على غرار العمليات الانتخابية السابقة، لجأت الأحزاب المشاركة في الانتخابات التشريعية ل 7 أكتوبر 2016 إلى استخدام بعض الرموز للتميز عن منافسيها خلال الحملة الانتخابية، والعمل على استقطاب الناخبين. وهكذا اختارت مختلف الأحزاب المشاركة، البالغ عددها ما يفوق 30 حزبا، رمزا من هذه الرموز. فإلى جانب حزب الاستقلال الذي برمز الميزان، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية برمز الوردة، وحزب التقدم والاشتراكية الذي تميز برمز الكتاب، والتجمع الوطني للأحرار المتميز برمز الحمامة، وحزب العدالة والتنمية التي تميز برمز الفانوس، حاولت باقي الأحزاب أن تتميز بمجموعة من الرسوم والرموز التي تحيل على وسائل النقل كالسيارة والطيارة، أو بعض الحيوانات كالفيل والغزال والجمل، أو الأشجار كالنخلة، أو أعضاء الجسم كالعين، أو ماركات بعض الأسرة كالبصمة، أو أنواع الحشرات كالنحلة... وتتميز مختلف هذه الرموز الحزبية بخاصيتين رئيسيتين: ضعف إيحائيتها السياسية وغياب مرجعيتها الإيديولوجية. 1 – ضعف الإيحائية السياسية إن كل رمز سياسي عادة ما يختزن طاقة إيحائية تثير في النفوس انفعالات خاصة وتداعيات تحيل على القوة المرموز إليها. لكن زخم هذه الطاقة الإيحائية يبقى مع ذلك مرتبطا بمدى تميز الرمز وجدته ومستوى تماثله. لكن إذا ما تمعن المرء في مختلف الرموز التي تم انتقاؤها من طرف الأحزاب المغربية المشاركة في الانتخابات، سيجد أنها تفتقر إلى مختلف هذه العناصر: -1-1 تشابه الرموز إذا دقق المرء النظر في مختلف هذه الرموز الحزبية، سيجد أنها لا تخرج عن نطاق خانات ثلاث: -خانة بيئية تحيل إما على ورود أو أغصان زيتون أو سنابل أو نخيل. -خانة ضوئية تحيل إما على شمس أو فانوس أو شمع. -خانة عضوية تحيل إما على يد أو عين وغير ذلك من أعضاء الجسم. وإذا كان اختيار هذه الرموز ضمن هذه الخانات الثلاثة يفسر ب: -الطبيعة الفلاحية للتركيبة الاجتماعية والانتاجية للبلاد التي أثرت لا شك في اختيار مثل هذه الرموز. -الطبيعة الدينية للعقلية السائدة التي يرمز فيها النور للفرج وإنارة الطريق والأمل في المستقبل والتقرب من الأولياء. -الموروث الشعبي المرتبط بأن المغاربة شعب حركتي (Un peuple gesticuel) يؤمن بالخرافات والتمائم، فاليد تحفظ من الأذى والعين تحفظ من الحسد... فإن المفارقة هي أن تكرس النخبة الحزبية هذه المنظومة الفكرية؛ وذلك من خلال انتقاء رموزها من مختلف هذه الخانات، الشيء الذي يؤكد على استمرارية سلفية هذه الأحزاب ومواصلة قياداتها الانتظام في حلقات هيكلية من الشيوخ والأتباع. غير أن اختيار هذه الرموز إذا كان يكرس منظومة من الإيحاءات السلفية، فهو يؤدي في الوقت نفسه إلى تشابه أغلب الرموز فيما بينها؛ إذ رغم اختلاف تلوينات الأحزاب وأدوارها داخل اللعبة السياسية الداخلية، فإن هيئة ناخبة تتكون في معظمها من نسب هائلة من الأميين لا تستطيع إلا بجهد جهيد التمييز مثلا بين "زيتون" جبهة القوى الديمقراطية