علمنا، من مصادر مطلعة، أن وزارة العدل والحريات بالمغرب تستعد لإبرام صفقة هي الأولى في تاريخ البشرية، والتي تتعلق بتخصيص "قاضٍ آلي" لكل محكمة إدارية في انتظار تعميم التجربة على باقي محاكم المملكة. وفي اتصال مع السيد وزير العدل والحريات، أعرب لنا عن مدى سعادته بهذا المشروع الذي سيعطي قفزة نوعية ويرسخ استقلالية القضاء ويضمن سرعة البت في القضايا ونزاهة الأحكام. وفي معرض سؤالنا عن كيفية اشتغال هذا القاضي، أجاب السيد الوزير بأن "شركة مختصة تصنع هذا القاضي الآلي، ثم يتكلف أطر الوزارة ببرمجته، في حين تبقى مساحة فارغة لديه مخصصة لنا نحن وزير العدل كسلطة تقديرية لهذا القاضي نبرمجها بطريقة مباشرة من مكتبنا بالرباط، وهو الشيء الذي سيوفر علينا مصاريف وتكاليف توجيه التعليمات، خاصة إذا علمنا أن هذا القاضي لن يطالبنا مقابل تنفيذه التعليمات من ترقية إلى غير ذلك" هذا وقد وجهنا سؤالا إلى السيد الوزير عن الحالة التي يدلي فيها هذا القاضي الآلي برأيه في قضية تهم الرأي العام، فكان جوابه مقتضبا بقوله: "القاضي الآلي ماشي بحال الهيني"، فانتهى الحوار. لأننا نريد تغطية صحافية جيدة للخبر ربطنا الاتصال بالسيد الهيني، فسألناه عن حدود الرأي الذي قد يدلي به القاضي في قضية معروضة للنقاش العمومي، فأجابنا بأن المواثيق الدولية تتيح لكل شخص، مهما كان، الحق في حرية الرأي والتعبير. كما أن مجموعة المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية التي أعلنت عنها الأممالمتحدة تعطي الحق لأعضاء السلطة القضائية في حرية الرأي والتعبير، شرط المحافظة على هيبتهم ووقارهم ونزاهتهم. كما نص الدستور المغربي في فصله ال111 على ما يلي: "للقضاة الحق في حرية التعبير، بما يتلاءم مع واجب التحفّظ والأخلاقيات القضائية؛ يمكن للقضاة الانتماء إلى جمعيات، أو إنشاء جمعيات مهنية". وعند سؤالنا للسيد الهيني عن مشروع القاضي الآلي الذي أحدثته وزارة العدل والحريات، كان جوابه: "لا أستغرب ذلك على وزير مثل الرميد"، فطلبنا التوضيح أكثر، وكان الجواب مقتضبا مع ابتسامة تخفي وراءها ألم الحكرة: "أخاف أن أتجرد من جنسيتي المغربية فلم يتبقّ لي في هذا الوطن إلا هي". جواب الرجل وهو المعزول من سلك القضاء، والمحروم من مزاولة مهنة المحاماة، بسبب خوفه على استقلالية القضاء، لم يترك لنا سبيلا آخر من أجل سؤاله، فيكفي أن نتأمل في جوابه، لنشعر بألم الحكرة، ولا نستغرب عليه إن هاجر البلد وذمها؛ لكنه بالمقابل ما زال يخاف على جنسيته ووطنيته، وما زال في بريق عينه يظهر لنا شعار المملكة الذهبي المخطوطة فيه: "إن تنصروا الله ينصركم". نعم سوف تنتصر، سيدي، مبادئك.. سوف تنتصر بعدم خضوعك.. ستنتصر بإرادتك، كما انتصرت سابقا، من غفساي العتيدة إلى ميسور إلى الرباط.. سوف تنتصر؛ فالأحكام باسم جلالة الملك، وليست باسم وزيره.. سوف تنتصر؛ لأن التاريخ لا ينسى، ولأن اسمك على محرك البحث كوكل هو الثاني بعد القاضي عياض، وليس في الترتيب قاضي الرميد الآلي.. سوف تنتصر؛ لأن جور الوزير سيوقفه قاضي السماء.. سوف تنتصر، فردد معي ومع أحرار الوطن ما قاله الشاعر: إذا جار الوزير وكاتباه *** وقاضي الأرض أجحف في القضاءِ فويل ثم ويل ثم ويل *** لقاضي الأرض من قاضي السماءِ