لقد ارتقى مفهوم وامتداد الجماعات الترابية انطلاقا من الباب التاسع لدستور 2011 عندما اعتمد العنونة التالية: الجهات والجماعات الترابية. وللإشارة فإن الجهة جماعة ترابية لكن تصدير العنوان بها مؤشر على مكانة الصدارة التي تتبوأ الجهة من حيث إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية. والملاحظ أن معظم الجهات مازالت تبحث عن خريطة الطريق لوضع هاتين الوثيقتين لظروف ذاتية وأخرى موضوعية. مما يؤثر حتما على الدور الاستراتيجي الذي من أجله نظر للجهات. والمستوى الثاني من الارتقاء أن الجماعات الترابية أصبحت خاضعة لقوانين تنظيمية بدل القوانين العادية. نموذج القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات، والقانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات..ومن المعلوم أن القوانين التنظيمية في الرتبة الثانية بعد الدستور، وقد تكون مكملة ومفسرة له. وقد تحط من فلسفته العامة على مستوى بعض المقتضيات رغم الرقابة الدستورية. لأن تنزيل النصوص الدستورية تخضع في الغالب للتدافع السياسي من جهة والتدافع الإداري السياسي من جهة ثانية. وهذا موضوع آخر يحتاج إلى وقفات لأنه يقلص إرادة الشعب إلى تأويل ضيق يفرغ الفلسفة الدستورية من محتواها العميق. والملاحظ على مستوى الخريطة المغربية خاصة في المدن المشمولة بنظام المقاطعات فنجد غالبا تباينا على مستوى رئاسة المجالس الجماعية، ومجلس الجهة من حيث الرئاسة. نموذج مراكش والدار البيضاء وطنجة..والسؤال الجوهري: كيف نؤسس لمبدأ الالتقائية بين الجماعتين الترابيتين بناء على وحدة التراب والتقاطع في البرامج؟ بمعنى آخر كيف نتحرر من الانتماءات السياسية الضيقة إلى فضاء التراب الواسع والمجال الممتد الأطراف؟ وفي هذا الإطار نقترح لقاءات جهوية دورية بين الجهات والجماعات والعمالات والأقاليم. لتنسيق المشاريع الكبرى المشتركة. واعتماد منطق الأنظمة الداخلية التي تمتح مشروعيتها من الدستور والقوانين التنظيمية المنظمة لهذه الجماعات. ونؤسس لمنطق المأسسة بالتنسيق مع السلطات العمومية والمجتمع المدني. ومن أهم المجالات التي تفرض التنسيق، تأمين الموارد المالية التي من الواجب توفرها تحقيقا للمشاريع المشتركة. لأن المقاربة اليوم لم تعد محلية وإنما مجالية وترابية. ثم إن الجهة تخطط للتراب الذي هو في الأخير تراب العمالات والأقاليم والجماعات. وبالتالي مأسسة اللقاءات الدورية ضرورة منهجية وترابية ومجالية. بعد المأسسة يمكن الحديث على نقطة أخرى أراها من الضروري أن تأخذ المكانة اللائقة بها: مبدأ الالتقائية بين الجماعات الترابية والدولة والمؤسسات العمومية. والقطاع الخاص عن طريق الشراكات المبنية على التعاقدات. لأن المشترك واسع انطلاقا من مبدأ الترابية والمجالية. وهذا العمل يجب أن يكون مبنيا على تشخيص واقعي للتراب. لذلك ركز المشرع على صدارة الجهة على إعداد التراب وبرامج التنمية. وبالتالي فالجهة ملزمة باحترام توجهات الدولة، والجماعات والعمالات والأقاليم من الواجب عليها الأخذ بعين الاعتبار توجهات الجهة رغم استقلالية كل جماعة ترابية. فلا وصاية لجماعة على حساب جماعة أخرى. ولذلك أكدت على لقاءات دورية تنسيقية ممأسسة . إن التشخيص الذي أكدت عليه، من المفروض أن يحترم مبدأ التشاركية.لأن النظام الدستوري للمملكة مبني على الفصل والتوازن والتعاون بين السلط، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، والحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة. ومن خلال التشخيص يمكن أن نعرف الإمكانات المطروحة، والكفاءات الموجودة، والإمكانات المالية المتوفرة. وبالتالي يمكن ترتيب الأولويات. ووضع خريطة الطريق للبرامج الممكن تنزيلها. إن ما طرحناه سابقا، سيساهم في مبدأ آخر مرتبط بالتأهيل. التأهيل المساعد على استيعاب ما سبق، مما يسهل عملية التطبيع بين الأطراف، مما يمهد للثقة بينهم المساعدة على التعاون والتضامن وتغليب المصلحة العامة على الذات الحزبية والقبلية. ثمة مبدأ آخر لا يقل أهمية عما سبق وهو مبدأ المواطنة. وهي نقلة نوعية من وضعية عادية إلى مستوى التلازمية بين الحقوق والواجبات. مما يساهم في نشر الوعي وتوزيع قيم الديمقراطية بين الجميع وإعطاء مفهوم السلطة مفهوما جديدا. مما يبرز المسؤولية المشتركة، والمسؤولية المتعلق بكل طرف. إن مبدأ المواطنة يساعد على تسويق الرؤية، وتقاسمها مع الجميع. حتى يكون المواطن في قلب المشاريع. لذلك عندما تم عقد كوب 22 بمدينة مراكش، تم الاستئناس باقتراحات المواطنين من أجل بلورة القرار الدولي. لذلك ركز الدستور في مادته 13 على تشكيل هيئات للتشاور قصد إشراكها في إعداد السياسات العمومية، وتفعيلها، وتنفيذها وتقييمها. ومن المبادئ الأساسية كذلك ضبط وتطوير تقنيات التسويق. من أجل الوصول إلى التعميم. بناء على الفصل 27 من الدستور الذي ينص على الحق في الحصول على المعلومة. والتي لا يمكن تقييدها إلا بمقتضى القانون. بعد التحكم في هذه المبادئ انطلاقا من المأسسة، وحسن التنسيق يبدو لي أن المجالات التي من الواجب الاهتمام بها هي: إعداد التراب لأنه سيسهل وضع منظومة للتعمير، الأرضية الصلبة للتوزيع السكني العادل. المجال الثاني البيئة، فلا بد من مراعاة ايكولوجية المجال والتراب حتى نحدث التوازن بين الاسمنت والمنظر الجميل مائيا ونباتيا وهوائيا..... المجال الثالث التنمية البشرية والتي لاتستقيم إلا بالاهتمام بثلاث محاور: الاقتصادي، والاجتماعي، والبيئي. مستهدفين التنمية المستدامة. المجال الرابع الإبداع والابتكار وعدم الاكتفاء بالتراكمات السابقة. فمن الواجب ألا ينسينا الحريق اليومي الذي لا ينقضي، وفتح أوراش للتكوين والبحث لأنه لا تنمية بدون معرفة وعلم. المجال الخامس المهنية والحرفية والحكامة الجيدة. التي تساعد على حل المشاكل ورسم معالم العدالة والمساواة والكرامة و المتابعة للتغيرات الترابية الوطنية والمحلية والدولية. المجال السادس الشراكات والتعاون مع كل الأطراف التي تشارك الجماعات الترابية نفس المجال.من أجل البحث المشترك عن الحلول المتلائمة.خاصة على المستوى المالي. كانت هذه بعض القواعد التي نراها ضرورية من أجل إنجاح الفعل الترابي على مستوى الجماعات الترابية.