تكتسي الجولة الملكية التي بدأها الملك محمد السادس إلى عدد من بلدان شرق إفريقيا بعدا استراتيجيا هاما، وتؤكد، مرة أخرى، على الدور الريادي الذي يضطلع به العاهل المغربي داخل القارة الإفريقية، والذي يتطلع إلى آفاق جديدة وواعدة من الشراكة الرابحة، جاعلا في صلب أولوياته مستقبل وتطلعات الشعوب الإفريقية نحو التقدم والرفاهية. وتنسجم هذه الجولة الملكية التي تشمل جمهوريات رواندا وتنزانيا وإثيوبا تماما مع الجهود التي ما فتئ الملك يبذلها بشكل حثيث من أجل حشد الطاقات الإيجابية والديناميكية التي تزخر بها القارة السمراء، والتي تهدف أساسا إلى الأخذ بعين الاعتبار المصالح الاستراتيجية للدول الإفريقية في تحديد مستقبلها عبر الاستغلال الأمثل لثرواتها الطبيعية ومواردها البشرية الهائلة. إن المبادرات التي يتخذها الملك في هذا الشأن بالقارة الإفريقية هي بمثابة العنصر الفاعل الذي يمكن من ترجمة طموحاتها المشروعة وفتح المجال أمام انطلاقها. واليوم، لا حاجة إلى التذكير بأن إفريقيا تفرض نفسها كرهان مستقبلي بالنسبة للمغرب، الذي يعزز، بتوجيهات من العاهل المغربي، العلاقات التي تربطه بالدول الإفريقية الشقيقة وجعلها في مقدمة الأولويات. ويشكل تحقيق التنمية المشتركة وإرساء نموذج الشراكة رابح رابح مع هذه الدول الإفريقية أساس هذه الرؤية إلى إفريقيا كقارة قادرة على الاعتماد على مؤهلاتها الذاتية. إن الاستراتيجية التي يعتمدها المغرب في علاقته مع إفريقيا، التي تشمل كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتلك المتعلقة بالحقل الديني، تتسم بالمصداقية والبرغماتية؛ حيث ترى هذه الدول في المغرب بلدا قادرا على تقديم مساهمة كبيرة للقارة. ويتعلق الأمر بنظرة يتقاسمها العديد من القادة الأفارقة والمحللين المتتبعين للشؤون الإفريقية. وفي هذا الصدد، قالت وزيرة الخارجية الرواندية لويز موشيكيوابو، مؤخرا، إن "المغرب استطاع أن يحقق تقدما هائلا، وبإمكانه تقديم مساهمة ثمينة للقارة الإفريقية برمتها"، مؤكدة أن إفريقيا بوسعها الاستفادة بشكل كبير من الدينامية وروح المبادرة التي تتمتع بها المملكة. وما من شك أن هذا الدور الهام والبناء الذي يضطلع به المغرب لا يحتاج إلى دليل، وهو ما جعل المحللة السياسية بمعهد الدراسات الأمنية، الذي يوجد مقره في بريتوريا، رايسه كشاليا تعتبر أن "إفريقيا بحاجة إلى المغرب". وكتبت، في السياق ذاته، أنه "في ظل سياق يتسم بالدينامية على نحو متزايد، فإن إفريقيا بحاجة إلى دول قادرة على مساعدتها لتحرير طاقاتها"، مضيفة أن المغرب بإمكانه القيام بهذا الدور إلى جانب شركائه الأفارقة. وتلاحظ المحللة أنه بالنظر إلى تزايد عدم الاستقرار الناجم عن ارتفاع حدة التطرف العنيف، الذي يتقاطع مع أصحاب الأفكار الانفصالية وتزايد الجريمة العابرة للحدود، فإن البلدان الإفريقية مدعوة إلى تعزيز تعاونها وتنسيقها، خاصة في المجال الأمني، مؤكدة أن المغرب، البلد الذي يعتز بانتمائه وبتراثه الافريقي العريق، بوسعه القيام بدور مهم في هذا الشأن. وأضافت أن الأمر يتعلق بمصداقية اكتسبها المغرب بفضل اختياراته، وهو الذي وضع انتماءه المتجذر في إفريقيا ضمن رؤية مستقبلية مفعمة بالأمل في تحقيق ازدهار مشترك، في ظل فضاء إفريقي ينعم بالوحدة والسلم والتعايش والتنمية المشتركة، وكلها قيم تتخذ بعدا جديدا بفضل الرؤية السديدة للملك محمد السادس. وما يعزز هذه المقاربة المغربية، في رأي صناع القرار والساسة الأفارقة، هو ذلك الصرح السياسي والاقتصادي المتين الذي أرست دعائمه المملكة تحت قيادة الملك محمد السادس. وبفضل المسار السياسي والديمقراطي الذي انخرط فيه المغرب بدون رجعة، والذي أكدته بشكل جلي الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر الجاري، وكذا الإطار الاقتصادي المثير للإعجاب، فإن العديد من الدول الإفريقية ترى في المغرب نموذجا يحتذى. وقد عبر الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانغو بشكل بليغ عن هذه الصورة التي يتمتع بها المغرب، من خلال تأكيده أن بلاده، على غرار باقي الدول الإفريقية، بإمكانها أن تستفيد كثيرا من الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تعرفها المملكة المغربية. وقال أوباسانغو خلال ندوة نظمت مؤخرا في نيجيريا: "إن التحول الذي حصل بالمغرب هو تحول عميق". وأكد الرئيس النيجيري السابق، الذي تناقلت تصريحاته أهم الصحف النيجيرية، أن "هذا التحول الذي طال جل القطاعات الحيوية بالمغرب، ومنها البنيات التحتية، والسياحة والصناعة والفلاحة، قد تسنّى تحقيقه بفضل عوامل عدة، من بينها الاستقرار الذي تنعم به المملكة." وتعكس تصريحات الرئيس النيجيرى السابق، الذي يدافع بقوة عن الوحدة الإفريقية، قناعة بدأت تترسخ داخل القارة بشأن سداد الرؤية الإفريقية للملك محمد السادس، وهي رؤية ترتكز على واجب تحقيق التنمية المشتركة المدرة للثروات وحتمية تعزيز التضامن واستتباب السلم والأمن. *و.م.ع