طرح تعيين حكومة عباس الفاسي إشكالية حقيقية لم ترتبط فقط بضمور قاعدتها الشعبية نتيجة الانخفاض الكبير في نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية في 7 شتنبر 2007، أو التنافس الحاد بين الأحزاب المشاركة في هذه الحكومة على اقتسام الحقائب الوزارية، بل ارتبطت في العمق بطبيعة الكوادر الحزبية التي اقترحتها هذه الأحزاب لتسيير بعض الوزارات الحيوية، من فلاحة وطاقة وتعليم وتجهيز... والتي تشكل إحدى أولويات الإستراتيجية الاقتصادية لنظام "العهد الجديد". وبالتالي فقد لعب مستشارا الملك محمد معتصم ومزيان بلفقيه، رغم نفيهما ذلك، دورا رئيسيا في فرض أسماء تقنوقراطية ضمن تشكيلة حكومة عباس الفاسي، وذلك على غرار ما تم القيام به في صياغة تشكيلة حكومة السيد جطو، حينما أقحم السيدان كريم غلاب وعادل الدويري ضمن صفوف حزب الاستقلال، وأسند لهما قطاعان محوريان في الإستراتيجية الاقتصادية للملك محمد السادس، وهما السياحة والتجهيز. ولعل هذا المشكل ليعكس بشكل جلي الخصاص الكبير الذي تشكو منه الأحزاب في ما يتعلق بالأطر ذات التكوين التقنوقراطي، التي تستطيع الاضطلاع بالمهام الحكومية وتسيير قطاعات تقنية وحيوية بشكل يتماشى والتحديات الاقتصادية التي يواجهها المغرب في زمن العولمة الاقتصادية والتكنولوجية، وتحظى بتزكية من طرف السلطات العليا بالبلد. ويبدو أن هذه الإشكالية عرفها المغرب منذ استقلاله، إذ كان التنافس حادا بين السلطة والأحزاب، خاصة أحزاب المعارضة، حول استقطاب واجتذاب الأطر: - استقطاب السلطة للأطر : فرض جلاء سلطات الحماية عن المغرب أن تتحمل سلطات الاستقلال إدارة دواليب الدولة، بما كان يتطلبه ذلك من تسيير وتدبير آني للقطاعات الحيوية للبلاد، خاصة أن الحصول على الاستقلال تم بشكل متسارع نتيجة رغبة فرنسا في التفرغ للجبهة الجزائرية التي تسارعت فيها وتيرة مقاومة المحتل الفرنسي، الذي كان يتشبث بالجزائر كجزء من كيانه. وأمام هذا الوضع، تم الاعتماد على الخبراء الأجانب، خاصة الفرنسيون منهم، لتسيير دواليب الدولة، في حين أسندت المهام السيادية والسياسية للنخب الحزبية، خاصة لبعض أطر حزب الاستقلال الذي كان يعتبر آنذاك القوة السياسية الرئيسية إلى جانب القصر. هكذا تشكلت الحكومات الأولى من الأطر القيادية داخل حزب الاستقلال، التي أتيحت لها فرصة الدراسة ببعض المؤسسات التعليمية العليا، سواء بفرنسا أو ببعض دول المشرق العربي، بالإضافة إلى بعض الفعاليات الموالية للقصر، سواء كانت عسكرية أو مدنية. لكن أمام توسع حاجيات الدولة، بذلت السلطة جهودا كبرى لبناء مؤسسات تعليمية جامعية أو معاهد لتخريج الأطر التي يمكن الاعتماد عليها في تسيير دواليبها السياسية والاقتصادية والإدارية. وفي هذا الإطار، تحولت الأطر إلى مجال للتنافس بين الأحزاب والسلطة، إذ حاولت الأحزاب، وخاصة أحزاب المعارضة، استقطاب الأطر من الطلاب ورجال التعليم، بالإضافة إلى المهندسين والأطباء، وتوظيفهم في عمليات التعبئة وتنظيم الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات والتظاهرات، خاصة في الساحات الجامعية والمدرسية. كما كانت تسند لهذه الأطر مهام تنظيمية، سواء داخل الأجهزة القيادية لهذه الأحزاب أو داخل التنظيمات الموازية التابعة لها، من نقابات وجمعيات شبيبية ونسائية وثقافية...