يوم الجمعة 7 أكتوبر الماضي، قال المغاربة كلمتهم الاخيرة وجددوا ثقتهم في حزب العدالة والتنمية، الحزب الإسلامي الوحيد في المغرب الكبير والعالم العربي. لقد منحه الشعب ولاية ثانية تمتد لخمس سنوات أخرى مما يعني ضمنيا أنه راض عن السياسات المتبعة منذ 2011 رغم النتائج الضعيفة للحكومة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. الملك، من جهته، وفي احترام تام لنص وروح الدستور قام بالتجديد لرئيس الحكومة لمواصلة القيام بالمهام الموكولة إليه وكلفه بتشكيل فريق حكومي جديد. الحياة الديمقراطية في المغرب، والتي تسير بإيقاع منتظم ومواعيد انتخابية قارة تواصل مسيرتها العادية رغم كونها حافلة بدروس بعضها أكثر إثارة للاهتمام من البعض الآخر. الدرس الاول المستفاد هو ذلك التوجه الواضح نحو "الثنائية القطبية" للمشهد السياسي. نتائج الاقتراع أظهرت تفوقا كبيرا للحزبين السياسيين الرئيسين "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة" الذي يقوده "إلياس العماري" بديناميته وروحه المغامرة. هذان الحزبان لوحدهما يتوفران على 227 نائبا برلمانيا، أي حوالي 58 بالمائة من المقاعد بالغرفة السلفى للبرلمان. هذا التوجه يؤشر على قطيعة مع التقليد السياسي المغربي السابق الذي أقر "التعددية الحزبية" منذ حصول المغرب على الاستقلال وجعله خيارا مفضلا يقوم بالأساس على ركيزة صناديق الاقتراع.. الدرس الثاني يتعلق بالسقوط المريع لما نطلق عليه الأحزاب الوطنية والأحزاب التقليدية كما هو الحال مع أحزاب "الاستقلال" و"الاتحاد الاشتراكي" و"التجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية وهو السقوط الذي كان جليا منذ انتخابات 2011 وبعدها الانتخابات الجماعية لسنة 2015. زعماء هذه الأحزاب لم يتمكنوا خلال السنوات الماضية من تحسين علاقة أحزابهم بالناخبين وإقناعهم بالتصويت بكثافة للوائحهم. وإذا كانت أسباب خيبة الامل هذه متعددة ومختلفة باختلاف طبيعة كل حزب فإن ذلك، على الأقل، كان بمثابة الظل الذي يشير إلى حالة من الإنكار الجماعي (وسط قيادات الأحزاب) وهو ما يسري عليهم جميعا ويضعهم في موقع المساءلة. حالة الغضب الشعبي العارم تفصح عن نفسها في كل مناسبة انتخابية للتعبير عن السخط الكبير اتجاه قيادات هذه الهيآت السياسية، وطريقتها في التنظيم والتنظير الفكري المعتمد من طرفهم. الدرس الثالث يرتبط بفشل الجدل السياسي واختفاء المواجهة على أساس البرامج الانتخابية لصالح "المعارك الأيديولوجية"، من خلال المناوشات الحزبية والعنف اللفظي، (وربما الجسدي أيضا). الحزبان اللذان قاما، خلال الحملة الانتخابية بعمل مبتكر وفعال، فلنعترف، على المستوى الإعلامي لاستغلال تلك الانحرافات السلوكية والموضوعية، هما نفسهما الحزبان اللذان تربعا على قائمة الانتخابات التشريعية. هذا يعني استساغة الناخبين لهذه النوعية من مواضيع ما تحت الحزام أو تلك التي تجعل الدم يغلي في رؤوس المصارعين داخل الحلبة السياسية الوطنية. هذه الخلاصة تبدو، في الحقيقة أكثر إفزاعا من بعض المسؤولين الحزبيين أنفسهم