تشتغل الآلة الإعلامية التابعة والمقربة من حزب العدالة والتنمية، في الآونة الأخيرة، بشكل مكثف؛ وذلك لغرض التحريض ضد أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، مع المطالبة بتنحيه عن المنصب، مقابل الترويج لأسماء جديدة متعاطفة مع "إخوان بنكيران" أو قيادية في حزب "المصباح". وينتقد حزب العدالة والتنمية، عبر مواقف عدد من مسؤوليه ووسائل إعلام مقربة منه، القرارات الأخيرة للوزير المذكور والمتعلقة بعزل عدد من الخطباء والوعاظ؛ وهي القرارات التي فجّرت احتجاجات، آخرها امتناع مئات المصلين عن أداء الجمعة بمسجد يوسف ابن تاشفين بفاس، احتجاجا على توقيف الخطيب محمد أبياط، أشهر خطباء الجمعة في المدينة سالفة الذكر. وقد شارك في هذا التحرك الغاضب نشطاء ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوية، حركة التوحيد والإصلاح. شغل التوفيق لمنصب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، منذ أن عيّنه به العاهل المغربي محمد السادس سنة 2002، ظلّ محط انتقاد من لدن "إخوان بنكيران"؛ فبالرغم من أن الوزارة ظلت، في عرف السياسيين، من وزارات السيادة التي لا تتدخل الأحزاب في اقتراحها ضمن التشكيلة الحكومية، فإن الانتقادات استمرت في الآونة الأخيرة ضد الوزارة لاعتبارها ظلت حكرا على اسم واحد عمّر فيها لأزيد من 14 سنة. مقابل ذلك، روّجت وسائل إعلامية موالية ومقربة من حزب العدالة والتنمية لأسماء مرشحة لتعويض التوفيق في التشكيلة الحكومية المرتقبة؛ وهي الأسماء تظل تحوم في دائرة إسلاميي "العدالة والتنمية" و"التوحيد والإصلاح". وتكشف التسريبات المواكبة للمشاورات الحكومية المتأخرة أن قيادة حزب الإسلاميين سبق أن اقترحت تلك الأسماء إبان تشكيل حكومة بنكيران عقب انتخابات 2011، وتعيد الكرة ذاتها مع المرحلة الراهنة. ومن أبرز تلك الأسماء نجد سعد الدين العثماني، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية ورئيس مجلسه الوطني الحالي، والذي شغل لأشهر منصب وزير الشؤون الخارجية والتعاون في حكومة بنكيران الأولى. ويظهر اسم العثماني بارزا بحكم تكوينه الشرعي، باعتباره خريج دار الحديث الحسنية بالرباط في "الفقه وأصوله" وحاصلا على الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط وحاصلا على الإجازة في الشريعة الإسلامية بكلية الشريعة بإنزكان. ويظهر أيضا اسم عالم الدين المغربي مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي لمدينة وجدة، والذي يحظى بتقدير هائل من لدن أبناء عاصمة الشرق ونواحيها. ويظهر بنحمزة في مواقف متعددة تعاطفه مع حزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوية، خاصة أن مقربين من هذا الاسم كشفوا تحرك أعضاء من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية صوب منزله بوجدة لإقناعه بقبول مقترح الحزب وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية بحكومة بنكيران الجاري تشكيلها؛ إلا أن العلامة المغربي أبدى تحفظاته، حسب المصادر ذاتها. اسم ثالث يظهر على لائحة الأسماء الإسلامية المرشحة لتعويض التوفيق، وتراه الأوساط الإسلامية بالمغرب قادرا على ما وصفوه تنزيل مشروع إصلاح الحقل الديني على الواقع. ويتعلق الأمر بأحمد الريسوني، عالم مقاصد الشريعة والرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح؛ إلا أن واقع الحال قد يجعل حظوظ الريسوني بعيدة للجلوس على "كرسي التوفيق" في حكومة بنكيران المرتقبة، لعدة مبررات من ضمنها فتاواه المثيرة للجدل التي تحرج قيادة "الحزب الحاكم"، كتحريمه للمهرجانات بالمغرب، منها مهرجان "موازين" العالمي، بجانب حضوره البارز في الأمانة العامة للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، الذي يرأسه يوسف القرضاوي، المقرب من جماعة الإخوان المسلمين. في سياق ذلك، أطلق عدد من النشطاء السلفيين ألسنتهم الحادة تجاه أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، للمطالبة بعزله واستبداله في الحكومة المقبلة؛ وهي الهجومات التي استخدمت فيها عبارات مشينة وتكفيرية دون أن تجد لها ردا من حزب العدالة والتنمية، الذي قاد الحكومة المنتهية ولايتها التي ينتمي إليها الوزير التوفيق. ومن أبرز تلك الأسماء السلفية المثيرة للجدل، الناشط عبد الحميد أبو النعيم، المتابع أمام القضاء بتهم السب والقذف في حق مؤسسات رسمية وشخصيات عمومية، والذي اتهم التوفيق بتبنيه لخطة علمانية وأنه "أدخل التلفزة ولْكَمَانْجَة إلى المساجد لإتلاف العقول". وينتقد أبو النعيم ما أسماه "فرض" التوفيق لثوابت إسلامية على المغاربة، تقوم على المذهب المالكي والتصوّف والعقيدة الأشعريّة التي قال إنها تخالف الكتاب والسّنة، إلى جانب إمارة المؤمنين، منتقدا ما قال إنها محاولة لتفسير هذه الأخيرة تفسيرا سياسياّ، على أن معناها الحقيقي يبقى "إقامة الشريعة وإحقاق الحق وإزهاق الباطل وإغلاق أماكن الفساد.."، رافضا أن "تكون شعارا سياسيا يتلاعب به المتلاعبون". وتبقى الثوابت في الإسلام، من زاوية نظر أبي النعيم، "الكتاب والسنة الصحيحة والإجماع المتيقن والاجتهاد المعتبر الذي ينبني على الدليل"، متوجها بقوله إلى الوزير التوفيق: "أما أن تضع مقدمة فرضتَها فرضاً وأسميتَها بثوابت، فهذا أمر لا يعتد به"، مضيفا: "ما دون ذلك (أي ثوابت الإسلام) فهي أقوال الرجال جاء بها أصحاب المؤسسة الدينية مما لم يشهد له قرآن ولا سنة ولا قول صحيح".. مواقف أبو النعيم، التي تلقى تأييدا وتضامنا من لدن السلفيين بمن فيهم حماد القباج العضو الملتحق أخيرا بحزب العدالة والتنمية، تمثلت أيضا في القول إن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية "جمع سلبيات متناقضات عصره"، وإنه "صوفي خرافي طُرُقي وعلماني متطرف في العلمانية، ورجل يقف في وجه الدعوة وقوفا يجعله ممن يحسب على أعداء الله ورسوله"، وفق تعبيره المثير، الذي دعّمه بوصف وزارة الأوقاف ب"أقبح الوزارات".