، نظرا لما تمتلكه من مؤهلات فكرية وخطابية يمكن أن تعبئ بها الجماهير، خاصة في مجتمع كانت تنتشر فيه الأمية بشكل كبير. أما السلطة فعملت من جهتها على استقطاب الأطر وتوظيفها في مختلف دواليب الإدارة، من أجهزة أمنية، وعسكرية، وقضائية، وتقنية...، مفضلة الاعتماد على الأطر التي تتخرج من المعاهد والمدارس العليا، سواء بالمغرب أو من معاهد تابعة لدول أجنبية، مثل فرنسا، وبعض دول المعسكر الشرقي، نظرا لقابليتها للإدماج، بسبب عدم تسييسها، أو لتجنب المشاكل السياسية مع السلطة، والتي يمكن أن تعرقل مستقبلها المهني، أو بسبب الحصول على بعض الامتيازات المادية، كالراتب المضمون والاستقرار المهني... أما الأطر المتخرجة من الكليات والجامعات المغربية، والتي كانت عادة أكثر تسييسا وتمردا، فعملت السلطة على استقطابها وتوظيفها في المؤسسات التعليمية والإدارية، خاصة تلك التي لا تكتسي أي طابع سياسي. كما قامت السلطة، لاحتواء تحفظ هذه الأطر من ولوج دواليب الإدارة، في إطار مواقفها المعارضة للنظام، بسن قانون يتعلق بفرض الخدمة المدنية على الأطر المتخرجة، بموجبه كان يتعين على هذه الأطر أن تقضي سنتين في إحدى أسلاك الإدارة العمومية أو في بعض المؤسسات العمومية أو شبه العمومية، ما كان يساعد على ترويضها على الانضباط، والتقليص من عنفوان تمردها وتسهيل إدماجها في دواليب الدولة. إلى جانب ذلك، جعل احتكار الملك، بمقتضى الفصل 30 من الدستور، كامل الصلاحية لتعيين كبار الموظفين الساميين، مدنيين وعسكريين، السلطة تتحكم في ولاءات هذه الأطر والعمل على استقطابها، خاصة مع ما تتضمنه هذه الوظائف السامية من مركز اجتماعي مرموق، وشهرة إعلامية، ومرتب عال، وامتيازات كبيرة، بالإضافة إلى الحصانة السياسية التي عادة ما يتمتع بها كبار الموظفين الذين لا يتعرضون إلى أي مساءلة شعبية أو برلمانية أو حتى قضائية. فهم لا يعتبرون مسؤولين إلا أمام الملك، الذي له الحق في تعيينهم، أو نقلهم، أو إقالتهم. - اجتذاب السلطة للأطر إن رهان القوة بين السلطة والمعارضة، الذي احتدم منذ ستينيات القرن الماضي، وتعطيل الحياة النيابية بإعلان حالة الاستثناء، جعل أحزاب المعارضة آنذاك ترفض المشاركة في أي تشكيلات حكومية، أو تسلم أي حقائب وزارية، ما دفع بالسلطة إلى البحث عن بديل عن ذلك من خلال استقطاب أطر مستقلة تظهر ولائها للقصر. وهكذا تم تعيين شخصيات عسكرية أسندت لها مهام أمنية وضبطية، كالجنرال محمد المذبوح، الذي عين عاملا على الدارالبيضاء، التي كانت تعتبر آنذاك معقل المعارضة الاتحادية، والجنرال أوفقير، الذي كان يعتبر من ألد أعداء القيادة الاتحادية، والذي عين مديرا عاما للأمن الوطني، قبل أن يعين وزيرا للداخلية، ووزيرا للدفاع، والجنرال إدريس بن عمر، الذي عين وزيرا للبريد...