و"سنبلة" الحركة الشعبية. ومما يزيد من صعوبة التمييز بين مختلف هذه الرموز هو الارتجالية التي طبعت اختيارها. فإذا استثنينا بعض الأحزاب التي تميزت ببعض الرموز منذ وقت طويل، فإن الأحزاب التي تأسست مؤخرا واقتباسها لرموز متقاربة في الشكل والإيحاء ضاعف من التشابه بين رموز الأحزاب المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، فعدم توفر الأحزاب على مثقفين ومبدعين، خاصة من ذوي الكفاءات التشكيلية، أو تهميشهم، لابد وأن يكون قد ساهم هو أيضا في هذا التشابه. -2-1 عدم جدة الرموز إن التمعن في مختلف رموز الأحزاب يجعل المرء يستخلص أن القيادات الحزبية، أو معظمها، لم يول هذا الأمر كبير اهتمام. فقد بدا للبعض أن الرمز له وظيفة انتخابية فقط ستزول أهميته بانتهاء الانتخابات. ومما يكرس هذا المعطى هو أن معظم الأحزاب المغربية ما هي في آخر المطاف إلا أحزاب المناسبات الانتخابية لا تتحرك للتعبئة إلا بحلول الانتخابات الجماعية والتشريعية. بالإضافة إلى ذلك، فالقيادات الحزبية، على غرار النخبة المثقفة بالمغرب، لا تتوفر على ثقافة بصرية وتكوين تشكيلي يمكن أن يساعدها على اختيار أدق الرموز وأكثرها تعبيرا عن أدبياتها. فحتى الحركة الشعبية، التي يعرف زعيمها بموهبته التشكيلية، لم يساعدها ذلك على ابتداع رموز تتجاوز سنابل القمح والذرة. في حين بقيت رموز الأحزاب الأخرى تفتقد الجدة وتحيل عادة على رموز خام عادية (شمس، شمعة، زهرة، زيتون...). أما الميزان فعادة ما يحيل إلى الرموز التي تتداول من طرف الهيئات القضائية: فالميزان كان دائما رمزا للمحاكم والقضاء. -3-1 غموض الرموز إن الرموز التي اختيرت من طرف الأحزاب غالبا ما تتسم بغموضها نتيجة لأسباب عدة، من أهمها: -تشابهها -ضعف إبداعيتها، فأغلبها عبارة عن رسوم خام (شمعة، يد، وردة...) لم يتم إخضاعها لأي تطويع إيديولوجي أو سياسي... -عدم جدتها لكن إضافة إلى ذلك، فهذه الرموز غالبا ما تستغرق في الاستغلاق؛ بحيث يجد المرء نفسه حائرا أمام معنى رمز "جمل" حزب الشورى والاستقلال، و"فانوس" حزب العدالة والتنمية، و"عين" حزب العمل. كما أن اختيار بعض الرموز وإضفاء لون الحزب عليها غالبا ما يؤدي إلى عكس ما يرمي إليه الحزب، بل يمكن أن يختلط الأمر فتصبح "يد" الحزب العمالي تذكيرا برموز الأحزاب الفاشية أو النازية البائدة. ثم إن اختيار حزب ما لرموز مثل "نخلة" أو "سنبلة" أو "زيتونة" يتعارض وطموحه في أن يكرس رمزه في مختلف أنحاء المغرب. فالنخيل لا يوجد إلا في مناطق معينة في المغرب، وكذا الزيتون لا يوجد إلا في أماكن من التراب الوطني... وأمام هذا الوضع كيف يمكن أن يكرس حزب ما مثل هذه الرموز في ذهنية هيئة ناخبة يتكون أغلبها من السكان الحضريين الذين لا يعيشون وسط النخيل أو السنابل أو حتى الزيتون. وحتى بالنسبة للناخبين القرويين، فإنهم سيختلفون في التجاوب نفسيا مع هذه الرموز. فكل المناطق، وحتى الفلاحية منها، لا تنتج كلها الزيتون أو القمع، ولا تعيش فيها حيوانات مثل الجمال أو الغزلان التي لا توجد إلا في مناطق الجنوب الصحراوية. 