في رصْده لمظاهر التعايش بين المسلمين واليهود بالمغرب، وتحديدا في مدينة تطوان، خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر، قالَ الباحث المغربي في التاريخ عمر لمغيبشي، في عرض له ضمن ندوة "تدبير المغاربة للاختلاف" نظمتها الجمعية المغربية للبحث في التاريخ بالرباط، إنَّ العلاقة بين الطرفين "كانت قائمة على الائتلاف وليس الاختلاف". وانطلاقا من ممّا دوّنه المؤرخون عن هذه الحقبة الزمنية، أوضح لمغيبشي، وهو باحث في سلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس بالرباط، أنَّ العلاقة بين المسلمين وبين اليهود في المغرب عاشتْ على إيقاع التذبذب، لعدّة عوامل؛ أوّلها طريقة تعامُل الحُكّام المتعاقبين على الحُكم معهم. واستطردَ المتحدث ذاته أنَّ اليهود المغاربة عاشوا فترات تميّزت بالرخاء، وفترات أخرى كانت "سوداوية"، خاصّة في عهد الموحّدين، وفي فترة حُكم المولى اليزيد، منبّها إلى ضرورة التعاطي بالحيطة والحذر بخصوص ما دوّنه المؤرخون الأجانب عن هذه المرحلة، بسبب إغراقهم في وصْف العلاقة بين المسلمين وبين اليهود وصفا ينطوي على السلبية. واعتبر المتحدث أنَّ العلاقة بين المسلمين وبين اليهود في تطوان اتسمت بتطبيق قانون أهل الذمة، حيث يتمّ تكليف شيخ من اليهود بجمع قيمة الجزية التي يدفعونها للمسلمين، مع التعامُل معهم بنوع من الّلين، إذ إنّ اليهود قدّموا إلى الحاكم المغربي في نهاية القرن التاسع عشر طلبا بتخفيف مقدرا الجزية التي يدفعونها، فاستجاب لطلبهم. وعدّدَ الباحث المغربي جُملة من مظاهر التعايش بين المسلمين وبين اليهود في مدينة تطوان خلال القرنين ال18 وال19، مشيرا إلى أنَّ اليهود كانوا يوزعون الفطيرة على المسلمين في عيد الفصح اليهودي ويتقاسمون معهم الطعام. وفي المقابل، كان المسلمون يهنّئون اليهود في عيد ميمونة، حيث يدخلون إلى الملاح ويقدمون التهاني لهم. ثمّة عامل آخر مشترك بين المسلمين واليهود، يردف لمغيبشي، ويتعلق بالزيارة المشتركة المزارات التي يتقاسمونها، والتي لا يُعرف هل أصلها يهودي أم مسلم. كما كان اليهود يؤدون الصدقة يوم الخميس، على غرار الصدقة التي يؤديها المسلمون يوم الجمعة؛ وذلك في إطار التلاحم بين الطرفين. ونبّه الباحث إلى أنَّ عددا من الكتابات التي ألفها مؤرخون عرب حاولت نسف هذا التعايش، نافية وجود علاقة بين المسلمين وبين اليهود. وفي هذا السياق، دعا الباحث المغربي في التاريخ عمر لمغيبشي إلى وضع تلك الكتابات في سياقها التاريخي، لإبراز حقيقة التعايش الذي كانَ قائما بين اليهود والمسلمين في المغرب كله، وعلى الأخص في مدينة تطوان.