الذين يضحكون على الذقون في غياب تام لأي حسرة (وسط الناخبين) على غياب البرامج الانتخابية وانعدام الرغبة لديهم في فهم تدخلات أعضاء فرق الحملة الانتخابية أو دراسة الوثائق الصادرة عن الأحزاب السياسية. إذا كانت البرامج الانتخابية المعلن عنها من طرف كل الأحزاب السياسية لا تعدو أن تكون إعلانا للنوايا والأماني دون ذكر أرقام أو سبل عملية لتحقيق الأهداف المسطرة، ودون أي تخطيط أو تفصيل في خطط العمل الكفيلة بإنزال البرامج وتنزيلها إلى أرض الواقع، فإن بعض الأحزاب السياسية كالاستقلال والاتحاد الاشتراكي يستحقان، رغم كل شيء، الاعتراف بكونهما تشجما عناء صياغة برنامج انتخابي جاد. صحيح أنهما قدما برنامجا "مثاليا" ينقصه التوجيه، ولكنه يتميز بتوصيات ملائمة وشمولية (أزيد من 500 إجراء تم اقتراحه من طرف كل من الحزبين).. الدرس الرابع ليس سوى تلك الثقة الموضوعة اليوم في مؤسسات الدولة وهذا ما اتضح جليا من خلال الاقتراع. عكس سيادة الإحساس العام بالثقة الذي جعل الأحزاب السياسية في عمومها تعترف بجدية وشفافية الانتخابات ومعها المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمراقبون الدوليون بما فيها ممثلون عن الاتحاد الأوربي، والذين أكدوا جميعا هذه الحقيقة، كان حزب العدالة والتنمية الوحيد الذي لم يتوقف عن التشكيك في العملية الانتخابية سواء خلال الحملة الانتخابية أو خلال يوم الاقتراع نفسه قبل الإعلان الرسمي عن النتائج. هذا الموقف الذي دفع وزير الداخلية إلى الخروج عن صمته، ينضاف إلى الحقل الدلالي الذي وظفه الحزب بخصوص ما يسمى ب"التحكم"، وإلى الحديث السابق عن وجود دولتين في المغرب، وهو ما ينعكس بشكل خطير على صورة المغرب في الخارج. بالنهاية يبقى الرهان قائما على ولاية ثانية لحكومة بنكيران 2 يتم فيها وضع حد لهذه الانحرافات الدلالية والقطع كلية مع سياسة التشكيك في استحالة التراجع عن المكتسبات الدستورية الراهنة. الدرس الخامس والأخير يمكن اعتباره الأخطر والأهم على الإطلاق. إنه يضع تحت المجهر مغربا بدون تفكير، مغربا صامتا، سلبيا، لا يبالي، لا يفكر، ولا يعبر عن نفسه، ولا يتصرف.. مغرب، لا يصوت. هذا المغرب يتجسد في نسبة امتناع عن المشاركة تحددت رسميا في 57 بالمائة من الهيأة الناخبة.. 6 ملايين و750 ألف مشارك من بين 15 مليون و700 ألف مسجل باللوائح الانتخابية. في الواقع، الرقم الحقيقي الذي يجسد هذا المغرب هو 70 بالمائة من المقاطعين على اعتبار وجود 24 مليون مغربي بلغوا سن التصويت حسب إحصائيات 2014 الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط. عندما يرتهن وطن بأكمله بقرار أقلية ضئيلة كهذه فإننا نجد أنفسنا أمام حقيقة مروعة تتمثل في محدودية "الديمقراطية الانتخابية" ببلدنا. كل هذا يؤكد بشكل خطير على ضرورة الإسراع بوضع حد لهذا الانهيار المبرمج للأحزاب السياسية وتشجيع أشكال أخرى من التعبير الشعبي من خلال الديمقراطية التشاركية، والمجتمع المدني والمبادرات المواطنة. *اقتصادي، عضو المكتب التنفيذي لحركة ضمير- عضو المجلس الوطني لحزب الاستقلال.