2 -غياب المرجعية الإيديولوجية إن كل رمز سياسي أو حزبي يستمد وجوده من مرجعية محددة، سواء كانت هذه المرجعية إيديولوجية سياسية، أو اجتماعية. في حين نجد أن مختلف هذه الرموز الحزبية تفتقد إلى مختلف هذه المرجعيات: -1-2 افتقاد المرجعية المذهبية إن معظم الأحزاب، سواء في الدول الغربية أو دول المعسكر الشرقي المنهار أو دول العالم الثالث، عادة ما تستمد رموزها من التراث الايديولوجي الليبرالي أو التراث الايديولوجي الشيوعي أو التراث الايديولوجي الاشتراكي. كما أن كل حزب يحاول أن يبلور رموزه في انسجام وتناسق مع أدبياته الايديولوجية، سواء كانت ماركسية أو ليبرالية أو ديمقراطية اشتراكية أو ماوية... لكن بالنسبة للرموز الحزبية بالمغرب، فباستثناء "ميزان" حزب الاستقلال الذي يمكن أن يعكس "تعادلية" هذا الحزب، و"وردة" الاتحاد الاشتراكي التي يمكن أن تذكر بثورة القرنفل بالبرتغال أو "دع مائة زهرة تتفتح" التي أطلقها ماو في الستينات من القرن الماضي، فإن الشموع والفوانيس والشموس والطيور والنخيل... لا تحيل على أية مرجعية إيديولوجية خاصة، سواء كانت ليبرالية أو اشتراكية أو ديمقراطية أو شيوعية... ولعل افتقاد رموز الأحزاب المغربية لأية مرجعية يمكن أن يفسر بعوامل عدة، من أهمها: -أن هذه الأحزاب لا تتوفر على إيديولوجيات متميزة. فأغلب أدبياتها هي عبارة عن تقارير أدبية أو نداءات ظرفية. -عدم وجود أي اختلاف إيديولوجي واضح بين مختلف هذه الأحزاب، سواء على صعيد المسألة الدينية أو مسألة نظام الحكم أو طبيعة النظام الاقتصادي. فاقتصاد السوق والإسلام والملكية هي ثوابت لا تناقش في المغرب. -طبيعة الأحزاب الانتخابية ووظيفتها البرلمانية تدفعان الأحزاب إلى عدم الاهتمام بالجانب الايديولوجي وتوضيحه. -سهر السلطة على عدم اقتباس أية رموز قد تثير الحساسية الايديولوجية والسياسية والدينية للنظام القائم. -2-2 افتقاد المرجعية السياسية من الصعب جدا التمييز بين اليمين واليسار في المغرب نتيجة عوامل عدة، من أهمها: -التحالف داخل الكتلة بين أحزاب تدعي الانتماء إلى اليمين وأخرى تدعى الانتماء إلى اليسار. -انحدار أحزاب كانت تصنف ضمن اليمين إلى خانة الوسط. -نشأة أحزاب جديدة عدة ما زالت تبحث عن موقعها داخل التشكيلة السياسية الوطنية. -تحالف الأحزاب في توليفات حكومية غير منسجمة لا مذهبيا ولا سياسيا، فقد ضمت حكومة اليوسفي زركشة حزبية جمعت على سبيل المثال بين أحزاب يسارية كالاتحاد الاشتراكي وأحزاب يمينية كالتجمع الوطني للأحرار، في حين ضمت حكومة بنكيران أطيافا من اليسار كحزب التقدم والاشتراكية وأطياف من اليمين الأصولي كحزب العدالة والتنمية... لذا، فوسط هذا الاختلاط والتداخل بين الأحزاب، لا يمكن لبعض الرموز أن تميز أحزابا عن أخرى. فشموع حزب "الحزب الاشتراكي الموحد" لا يمكن أن تميز هذه الحركة اليسارية، "الماركسية سابقا"، عن "فانوس" حزب العدالة والتنمية الذي يضم مناضلين ونشطاء من حركات إسلامية. كما أن انتقاء حزب يساري لرمز "سفينة" يحيل بالأساس على رمزيات لجماعة أصولية، كجماعة العدل والإحسان. -3-2 افتقاد المرجعية الاجتماعية إن أي حزب هو قبل كل شيء تكتل لمجموعة من الفئات الاجتماعية والمهنية. وبالتالي فالرموز التي تتخذها الأحزاب يكون الغرض منها التعبير عن هذه الفئات وضمان تماثلها. لكن إذا تمعنا في رموز الأحزاب المغربية فسنجد أنها تفتقد لأية مرجعية فئوية أو مهنية: -فلا مناجل أو جرارات تذكر بفئات الفلاحين التي غالبا ما تتشدق الأحزاب باهتمامها بالفلاحين والعالم القروي. -ولا فؤوس أو مطارق أو حفارات... تذكر بفئات العمال. -ولا أقلام أو مكاتب أو أسرة تذكر بفئات المستخدمين أو رجال التعليم والصحة... -ولا مكاييل أو موازين تذكر بفئات تجار التقسيط وتجار نصف الجملة والجملة... ولعل غياب مثل هذه الرموز يمكن أن يفسر بعوامل عدة، من أهمها: -تحكم أصحاب المهن الحرة في معظم دواليب القيادات الحزبية. -الطبيعة الحضرية والنخبوية للقيادات التي لا يمكن أن تتماثل فكريا أو ثقافيا مع باقي الفئات العمالية أو الفلاحية أو المهمشة المتواجدة بالبلاد. -عدم انسجام التركيبة الاجتماعية داخل الأحزاب التي تتميز بغلبة المتعلمين، سواء كانوا من مستخدمي القطاع العام (موظفون، ممرضون، معلمون، أساتذة)، أو القطاع الحر (أطباء، محامون، مهندسون...). -غلبة العنصر الطلابي ضمن قواعد ومناضلي هذه الأحزاب بما يكتنف ذلك من غموض اجتماعي وفئوي. وعموما، فإن مختلف الرموز التي تم اختيارها من طرف أحزابنا المغربية يمكن أن تصلح: -لهيئات قضائية أو نقابية (ميزان). -لهيئات منتجي الحبوب والزيوت (السنبلة، الوردة، النخلة، الزيتونة). -لجمعيات القنص والصيد (الطيور). -لجمعيات الفروسية (الفرس). -لجمعيات المكفوفين والمعاقين (الشمعة). -لتعاونيات تربية وإنتاج العسل (النحلة). -لحدائق وجمعيات الحيوانات الوطنية والإقليمية (الأسود والغزلان والجمال). -لشركات الأسفار والسياحة (الشمس، الطائرة). -لجمعيات الشعوذة والتعويذة (اليد والعين). -لفيدراليات قطاع البناء وتركيب السيارات (سيارة، منزل، باب، مفتاح). لشركات صنع الأسرة (البصمة). أما أن توظف في تنافسات سياسية وانتخابية، فإن الأمر يتطلب من هذه الأحزاب أن تعيد النظر في مختلف هذه الرموز وإعادة بلورتها اعتمادا على مرجعيات ثقافية وإيديولوجية واضحة تراعي الواقع الاجتماعي المعاش وتلويناته المهنية والفئوية، وكذا على كفاءات فنية وثقافية تستطيع إدراك الأبعاد العميقة لكل رمز وما يختزنه من إيحاءات سياسية وإيديولوجية وطبقية. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الأحزاب في بلورتها لرموزها أن تراعي خصوصية التركيبة السكانية في المغرب التي تتكون في جلها من الشباب والنساء. فاستقطاب هذه الشرائح ينبغي أن يستند إلى رموز تثير الملكات الايحائية والذهنية لديها وتحرك انفعالاتها وأحاسيسها العميقة.