كما حرصت السلطة على اجتذاب شخصيات حزبية كانت ذات ميول معارض لتقليدها مهام استشارية ووزارية، كالسيدين عبد الهادي بوطالب وأحمد بنسودة.. والسيد عبد القادر الصحراوي، الذي كان منتميا إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والذي عين وزيرا للأنباء. كما تم تعيين أطر حزبية أخرى كسفراء للمغرب في دول أجنبية. ولم تقتصر السلطة على هذا الأمر، بل تم استقطاب رجال أعمال تم تعيينهم على رأس ائتلافات حكومية، كالسيد كريم العمراني،، الذي عين وزيرا أولا لأكثر من أربع مرات. ورغم كل هذه الإجراءات، كان هامش القصر لاستقطاب الأطر الحزبية محدودا، نتيجة المقاطعة السياسية التي نهجتها أحزاب المعارضة، ما دفع الملك الراحل الحسن الثاني إلى التصريح لإحدى الصحف الفرنسية بأنه مستعد إذا اضطرته الظروف إلى تعيين سائقه الخاص وزيرا في حكومته. وأمام هذا الوضع، عمد القصر، مستغلا الانفتاح السياسي الذي عرفه النظام في منتصف السبعينيات، إلى العمل على تشجيع خلق أحزاب جديدة تمكنه من الحصول على أطر سياسية وحزبية. وهكذا تم تأسيس التجمع الوطني للأحرار بزعامة صهر الملك آنذاك، السيد أحمد عصمان، الذي أمد السلطة، إلى جانب حزب الاستقلال، بالأطر التي كانت في حاجة إليها طيلة فترة نهاية السبعينيات، ليتم اللجوء بعد ذلك إلى تشكيل الاتحاد الدستوري بزعامة أحد القياديين السابقين للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي زود النظام بمجموعة من الأطر التي ساهمت في تسيير الفترة السياسية والاقتصادية العصيبة التي مر بها المغرب طيلة فترة الثمانينيات، بسبب توالي سنوات الجفاف، وارتفاع تكاليف حرب الصحراء، ومضاعفات سياسة التقويم الهيكلي، وتنامي الحركات الاحتجاجية الشعبية. خلال هذه الفترة لعب وزير الدولة السابق في الداخلية السيد إدريس البصري دورا فعالا في استقطاب العديد من الأطر، سواء من الجامعات أو من المعاهد وحتى من بعض الأحزاب؛ وسمحت له مهامه التدريسية والاستخباراتية والأمنية باقتناص العديد من الأطر، التي كان ينحدر معظمها من أصول قروية وشعبية، لخدمة النظام وتنويع نخبه السياسية بتطعيمه بدماء جديدة. لكن مع بداية التسعينيات، أحس النظام، تحت ضغط الرأي العام الدولي والوطني بشأن الملف الحقوقي، والانشغال بالتمهيد للخلافة على العرش، بضرورة الانفتاح على المعارضة الاتحادية، وإشراك جزء منها في تدبير الشأن الحكومي، خاصة بعد ما جرب النظام بعض أطرها القيادية في تدبير الشؤون المحلية والبرلمانية، بالإضافة إلى تسيير بعض القطاعات الحكومية والمجالس الاستشارية والإدارية. وبالتالي من خلال عملية التناوب التوافقي، أسندت للسيد عبد الرحمان اليوسفي، الكاتب الأول السابق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مهمة اقتراح العديد من الأطر الحزبية لتشكيل الحكومة التي ترأسها، والتي أسندت لها مهمة القيام بإصلاحات اقتصادية وإدارية كبرى كان قد أوصى بها تقرير البنك الدولي سنة 1995، والذي كان له دور حاسم في حث الملك الحسن الثاني على التسريع بالبدء في عملية التناوب. غير أنه بدا أن هذه الأطر، والتي تشكل معظمها من رجال التعليم والمحامين، بالإضافة إلى بعض الأطباء، لم تكن لها لا الخبرة التقنية الكافية ولا التجربة الطويلة في تدبير الملفات الاقتصادية والتقنية المعقدة. ولعل هذا ما دفع بالملك محمد السادس، بعد سنتين من صعوده إلى الحكم، إلى تجاوز "المنهجية الديمقراطية" واختيار رجل الأعمال السيد إدريس جطو لرئاسة حكومة أسندت لها مهمة تنفيذ المشاريع الاقتصادية، التي تحظى