لا شيء يبدو عاديا في سلا هذه العشية. نسوة البيوت خنّ موعد تجوالهن المسائي بين سلع الباعة المتناثرين في الأرجاء ورُحْن ماشيات في الموكب، وحمالو المدينة أوقفوا عرباتهم المتهالكة وراحوا يتفرجون على الفرق الموسيقية والأهازيج الشعبية التي هزت أركان المدينة العتيقة لسلا. بعض من الصابرين تسمروا على جنبات الزقاق الضيق في انتظار مرور موكب الشموع، أما المتحمسون منهم فقد كانوا واقفين أمام باب بوحاجة، أحد مداخل المدينة العتيقة، قبل الموعد منتظرين خروج الراقصين وحملة الشموع. بعد صلاة العصر، خرج الموكب المنتظر وسط أهازيج فرق "عيساوى" التي جعلت الكل يتمايل ذات اليمين وذات الشمال، يخال معها المرء أن المدينة بأكملها تتراقص. فوضى الجمهور هي مشاهد من كرنفال سنوي تنظمه الزاوية الحسونية احتفالا بذكرى المولد النبوي، يجوب أزقة عدة من المدينة القديمة لسلا انطلاقا من مكان صناعة الشموع بباب الخميس أو باب بوحاجة، مرورا بالمدينة القديمة، إلى "الخرازين"، ثم القيسارية، فالمنصة التي نصبت بساحة الشهداء. هناك، بعيدا عن جحافل المتفرجين من الساكنة الذين اعترف بعضهم، في حديث لهسبريس، بسوء تنظيم الموكب خلال هذه النسخة بعدما هيمنت الفوضى وغابت توجيهات الأمن، نصبت منصة الضيوف الكبار؛ حيث كان في انتظار حاملي الشموع أعيان المدينة وممثلو السلطات المحلية وشخصيات سياسية يتقدمهم وزير الثقافة المنتهية ولايته محمد الأمين الصبيحي، وعامل عمالة المدينة. خفوت وتراجع المناسبة وإن حافظت على موعدها السنوي، إلا أن إشعاعها بات أقل وهجا، كما أكد ذلك عبد الرحمان الرويجل، نائب رئيس جمعية أبي رقراق أحد المساهمين في تنظيم المناسبة، مشددا على كون الهالة التي كان يحظى بها الموكب تضاءلت في النسخة الحالية، وقال: "في كل نسخة يتبين أن الرمزية والحجم يسيران نحو التدني، وهو أمر منطقي جدا"، وفق قوله. وعلى الرغم من هذا التراجع، إلا أن أضواء شموع الموكب لم تخفت أو تنطفئ في ظل استمرار جانب من طقوسه المشهورة، أبرزها "رقصة الشمعة"؛ أي حينما ترفع سواعد أبناء المدينة وتجارها وصياديها هياكل خشبية ضخمة مزينة بالشمع لترقص بها على أنغام الموسيقى الشعبية، في مشهد نسخه السلاويون من احتفالات الأتراك إبان فترة حكم امبراطورية العثمانيين؛ حيث كانوا يحتفلون بدورهم بذكرى ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، وفقا لما كشف عنه أحد المنتمين للزاوية الحسونية المشرفة على الحدث. حركية ثقافية تقام على هامش الاحتفالات المستمرة أسبوعا، بحسب ما أوضحه عبد السلام بكاري، عضو اللجنة التنظيمية، ندوات فكرية حول الطرق الصوفية وتاريخ مدينة سلا وأنشطة خيرية، فضلا عن تنظيم دوري رياضي في كرة السلة لأول مرة، سيجمع بين فرق الأحياء للمدينة من أجل التنافس على لقب الشموع. وقال بكاري في تصريحه لهسبريس: "على طول الأسبوع ستكون هناك العديد من الأنشطة والمعارض بمختلف أحياء سلا، هو عبارة عن موسم ثقافي تعيش على وقعه المدينة"، مضيفا أن الغرض من ذلك يكمن في نشر قيم التسامح والحوار والاختلاف بين شباب المدينة.