رئاسة النيابة العامة تؤكد إلزامية إخضاع الأشخاص الموقوفين لفحص طبي تعزيزا للحقوق والحريات (بلاغ)    نقابة المكتب الوطني للمطارات تضع خارطة طريق "لإقلاع اجتماعي" يواكب التحولات الهيكلية للمؤسسة        ميناء الحسيمة : انخفاض كمية مفرغات الصيد البحري    تقرير: المغرب من أكثر الدول المستفيدة من برنامج المعدات العسكرية الأمريكية الفائضة    "الصحة العالمية": أكثر من ألف مريض توفوا وهم ينتظرون إجلاءهم من غزة منذ منتصف 2024    زلزال بقوة 5.7 درجات يضرب أفغانستان    "فيفا" يعلن تقاسم السعودية والإمارات المركز الثالث في كأس العرب    رئاسة النيابة العامة تقرر إلزامية الفحص الطبي للموقوفين تعزيزا للحقوق والحريات    نادي الإعلام والدراسات السياسية بكلية الحقوق المحمدية : ندوة علمية لمناقشة الواقع الإعلامي المغربي    الرباط تحتضن مقر الأمانة الدائمة للشبكة الإفريقية للوقاية من التعذيب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    حمداوي: انخراط الدولة المغربية في مسار التطبيع يسير ضد "التاريخ" و"منطق الأشياء"    انخفاض الذهب والفضة بعد بيانات التضخم في الولايات المتحدة    "الكان" يربك حسابات الأندية الأوروبية    جلالة الملك يهنئ أعضاء المنتخب الوطني المغربي الفائز ببطولة كأس العرب    ملك الأردن يقرر منح الجنسية للمدرب جمال السلامي وهذا الأخير يؤكد استمراره مع "النشامى"    استمرار تراجع أسعار النفط للأسبوع الثاني على التوالي    "أساتذة التعاقد": اعتقال نزهة مجدي سياسي وانتقامي في حق نضالات التنسيقية    كيوسك الجمعة | ودائع الأسر المغربية تتجاوز 959 مليار درهم    ترامب يوقف برنامج قرعة "غرين كارد" للمهاجرين    هياكل علمية جديدة بأكاديمية المملكة    إدارة ترامب تعلّق قرعة "غرين كارد"    المحافظة العقارية ترفع رقم المعاملات    فرض رسوم التسجيل في سلك الدكتوراه يثير جدلاً دستورياً وقانونياً داخل البرلمان    السكتيوي: المنتخب الوطني حقق اللقب رغم قوة المنافسين    طقس الجمعة.. أجواء باردة نسبيا وصقيع بالمرتفعات    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين بمحطات الوقود    البرلماني رفيق بناصر يسائل وزير الصحة حول العرض الصحي بمدينة أزمور والجماعات المجاورة    شبهة تضارب مصالح تُقصي إناث اتحاد طنجة لكرة اليد من قاعات التدريب    برقية ملكية تشيد بغيرة اللاعبين وكفاءة الأطر الوطنية    المغرب يحصد جائزتين في كأس العرب    رجاء بلقاضي.. تجربة تشكيلية تحتفي باللون والبعد الروحي    أسفي بين الفاجعة وحق المدينة في جبر الضرر الجماعي    معدل ملء حقينة السدود يناهز 33٪    الحكومة تُغامر بالحق في الصحة: إصلاح بلا تقييم ولا حوار للمجموعات الصحية الترابية    الدولة الاجتماعية والحكومة المغربية، أي تنزيل ؟    هل ينفد الكون من النجوم الجديدة؟    المهندس المعماري يوسف دنيال: شاب يسكنه شغف المعمار .. الحرص على ربط التراث بالابتكار    من المغرب.. رمضان يعلق على إدانته بالحبس    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    7 طرق كي لا يتحوّل تدريس الأطفال إلى حرب يومية    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    متحف اللوفر يفتح أبوابه جزئيا رغم تصويت موظفيه على تمديد الإضراب    توقيف مروج للمخدرات والمؤثرات العقلية بطنجة وحجز أزيد من 1200 قرص طبي    خبراء التربية يناقشون في الرباط قضايا الخطاب وعلاقته باللسانيات والعلوم المعرفية    الموت يفجع أمينوكس في جدته    غوغل تطور أداة البحث العميق في مساعدها الذكي جيميناي    أسعار الفضة تتجاوز 66 دولارا للمرة الأولى فيما يرتفع الذهب ب1 في المائة    مركز وطني للدفاع يواجه "الدرونات" في ألمانيا    الرباط تحتضن مهرجان "أقدم قفطان" .. مسار زي مغربي عابر للأجيال    مركب نباتي يفتح آفاق علاج "الأكزيما العصبية"    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