لدى الملك بأولوية خاصة، كالطرق السيارة، والسكن، والسياحة. ولعل هذه الأولوية هي التي كانت وراء "تحزيب" بعض الأطر، لتعيينها في بعض القطاعات الوزارية الحيوية كالنقل والتجهيز والسياحة وتحديث القطاعات الإدارية. ويبدو أن هذه الرؤية الملكية نفسها هي التي تحكمت في تشكيل حكومة السيد عباس الفاسي، حيث تم إقحام العديد من الأطر التقنوقراطية التي تمرست لمدة طويلة في تسيير إما مؤسسات عمومية أو قطاعات اقتصادية خاصة. وهكذا تم، باسم التجمع الوطني للأحرار، تعيين السيدة أمينة بن خضرا لتسيير قطب وزاري هام يضم "الطاقة والمعادن والماء والبيئة"، في ظرفية دولية تتميز بارتفاع صاروخي لأسعار البترول وبظرفية مناخية وطنية تتميز بشح الأمطار، وتم تعيين السيد عزيز أخنوش على رأس وزارة الفلاحة والصيد البحري لتنفيذ خطة فلاحية جديدة، بعد الأخطاء التي ارتكبها وزير الفلاحة السابق الأمين العام للحركة الشعبية في عدم تأمين مخزون البلاد من الحبوب، والخلل الذي شاب عملية تفويت الأراضي الفلاحية لشركة سوجيا وصوديا. كما أن هذه الرؤية هي التي تحكمت أيضا في تكليف عدة أطر غير حزبية بحقائب وزارية، كوزارة "التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي"، التي أسندت إلى تقنوقراطي بعدما فشل وزير التعليم الاتحادي السابق في تنفيذ بنود إصلاح ميثاق التربية والتكوين، ما دفع العاهل المغربي في خطاب ألقاه بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية لأكتوبر 2007 إلى حث حكومة عباس الفاسي على وضع برنامج استعجالي يتعلق بإصلاح هذا القطاع. ولعل تشكيل حكومة عباس الفاسي بهذا الشكل أثار عدة ردود فعل، ركزت بالأساس على صعوبة تقبل الرأي العام المغربي أن يحفل المشهد السياسي بعدد كبير من الأحزاب، شارك منها أكثر من 30 حزبا في انتخابات كلفت الدولة موارد مالية كبرى، ليتم في آخر المطاف تعيين حكومة برئاسة وزير أول حزبي، وجل أعضائها من التقنوقراط. هذا لا ينم فقط عن قصور ديمقراطي، بل يعكس بالأساس أزمة بنيوية تعاني منها جل الأحزاب، إذ لا تعاني فقط من عجز كبير في تأطير الجماهير، بل تعاني أيضا من ضعف كبير في استقطاب الأطر ذوي الكفاءات التقنية العالية، والتجربة الكبيرة في تسيير القطاعات الإدارية والاقتصادية الحيوية، ومازال جلها يعتمد في بنيته التنظيمية على الأطر التعليمية، وأصحاب المهن الحرة، من أطباء ومحامين، الذين لا يجيدون في الكثير من الأحيان إلا فن الخطابة الاقتصادية وإلقاء الخطب السياسية. ورغم أن دستور فاتح يوليوز 2011 نص على أنه من ضمن صلاحيات رئيس الحكومة اقتراح كل الوزارات على الملك، فقد ضمت حكومة بنكيران الأولى المنتخبة سياسيا، إلى جانب وزراء السيادة، كوزير الأوقاف، والأمين العام للحكومة، والوزير المنتدب المكلف بالدفاع، وزراء تقنوقراط، كان على رأسهم وزير الفلاحة أخنوش، والوزير المنتدب في الداخلية الشرقي الضريس، والوزير المنتدب في الخارجية يوسف العمراني. في حين تم تغليب الجانب التقنقراطي بشكل كبير في تركيبة هذه الحكومة في نسختها الثانية، حيث وصل عدد هؤلاء إلى حوالي ثمانية شخصيات تقنوقراطية. فبالإضافة إلى الاحتفاظ بوزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، والوزير