صليت الجمعة بمسجد وسط مدينة الدارالبيضاء، بتاريخ 09 دجنبر 2016..كانت خطبة الإمام حول الرسول صلى الله عليه وسلم. لم يكتف الإمام في الخطبة بتبيان أخلاق محمد، وهو القائل: "إنما بُعِثْتُ لأتمم مكارم الأخلاق"؛ دفعته ربما الحمية فانطلق في أحاديث عن المسلمين وانتكاساتهم وهزائمهم؛ ثم انتفض واسترسل يستنهض هِمَمَ المسلمين مُبَشِرا إياهم بالانتصار على أهل الكفر، وخاصة على الروم. كنت جالسا، متكئا على أحد أعمدة المسجد، صامتا، مُغْمَضَ العينين، مع أنني غالبا ما أتحاشى صلاة الجمعة خوفا من الإنصات إلى خطب عقيمة مملة؛ لكن الخطيب استفز مخيلتي عندما بشرنا نحن المستمعين إلى خطبته بالانتصار في الشام..تساءلت ما الفرق بينه وبين البغدادي؟. كان الإمام يخطب بأحاديث مستقاة من السفياني، دون أن يسميه، والبغدادي، وقبله الزرقاوي، اللذين روجا لحديث دابق. حديث دابق وحديث السفياني كلاهما مرويان عن شيخ شيوخ الإسلام: أبو هريرة. ورغم أن الألباني ضعًف من الأحاديث المروية عن السفياني وعن دابق، إلا أننا عموم المسلمين نثق ثقة عمياء في الأحاديث المروية عن أبي هريرة. هكذا، رَأيْتُنِي كواحد من شباب هذه المدينة، وقد أَخَذَتْنِي الحمية الدينية وأنا أستمع إلى حديث الفقيه حول انتصار المسلمين في آخر الزمن في الشام، وبحثت في "غوغل" ووَجَدْتُنِي وجها لوجه أمام دعاية "داعش". هل كانت خطبة مكتوبة من وزارة الأوقاف؟ في حالة الإيجاب تكون الوزارة تشجع على الإرهاب وتدفع شبابنا إلى الالتحاق بالدولة الإسلامية، وفي حال العكس، فإن الإمام يقوم بهذا الدور من تلقاء نفسه. ونتساءل كيف ينتقل شبابنا من النقيض إلى النقيض.. من اللاعنف إلى العنف الأكمل؛ الانتحار باسم الجنة. نموذج هذا الفقيه "الداعشي" يكفي أن يهدم عمل كثير من أجهزة الدولة، التي تبحث عن الأمن الروحي والأمن المادي للمواطن المغربي؛ فأي معنى للأمن الروحي عندما نستمع، دون قدرة على الاحتجاج، إلى ثقافة "داعش" في المساجد المغربية؟. أكمل الإمام خطبته بالدعاء الصالح لأولي الأمر والملك.. كانت "آمين" تسمع جهارا، ولما صار الدعاء للملك خفتت..كان قد شحنهم بالدعاء ل"داعش"، أما الدعاء لأولي الأمر والملك فلم يكن إلا لذر الرماد في العيون. هناك حوالي خمسة آلاف مغربي في جيش البغدادي، وأغلب الانتحاريين من المغاربة، ولا نتساءل لماذا وكيف؟..هذا إمام في قلب الدارالبيضاء، في مسجد في أكبر شوارعها، أمام سلسلة فنادق جديدة، بشارع الجيش الملكي.. هنيئا لنا بصناعة القنابل البشرية، وكل عام ووزارة الأوقاف بخير. *كاتب وباحث وفاعل جمعوي [email protected]