'إرحل'... نداء يعبر عن ثقافة في طور التشكل
نشر في هسبريس يوم 07 - 06 - 2011

"إرحل" فعل أمر من رحل بمعنى سار ومضى وانتقل، وهو ضد حلّ بحذف الراء وتثقيل الام، فلكي نفهم مغزى هذا النداء الذي ترفعه الأمّة اليوم في وجه الطغيان والاستبداد، لابد أن نبحث في ما حلّ بساحتها بعد أن أخرجها الإسلام من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ، على حد تعبير ربعي بن عامر وهو يحاور رستم قائد الفرس قبل معركة القادسية ، وكان مع ربعي رمح مُسلّم وثوب ممزق وفرس كبير معقور بلغ هذا الفرس من العمر عتياً.!
يقول له رستم ومعه وزراؤه وأصحابه وهو يضحك: جئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس المعقور والرمح المسلّم والثوب الممزق؟ فرد عليه ربعي بن عامر بلسان الواثق: إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
فرد عليه هذا الشقي بعد أن أدهشه رد ربعي بن عامر: لا تخرج من قصري أو إيواني حتى تحمل تراباً على رأسك، فحمل ربعي بن عامر تراباً وقال لأصحابه هذه بشرى أن يملكنا الله أرضهم. وبعد ذلك دخل سعد بن أبي وقاص تلك الأرض وانتصر، ودخل إيوان الضلالة وحطم وكر الوثنية الفارسية وهو يقول ما ورد في القرآن: " كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك وأورثناها قوماً آخرين، فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين" .

ما لذي حلّ بهذه الأمة حتى انتقلت من ثقافة :" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟" التي أطلقها عمر بن الخطاب، إلى ثقافة "والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه"!التي أطلقها عبد الملك بن مروان بعد توليه الحكم؟

إنها بقية من ثقافة رستم قائد الفرس وثقافة هرقل عظيم الروم التي أنكرها جيل الصحابة، ولكن في غياب المؤسسات التي لم تتبلور آنئذ، لم يكن للأفراد كبير تأثير على مجريات الأحداث التي كانت تسير وفق منطق التاريخ الذي كان لصالح كفة الاستبداد بعد سقوط الإمبراطوريتين العظيمتين آنذاك: إمبراطورية الفرس وإمبراطورية الروم، لكن دون سقوط منطقهما في الحكم.

ففي انتقاده لمسلك بني أمية في توريث الحكم قال عبد الله بن عمر:"إن هذه الخلافة ليست بهرقلية ولا قيصرية ولا كسروية يتوارثها الأبناء عن الآباء، ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي"، وقال عبد الرحمن بن أبي بكر:" يا بني أمية، إن هذا الأمر كان لرسول الله ، وقد كان في أهله من لو جعله فيه لكان له أهلا ، فلم يفعل، فأعدتموها يا بني أمية أعجمية كلما هلك هرقل قام هرقل!"

في ظل هذا النظام السلطوي نشأت ثقافة الاستبداد وقامت على ثلاثة أركان:

1) فقه التحريم الذي شل قدرات الأمة وأخرجها من دائرة المباح الواسعة إلى ضيق الفتاوى المكبّلة لحركيتها في التفاعل مع واقعها المتغير من أجل بناء العمران، فالفقهاء بعد تحييدهم عن الكلام في الشأن العام وإشغالهم بأحكام الطهارة والحيض والنفاس، ابتعدوا شيئا فشيئا عن الواقع المتغير من حولهم واشتغلوا بالحواشي والمختصرات، خصوصا بعد القرن الخامس الهجري، ولما كانت العامة مرتبطة بدينها تسأل عن حكم المستجدات والنوازل، لم يكن للفقيه بد من إعطاء جواب غالبا ما يكون بالتحريم أو الكراهة،فقام بإبعاد الناس عن واقع أبعد هو منه قسراُ، ولم يسعه أن يقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنتم أعلم بشؤون دنياكم "! وفي الحديث أيضا : " إن الله حدّ حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تضيعوها وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تسألوا عنها". والقاعدة المعروفة في الفقه هي أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم، لكن الفقهاء قالوا إنه ما من صغيرة أو كبيرة إلا لله فيها حكم وهذا صحيح لكن أن يكلف الفقيه نفسه عناء البحث عن ذلك الحكم، ففي ذلك نظر والله أعلم، وقد كان من جملة الحجج التي أدلى بها الفقيه الذي أفتى بجواز جماع الجثة بعد ردود الفعل القوية من المجتمع المدني، أنه لا يسعه السكوت عن حكم قضية وردت عليه من بعض السائلين!!

