في خضم البحث عن التحالفات من أجل تكوين حكومة بنكيران الثانية (أو الثالثة)، أريد أن أنبه رئيس الحكومة المعين إلى أن الظرفية، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، التي تمر منها بلادنا لا ولن تستحمل أية تهور أو سذاجة يمكن أن تخلق حكومة من 40 وزيرا أو أكثر إرضاءا لأحزاب ينصب كل همها على الحقائب و الرواتب و التعويضات. فالمرحلة اليوم دقيقة وتتطلب العمل على الخروج من الأزمة الاقتصادية و امتصاص الغضب الشعبي و درء الاحتقان. فالجفاف يلوح في الأفق للسنة الثانية على التوالي، و المديونية بلغت مستويات غير مسبوقة والتعليم و الصحة في الحظيظ، ناهيك عن البطالة و انعدام الأمن و تراجع القدرة الشرائية للمواطنين من جراء الغلاء الذي مس جل المواد الغذائية و الماء والكهرباء....إلخ. ومن أجل ذلك، وانسجاما مع القول الذي تروجون له (بمعية عدو الأمس و صديق اليوم، الذي قال عنك و قلت عنه من الذم ما لم يقله مالك في الخمر) من أن مصلحة الوطن لديكم فوق كل الاعتبارات الأخرى، أتوجه إليك برسالتي هاته لأطلب منك أن تعطي مثالا حقيقيا على وطنيتك و حبك لوطنك كما تدعي. أولا: يجب أن تتشكل حكومتك من 25 وزيرا على أكثر تقدير وتكون حكومة أزمة تعمل خلال المائة يوم الأولى على تقليص أجور الوزراء إلى 30000 ألف درهم (35000 درهم لرئيس الحكومة) وإلغاء جميع التعويضات الأخرى كالسكن و الأثاث و الأواني وإلغاء تقاعد الوزراء و منح نهاية الخدمة (راتب 10 أشهر). كذلك، تقليص أجور البرلمانيين إلى 20000 ألف درهم و إلغاء تقاعدهم و تعويضاتهم.وبذلك ستعطي المثال للمغاربة بأن أنك تريد الاصلاح و بدأت بنفسك و وزرائك، و لا بأس بعد ذلك من اصلاح المقاصة و التقاعد و غيرها. فيجب أن تفهم السيد رئيس الحكومة، أن تدبير الشأن العام ليس قنطرة للإغتناء و جمع الثروات واستغلال النفوذ لتمكين ذوي القربى و أصحاب الولاءات الحزبية من المناصب، بل هو خدمة وطنية تقوم بها نساء و رجال الوطن. ثانيا: الحرص على تقليص النفقات العمومية من خلال اعتماد مقاربة تقشفية تعتمد على تقليص أعضاء الدواوين والسيارات الفارهة و فاتورات الهواتف و البنزين التي تنهك ميزانية الدولة. ثم خلق خلية تابعة لك من أجل تتبع الصفقات العمومية التي يشوبها فساد كبير وتمنح بطرق ملتوية، فيها الرشوة و المحسوبية و الزبونية وشراء الذمم. وهنا أفتح قوسا لأذكرك بالخطاب الملكي الأخير المتعلق بإصلاح الإدارة. فقد فهم وللأسف العديد من المسؤولين في العديد من الوزارات و الإدارات العمومية من الخطاب الملكي أن الاصلاح يرتكز فقط على مراقبة دخول و خروج وغياب الموظفين، وبالتالي تفتقت عبقرية العديد منهم على ضرورة تجهيز المرافق التابعة لهم بالأبواب الإلكترونية و الكاميرات دون التفكير في أن مراقبة الموظف تتم عبر مردوديته في العمل المنوط به. ثم إن اصلاح الإدارة يجب أن يعتمد مقاربة شمولية و مندمجة، ترتكز على الصرامة و المراقبة بالإضافة إلى التحفيز والتشجيع. فكيف تطلب من موظف يتقاضى 5000 درهم أن يتفانى في عمله، بعد أن قلصت من راتبه (اصلاح التقاعد) و دهورت قدرته الشرائية (اصلاح المقاصة) و هو يرى أن الوزير يتقاضى نفس راتبه كتعويض عن الأثاث و الاواني؟ وكيف لإطار خارج السلم مثلا يبلغ من العمر 35 سنة، وعليه أن يشتغل إلى حدود 63 سنة أو 65 سنة (مشروع اصلاحكم القادم) و راتبه لا يزيد سوى بحوالي 90 درهما كل ثلاث سنوات (30 درهم في السنة)؟. وبالله عليك، هل سيصلح الادارة وزير لا يتوفر على الباكلوريا ولم يكن موظفا في حياته؟. ثالثا: يجب إعادة النظر في الدعم الممنوح للأحزاب و الفرق الرياضية (خاصة كرة القدم 50000 درهم لكل مدرب فرق الصفوة من جيوب دافعي الضرائب) و المنابر الإعلامية والسينما والجمعيات (144000 جمعية) وغيره من كل أشكال الدعم. فسياسة الدعم تعلم الخمول والتكاسل والتواكل، فيجب أن يكون المنطق المعتمد هو البقاء للأصلح. دعم 33 حزب بملايير الدراهم هو هدر للمال العام في الوقت الذي لم يصل إلى قبة البرلمان سوى 12 حزبا. فأي منطق هذا وما حاجة المغرب ليكون لكل مليون مواطن حزب؟؟ ثم ما معنى رفع الدعم عن الدقيق والسكر والزيت و البترول و جميع السلع الأساسية و ترك الدعم للمهرجانات الغنائية والسينما وكرة القدم وووو. وكل هذا في بلد يعيش أزمة اقتصادية و بلغت مديونيته الخارجية ما يفوق 60 في المائة من ناتجه الخام الذي لا يتعدى 100 مليار دولار، ونموه السنوي رهين الأمطار ؟؟؟ ثم لماذا كل هذه الجمعيات وماذا تصنع لهذا الوطن؟ كثيرة منها و أخيرا، يجب أن تعلم أن خطابك "عن أن حزبك هو الذي ضمن استقرار المغرب سنة 2011" و بكاءك على التماسيح والعفاريت و التحكم أصبح اليوم متجاوزا. فقد خرج المغاربة في جميع مدن المملكة للتضامن مع شهيد الحكرة في مسيرات سلمية و لم تحدث أي انفلاتات أمنية، رغم أنك دعوتك مورديك لعدم الخروج و قال العثماني (من كنا نعتقده للأسف أنه من عقلاء الحزب) أن الأمر بسيط وعادي و يقع في البلدان الأخرى (و أعطى مثالا بقتل السود من طرف الشرطة في الولاياتالمتحدة). فعليك أن تعلم أن ضامن الاستقرار في المغرب هو 34 مليون و 400000 ألف مواطن الذين لم يصوتوا لحزبك وليس مليون و 600 ألف الذين صوتوا لكم. ويجب أن تعلم أنت و نشطاء حزبك، أن الخروج المقبل، إذا كونت حكومة ولاءات و لم تراعي غليان الشارع، سيكون للمطالبة برحيلك. ولا تنتظر من الشرذمة التي تناصرك اليوم والتي تدعو تحت أسماء مستعارة إلى تكفير و قتل وهدر دماء الأقلام الحرة (كالغزيوي و عصيدو القمش وغيرهم) التي تعارضك و تعارض حزبك الذي يأخذ من الدين مطية ليدغدغ مشاعر البسطاء، أن تخرج لمناصرتك في ميدان رابعة. فالجردان أول من يفر من الباخرة عندما تبدأ بالغرق. فمن يكتب باسم مستعار، جبان يتقن القذف من بعيد ولا يستطيع المواجهة (كما لم تستطع أنت مواجهة لشقر و شباط، اللذان أصبحا حلفائك، في مناظرة ميدي 1 تيفي)، لا نامت أعين الجبناء. الكرة اليوم بين يديك، فإما مصلحة الوطن و الحفاظ على مكتسباته من خلال اصلاحات وازنة و مواقف رجولية وتحقيق النمو ، و إما ستختار طريق مرسي و ابن تيمية و سيد قطب، وعندها لن تنفعك أموال قطر و دعوات فقهاء الجزيرة.