الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تحتج في مسيرات جهوية ضد قانون الاضراب    عواصف تتسبب في تأجيل أكثر من 100 رحلة جوية في ألمانيا    القضاء الفرنسي يوجه تهمة "التحريض على الإرهاب" للمدون الجزائري عماد تانتان    البطولة الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال17).. نهضة الزمامرة يفوز على مضيفه الدفاع الحسني الجديدي (3-0)    حكيمي يقود باريس سان جيرمان للتتويج بلقب "السوبر الفرنسي"    تلقت ما مجموعه 7 آلاف و226 ملفا : مؤسسة وسيط المملكة ترى الإجراءات الإدارية المرتبطة بالتسجيل والحصول على الدعم الاجتماعي معقدة ومضيعة للوقت    الدرهم يتراجع مقابل الدولار والأورو    فرنسا تعبر عن "شكوك" بشأن التزام الجزائر إحياء العلاقات الثنائية بين البلدين    إسرائيل تواكب "مفاوضات الهدنة" في الدوحة بالغارات على قطاع غزة    إسرائيل: حزب الله "غير ملتزم" بالهدنة    أزمة إنتاج أمهات الكتاكيت بالمغرب .. شركة أمريكية مرشحة لبناء ضيعات    المغرب يتفوق على جميع الدول الإفريقية في مجال قطع غيار الطائرات    البطولة.. نهضة الزمامرة يرتقي إلى الوصافة عقب انتصاره على الدفاع الجديدي بثلاثية    هدف أبوخلال يقود تولوز للفوز الثاني على التوالي في الدوري الفرنسي    تقلبات جوية في المغرب تجلب أمطارا وعواصف رعدية بداية الأسبوع    تفاصيل حكم فرنسي يقضي برفع ساعات العربية بمدارس البعثة بالمغرب    درك سيدي إفني يفكك عصابة للهجرة    دراسة: التفاعل الاجتماعي يقلل خطر الإصابة بالنوبات القلبية    تيزنيت:"تيفلوين" تفتح أبوابها الأربعون لاكتشاف الموروث الثقافي والفلاحي والاجتماعي والتقليدي للساكنة المحلية    الحسيمة.. سيارة تدهس تلميذة صغيرة وتنهي حياتها    ترشيحات "غولدن غلوب".. فيلم "إميليا بيريز" في صدارة المنافسة    "صحة غزة": ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية إلى 45 ألفا و805    و"هبيولوجيا" الخطاب.. أو حين يصبح العبث منهجا سياسيا    حقوقيون يسجلون استمرار قمع حرية التعبير وينبهون إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية    فرنسا تشكك في التزام الجزائر بإحياء العلاقات الثنائية    كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة تحتضن الدرس الافتتاحي لماستر المنازعات المدنية والتجارية    مسرحية "هم" تمثل المغرب في الدورة الخامسة عشرة لمهرجان المسرح العربي    هكذا كنت (أحتفل) بنهاية السنة في السجن    وزير الخارجية السوري يدعو من قطر إلى رفع العقوبات الأمريكية عن بلاده    انتحار اللاعب الأوروغوياني أكونيا    رسمياً.. بلدان إفريقيان يشرعان في إنتاج الغاز الطبيعي    انطلاق أشغال مؤتمر الألكسو ال14 لوزراء التربية والتعليم العرب بمشاركة المغرب    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية وتساقطات ثلجية بهذه المناطق    الإعلان في المغرب عن تأسيس المنظمة الإفريقية لحقوق الإنسان    وقفة احتجاجية تضامنا مع سعيد آيت مهدي أبرز المدافعين عن ضحايا زلزال الحوز    انخفاض المبيعات السنوية لهيونداي موتور بنسبة 1,8 بالمائة    "ميتا" تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة لتطوير تجربة التواصل الاجتماعي    تاوسون تتوج بدورة أوكلاند للتنس بعد انسحاب اليابانية أوساكا    برشلونة يعلن جاهزية لامين يامال    خبراء مغاربة يؤكدون عدم وجود تهديد استثنائي من "فيروس HMPV"    "أدناس" يستحضر تيمة "الشعوذة"    فيروس رئوي جديد يثير قلقا عالميا    المغرب يفرض "رسما مضادا للإغراق" ضد الأفران الكهربائية التركية    مطالب للحكومة بتوعية المغاربة بمخاطر "بوحمرون" وتعزيز الوقاية    الصين تطمئن بشأن السفر بعد أنباء عن تفشي فيروس خطير في البلاد    أسباب اصفرار الأسنان وكيفية الوقاية منها    آخر الأخبار المثيرة عن حكيم زياش … !    