أثارت الزيارة التي قام بها وفد مغربي إلى إسرائيل الكثير من الجدل، إذ شن مناهضو التطبيع هجوما لاذعا على أعضاء الوفد ذاته، وعلى رأسهم الناشط الأمازيغي عبد الله الفرياضي، أستاذ الفلسفة ببني أنصار، القصية ب12 كيلومترا عن مدينة الناظور والمتاخمة لثغر مليلية. الفرياضي، في هذا الحوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، يكشف أسباب الزيارة التي قام بها الوفد بتنسيق مع معهد "ياد فاشيم" لدراسات الهولوكوست، ويعتبر الاتهامات الموجهة له ولزملائه سبة في حق الدولة وأجهزتها. أنتم متهمون، وفقا لبعض الآراء، بالتخابر مع إسرائيل وتنفيذ مخطط يروم تقسيم المغرب إلى دويلات، كيف تردون على ذلك؟ أعتبر أن أصحاب هذه الاتهامات ليسوا سوى شرذمة ترتزق باسم القضية الفلسطينية، التي يضعونها في المرتبة الأولى على حساب القضية الوطنية، والحال أنه لا مجال للمقارنة بين القضيتين. كما أود أن أؤكد أن اتهامنا بالعمالة والتخابر خطير، ولو كان صائبا لتم اعتقالنا على الفور، لكننا خرجنا مكشوفي الوجوه ودخلنا مرفوعي الرؤوس أمام أعين السلطات؛ وبالتالي فأنا أعتبر هذه الاتهامات موجهة إلى النظام المغربي، وسُبَّة له، إذ تعتبره نظاما فوضويا فاسدا وبدون قانون. أنا أستغرب كيف ذهبت مخيّلة هؤلاء بعيدا، حتى إنهم اتهموني بتنفيذ مخطط لتقسيم المغرب إلى دويلات؛ فما لم تقدر عليه الجزائر بدفاعها عن البوليساريو سيستطيع الفرياضي القيام به؟! من سيسمع هذا الكلام سيضحك ويشفق فعلا على هؤلاء. وماذا سيستفيد المغاربة من دروس حول "المحرقة"؟ سؤال جوهري وفي محله، الدعوة التي تلقيناها من معهد "ياد فاشيم" لدراسات الهولوكوست مهمة جدا، وذلك لعدة اعتبارات؛ أولها أن المحرقة التي تعرض لها اليهود من طرف النظام النازي تعتبر جريمة كاملة الأركان ضد الإنسانية .. إنها إبادة بشعة لا بد لأي إنسان فيه ذرة إنسانية أن يستنكرها ويستهجنها. إن درس المحرقة كما يشتغل عليه معهد "ياد فاشيم" هو درس في القيم والمثل العليا، قيم التسامح والتعايش والمحبة، عوض قيم الكراهية والعداوة والانتقام.. أقصد بالتأكيد ضرورة إحلال قيم البناء الجماعي للمستقبل البشري محل الهدم والتقويض. أما من ناحية أخرى، فهذا الدرس التاريخي المفعم بالقيم الإنسانية النبيلة يدفعنا إلى التفكير مليا في كيفية الاستفادة كمغاربة من النموذج البيداغوجي والديداكتيكي الذي ينهجه هذا المعهد في بناء المواطن الإسرائيلي. ويجدر بنا الذكر أن المقاربة التي يعتمدها المعهد استطاعت أن تنتج مواطنا إسرائيليا منضبطا ومتعلقا بوطنه. وهنا أشير إلى أن المواطنين الإسرائيليين مثلا يقفون بشكل جماعي وتلقائي لحظة تخليد ذكرى المحرقة، حتى ولو كانوا على الطريق، وهي صورة معبرة عن واقع مواطن وفقت المقاربة البيداغوجية المعتمدة في بنائه على أساس التعلق بالوطن عبر التاريخ. ومن ناحية أخرى، لا بد من تذكير أنفسنا بأن المحرقة ليست كارثة تاريخية تهم اليهود الأشكناز أو اليهود الغربيين فحسب، بل هي مأساة نشتركها معهم نحن المغاربة أيضا. لماذا؟ لأن النظام النازي الذي قام بتلك الجريمة تحالف أيضا في ذات الوقت مع نظام "فيشي"، الذي كان يحكم فرنسا المستعمرة للمغرب إذاك. وفيشي أصدر كما هو معلوم قانونه المتعلق بإبادة يهود فرنسا والمستعمرات التابعة لها، بما فيها المغرب، لكن جلالة المغفور له محمد الخامس وقف موقفاً بطوليا عندما رفض الانصياع لهذا القرار الاستعماري، وقرر أن يحمي رعاياه من المواطنين اليهود. إن تاريخ المحرقة إذن هو تاريخنا نحن أيضا كمغاربة. ما دمت تتحدث لنا عن الجانب التربوي والبيداغوجي، دعني أنقل لك اتهاما آخر يتمثل في كونكم تركتم تلامذتكم يواجهون الجهل وفضلتم السفر.. (مقاطعا) اعتقد أن اتهامي بترك التلاميذ يواجهون الجهل بسبب غيابي هذه الأيام وسفري إلى إسرائيل يظهر بشكل جلي أن أصحاب هذا الطرح لم يعودوا يناقشون مسألة التطبيع أو المسألة الإيديولوجية، بل وصلوا إلى الأمور الشخصية، ولن أستغرب غدا حين يبحثون في أمور تهم أسرتي وإخوتي. وهذا راجع بطبيعة الحال إلى عجزهم عن مقارعتي بالحجج والأدلة. هؤلاء للأسف يريدون خلق مشاكل لي داخل العمل ومع الإدارة التي أشتغل رفقتها، لكن أؤكد لهم أن العنوان الذي قصدوه خاطئ تماما. ما يسمى شهادة مغادرة التراب الوطني التي يتبجح هؤلاء بها غير موجودة أصلا، وإن وجدت فهي تخالف الدستور الذي يضمن حق التنقل لجميع المواطنين، وبالتالي يجب حذفها. أود أن أوضح أنني كأستاذ يسري عليّ النظام الأساسي لقانون الوظيفة العمومية. وهذا القانون يضمن الحصول على رخص استثنائية لمدة عشرة أيام في السنة، وهو الأمر الذي قمت به بخصوص الإجراءات الإدارية مع المؤسسة التي أتشرف بالانتماء إليها. قلتم إن الزيارة شكلت فرصة للقاء مسؤولين يهود مغاربة، ما الذي دار بينكم؟ قبل أن أجيبكم على سؤالكم، دعني أشير إلى أن هؤلاء الذين يتهموننا بالتخابر وما إلى ذلك لا يعلمون أن الحكومة المغربية تعترف بشكل رسمي بوجود جالية مغربية بإسرائيل، وتعد ثاني أكبر جالية مغربية في الخارج بعد فرنسا. أما بخصوص سؤالكم، فأنا أعتبر أن زيارة الوفد المغربي إلى إسرائيل كانت في صالح المغرب وقضيته الوطنية الأولى؛ ذلك أن مسؤولين رفيعي المستوى في الكنيست الإسرائيلي عبروا عن دعمهم للمملكة. وكما أكد مسؤول في حديثه إلينا، فإن إسرائيل والمغرب يعيشان نزاعا، وبالتالي عليهما التعاون سويّاً للدفاع عن مصالحهما، كما أكد عدد منهم على ضرورة توطيد العلاقات بين البلدين. ما أثار اندهاش الوفد المغربي خلال هذه الزيارة أن أحد المسؤولين في الهولوكوست الإسرائيلي قال لنا: "لو شرفنا جلالة الملك محمد السادس بزيارة، فليكن على يقين بأن إسرائيل بأكملها ستخرج للترحيب به واستقباله".