب المرشحة للحكم، وإبراز أسمائهم أمام سلطة القرار.. وفي اللوبيات ما يدار مباشرة من قبل إداريين بارزين، لدرجة أن أصبحت تتشكل أنواع من اللوبيات، صغيرة وكبيرة، فتغطي وتستنزف المؤهلات التي تراهن عليها مسيرة البلاد.. اللوبيات قد كثرت، وتداخلت خيوطها لدرجة أنها شبكة عنكبوتية تصطاد كل حياة في الجامعة.. فمتى تتخلص الجامعة من شبكات العنكبوت؟ - لقد دعا ملك البلاد إلى قيام "ثورة إدارية" في المغرب! [email protected]