المنتدب في الداخلية الشرقي الضريس، تم تعيين عدة شخصيات تقنوقراطية في قطاعات، تهم قطاع التعليم الذي أسند إلى رشيد بلمختار، الذي كان وزيرا سابقا للتعليم في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وكان رئيسا لجامعة الأخوين بإفران، ومولاي حفيظ العلمي، الذي عين كوزير للصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي معوضا عبد القادر اعمارة، المنتمي إلى الحزب الذي يقود الحكومة. في حين تم ضم محمد حصاد إلى حكومة بنكيران وتسليمه وزارة الداخلية، نظرا لما راكمته هذه الشخصية التقنوقراطية من تجربة في تدبير بعض القطاعات الاقتصادية، كالمكتب الوطني للموانئ، وشركة الخطوط الملكية المغربية، وتسيير الشؤون المحلية لولايات كبرى بالمملكة، كولاية مراكش أو ولاية طنجة. يبدو أن من أهم الإكراهات التي تقف أمام تشكل حكومة بنكيران، إلى جانب بعض الصعوبات السياسية، هو الخصاص في الكفاءات الحزبية المناسبة لتقلد الحقائب الوزارية، خاصة تلك التي تتطلب مهارات وتجارب تقنية وعملية مميزة. ولعل هذا ما نبه له خطاب داكار الذي شدد على ضرورة انتقاء الكفاءات المناسبة لاستوزارها. فقد ظهر بجلاء أن حزب العدالة والتنمية، الذي تصدر الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2016، مازال يفتقد إلى عدة كفاءات تقنوقراطية كان من الضروري أن يستجلبها من حزب الاستقلال أو حزب التجمع الوطني للأحرار، ما يزيد من تعثر تشكل حكومة بنكيران الثانية. حان الوقت إذن لكي تعيد الأحزاب المغربية هيكلتها من خلال التركيز على استقطاب الأطر التقنوقراطية، عبر التواجد داخل المدارس والمعاهد العليا، وتخصيص منح لتكوين مناضليها وقيادييها تكوينا عاليا، سواء في المجالات الاقتصادية أو الإدارية، والعمل أيضا على الانفتاح على القطاع الخاص واستقطاب أطره وفعالياته، مع فتح المجال أمامها لتقلد المناصب القيادية داخلها. كما يجب على هذه الأحزاب أن تفصل داخل هياكلها التنظيمية بين الأطر التي تسند لها المهام التنظيمية والتعبوية والنضالية، والتي يمكن أن تسند لأساتذة التعليم العالي وأصحاب المهن الحرة، من محامين وأطباء، والمهام الاستشارية والاقتصادية والإدارية التي ينبغي أن تسند للأطر ذوي المؤهلات العلمية والتقنية، من مهندسين بمختلف تخصصاتهم، ومحاسبين ومقاولين وتقنيين... وعلى القيادات الحزبية أن تعي أن طبيعة العمل السياسي الراهن، حتى ولو كان من موقع المعارضة، لا يتطلب فقط التكوين الإيديولوجي، وفن البوليميك، وإتقان المقالب، بل يتطلب أيضا تكوينا إداريا واقتصاديا وتقنيا يسمح للأطر متى حصلت أحزابها على انتصارات انتخابية من أن تكون مستعدة لإدارة وتدبير فعال للقطاعات الحكومية والوزارية التي يتم إسنادها إليها. فالهدف السياسي لكل الأحزاب المغربية لا ينبغي أن يقتصر فقط على اقتراح أطرها لتقلد حقائب وزارية، بل العمل على انتقاء الأطر التقنوقراطية الكفأة والمناسبة التي تحوز تزكية الملك لتقلد هذه الحقائب وتظهر قدراتها لتطبيق برامج اقتصادية بشكل عملي وفعال يحظى برضى الناخب المغربي، ويسترجع ثقته في قدرة هذه الأحزاب على تنفيذ وعودها السياسية، ما سيقوي بلا شك مكانتها داخل الحقل السياسي بالمغرب.