متحديا الرياح الجليدية التي تهب على جسر غالاتا الممتد على منطقة القرن الذهبي بإسطنبول، يبدو أزون إيديز كأحد قطاع الطرق هو والعشرات من الصيادين الآخرين الممسكين بقصبات الصيد تعقبا لسمك لوفير، الذي يكثر عليه إقبال الإسطنبوليين. وفي أعلى هذا المكان الأكثر حيوية في إسطنبول، الواقع بين الثقافة الأوربية لبيوغلا وتقسيم وإسطنبول القديمة، تصطف المئات من قصبات الصيادين في متوالية غير منتهية، انتظارا لصيد ثمين. ففي الشتاء القارس تفر تلك الأسماك من المياه الباردة قبل أن تعود في الربيع إلى موطنها، وأثناء ذلك لن تنجو حتما من قصبات الصيد تلك. ومنذ ساعات الفجر الأولى يتوجه أزون، وهو أحد الأوفياء للصيد على القنطرة (الكوبري) الواقعة على هذا الجزء من الشريط البحري للبوسفور، ويستخرج أدواته ويضعها على غرار الأعداد الكبيرة من الصيادين المصطفين على جنبات القنطرة، بحثا عن صيد وفير من أسماك البوسفور، من قبيل سمك البالموت، وهو نوع من السمك الأزرق الذي يكثر في المنطقة، وأيضا في بحر مرمرة. وطوال أيام السنة وسائر الفصول لا تحول الرياح أو الأمطار الغزيرة بين الصيادن وبين ممارسة هذه الهواية الجذابة تحت أنظار المارة والبواخر السياحية التي تنقل بدون انقطاع الركاب بين الضفتين الأوربية والآسيوية لإسطنبول، وإن كانوا يشتكون في الوقت الحالي من تقلص المصائد بفعل التلوث الشديد في المنطقة وكثرة حركة النقل البحري، كما يشرح أوزون وهو يرتشف كأس شاي. ويضيف أوزون أنه حتى بعض الهواة من أجل الترفيه أو الاكتشاف ينضمون إلى الصيادين المعتادين على الصيد في هذا المكان؛ بل إنهم قد لا يصطحبون معهم قصبات الصيد لتوفر إمكانية شرائها أو كرائها في المكان عينه. ولا تبقى الأسماك المصطادة لوقت كبير في المكان، إذ توجد تحت القنطرة سلسلة مطاعم مصطفة إلى جانب بواخر تقدم خدمات المطاعم، ثم باعة متجولون لأكلة شهيرة في المنطقة، هي "سندوتيش" السمك، وجميعهم يهرعون لتلك الأسماك الطازجة من أجل تزيين أطباقهم المتنوعة من أسماك مشوية أو مطبوخة أو مقلية، تعرض مع الليمون والسلطة. لكن اللوفير، الذي يطلق عليه سلطان المضيف، هو الأكثر إقبالا من قبل سكان إسطنبول. فعلى طول ضفتي البوسفور بين الجانبين الأوربي والآسيوي لإسطنبول هناك الآلاف من عشاق قصبة الصيد الذين يتربصون يوميا من شهر شتنبر إلى أبريل بحثا عن هذا النوع الشهي من الأسماك، قبل أن يتوقف الصيد من أجل الراحة البيولوجية للمصائد والسماح بتوالد الأسماك. ومع توالي السنين أصبح هذا النوع من الصيد هواية مفضلة للآلاف من الإسطنبوليين الذين تستهويهم الأسماك العابرة للبوسفور، قادمة من البحر الأسود أو بحر مرمرة بأنواعها المختلفة. ويحمل هذا النوع من الأسماك، وهو رمز البوسفور، أسماء أخرى حسب حجمه، فيطلق عليه يابراك إذا لم يتجاوز 6 سنتمترات، وساريكانات، إذا كان ذا 20 سنتمترا، ولوفير ما بين 20 و30 سنتمترا، ثم كوفانا النادر، والذي يزن أزيد من كيلوغرام. وحتى لو لم تكن كمية الصيد من سمك لوفير غنيمة كافية، فإن ذلك لم يمنع محلات بائعي السمك أو المطاعم المتخصصة من غزو عدة أماكن في هذه المدينة الشاسعة الأطراف، تقدم للزبناء مختلف أنواع الأسماك. لكن رغبة الإسطنبوليين تبقى دائما جامحة لطلب اللوفير المهدد أصلا بالانقراض، والذي نظمت في العام 2011 حملة لحمايته، خاصة بعد أن أصبح ضحية الصيد الكثيف الذي يتعرض له صغير هذا النوع، ما تسبب في ندرة في أنواعه الكبيرة الحجم في المنطقة. ورضخت السلطات لضغوطات الجمعيات، وقبلت الحد من صيد هذا السمك، خاصة الذي يقل حجمه عن 20 سنتيمترا. * و.م.ع