2)التصوف الطرقي الذي كان وراء تكلس العقل المسلم وانكماشه وإسلاس قياده للأميين الجهلة الذين نصبوا أنفسهم باسم الولاية والمشيخة الزائفة قائمين على عقول الناس وأرواحهم،تعبر عن ذلك مقولتهم المشهورة " المريد بين يدي شيخه كالميت بين يدي مغسله "! وهو أسوأ أنواع الإستبداد الذي ابتليت به الأمة، وهو دخيل على ثقافتها، ورثته عن الرهبانية عند النصارى والبرهمية عند الهنود،فبعد أن كان التصوف السني زهدا في متاع الدنيا الزائل ورحلة في أعماق النفس لتنقيتها من شوائب الرياء، والبحث في حقائق التوبة ودقائق الإخلاص وحقيقة التوكل والأخذ بالأسباب دون الالتفات إليها، أضحى بعد القرن السادس ظلمات بعضها فوق بعض، حيث فرّ الناس إلى الزوايا وتركوا العلم، ولم يبق حي أو بيت إلا دخلته الخرافة التي سوّق لها المشايخ باسم الدين من أجل استغلال العامة أسوأ استغلال، فتشكل مناخ القابلية للإستعمار بتعبير المفكر مالك بن نبي، وبعض الحركات الإصلاحية اليوم تعتمد هذا المنهج الفاسد لإخراج الأمة من أزمتها، لكن هيهات!!

3) الحداثة الزائفة التي ابتليت بها الأمة بعد الاستعمار الحديث وشكلت أبشع أوجه الاستبداد، إذ حملت شعارات العقلانية والعلم والحرية والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنها فتحت السجون وشيدت المعتقلات وزجت بمعارضيها في أتونها، همّشت المختبرات العلمية ومؤسسات المراقبة على المال العام والحكامة في تدبير الشأن العام، في حين قرّبت الخمر من المواطنين ونشرت ثقافة الميوعة والانحلال باسم الفن، حتى أن كل من رغبت في ممارسة الدعارة خارج الحدود يضعون على بطاقة تعريفها مهنة فنانة!! وحسبك بهذا الاتهام إهانة للفن وأهله.وبعض الذين رفعت صورهم في تظاهرات 20 فبراير هم شباب من جيل العهد الجديد، لكنهم احتفظوا بأسوأ ما في العهد القديم على حد تعبير الدكتور أحمد الريسوني، إحتفظوا بعصا ادريس البصري، واحتفظوا بخبرته في تزوير الانتخابات، واحتفظوا بتركته في الأحزاب الإدارية، وأضافوا إليها إبداعا جديدا ليجمعوا بين الأصالة والمعاصرة، استقوه من النموذج التونسي الحداثي والتجربة المصرية الرائدة في قمع المعارضين، العريقة في الحزب الأغلبي، كذلك استبدلوا فن العيطة والشيخات الذي اهتم به وزير الداخلية القديم بالبيك وإلتون جون وشاكيرا...

إن الثورة على الأنظمة الفاسدة التي يعرفها الربيع العربي، ما لم تواكبها ثورة ثقافية تهز أركان فقه التحريم والمنع الذي يشل حركية المجتمع، وتضع حدا لسلطة المشايخ والأولياء المزيفين الذين يكبلون عقول الناس وأرواحهم، الأحياء منهم والأموات، وتعري حداثة الواجهة التي يتخفى وراءها دعاة الإستصال والفتنة، فإن نجاحها سيكون محدودا في الزمان والمكان، فدور المثقف اليوم أهم من دور من يواجه العصا والرصاصة بصدر عاري، وفي كل خير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.