المرأة بين مدونة الأسرة ومنظومة التقاعد    حادث سير بشارع الإمام نافع في طنجة يعيد مطالب الساكنة بوضع حد للسرعة المفرطة    المشاركون في النسخة ال16 من لحاق أفريقيا ايكو رايس يحطون الرحال بالداخلة    الهيئة الملكية لمدينة الرياض تُعلن تشغيل المسار البرتقالي من قطار الرياض    تامر حسني يخرج عن صمته ويكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل    سليم كرافاطا وريم فكري يبدعان في "دا حرام" (فيديو)    بنكيران: الملك لم يورط نفسه بأي حكم في مدونة الأسرة ووهبي مستفز وينبغي أن يوكل هذا الموضوع لغيره    الثورة السورية والحكم العطائية..    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يستخف المجتمع المغربي بخطورة محاولات الانتحار؟
نشر في هسبريس يوم 22 - 10 - 2016

منذ استقراري في المغرب لاحظت أن العديد من المغاربة لا يأخذون بالجدية الكافية الأفكار الانتحارية عند المريض ولا حتى محاولات الانتحار التي تنتهي بالفشل. وأندهش دائماً حينما يزورني مريض، مراهق أو شاب أو من الفئات الأكبر سناً، مع مرافقين من أفراد عائلته وأستمع إليهم وهم يروون لي محاولة انتحاره بكل برودة، وكأنه أمر بسيط، أو كأنهم لا يأخذون المحاولة الانتحارية بجدية ولا يرون أنها عملية خطيرة وأن حياة المريض تبقى تحت خطر تكرار المحاولات الانتحارية في أي وقت، خاصة إذا لم يُعالج ويوضع تحت المُراقبة الطبية في مستشفى لحمايته من نوازعه الانتحارية وتوفير الخدمات العلاجية له.
والأخطر من هذا أنه بعد أن يُنقل المريض في أعقاب محاولته الانتحارية إلى قسم المُستعجلات، يتم الاكتفاء فقط بتقديم الإسعافات الأولية له، ومن ثم يُسمح له بالعودة إلى منزله بدون أن يخضع في الحين لفحص طبي نفساني كاف، لتقويم خطورة الانتحار وإصدار ما يجب القيام به لحمايته من طرق علاجية سليمة.
الانتحار يعتبر من الأولويات ذات الخطورة العالية، ويُعد من المستعجلات في الطب النفسي؛ لأنه يهدد حياة المريض، وتقع المسؤولية المباشرة على الطبيب والعائلة في حماية حياته، إذ يجب إخضاعه للعلاج الفوري في المستشفى، خاصة إذا لاحظ الطبيب أن هناك أعراضا ومؤشرات تدل على خطر الانتحار؛ كأن يُعبر المريض شفوياً أو كتابياً عن أفكار انتحارية أو يقدم على محاولة انتحار.
ولا تُشترط موافقة المريض المعني على الخضوع للعلاج، إذ إن القانون يسمح للعائلة والطبيب باتخاذ الإجراءات اللازمة؛ لأن المريض في مثل هذه الحالات يشكل خطراَ شديداً على نفسه، وبالتالي من الواجب وضعه تحت مراقبة صارمة واتباع الطرق العلاجية التخصصية اللازمة وفق القواعد الطبية المتعارف عليها عالمياً.
نجد مخاطر الانتحار لدى المصابين بأمراض نفسية معروفة، وبإمكان الطبيب النفساني في جل الحالات تقويم درجة خطورتها بملاحظة المؤشرات، كما أن هناك أفكارا انتحارية يعبر عنها المريض مباشرة لأقربائه، مثل: "أنا عْييت لْوْكان صْبْت نْقْتل راسي ونْتْهنّا من هادْ الحياة".. أرغب أن أتحدث بمزيد من التفصيل عن هذه الحالة بالضبط.
ألاحظ ألا أحد في مجتمعنا يأخذ بعين الجدية هذه التعبيرات الأليمة عند المريض، ونسمع عادة مثل هذا الجواب: "نْعَلْ الشيطان راهْ حْرام هادْ الشي لي كتقول"..مثل هذا الرد يزيد عذاب المريض؛ لأنه لا يجد من يَحس بعذابه، بل يجد من يزيده إحساسا أشد بالذنب، وهذا بدوره يضاعف وتيرة أفكاره الانتحارية.
من واجب المحيط العائلي عند سماع المريض يعبر عن رغبته في الموت أو الانتحار أن يأخذ الأمر بكامل الجدية والخطورة، ويتوجب عليه مراقبته في كل ثانية وعرضه على طبيب نفساني أو نقله على الفور إذا لزم الأمر إلى أقرب مستشفى.
..لازال الانتحار من الطابوهات المسكوت عنها في ثقافة مجتمعنا، وهذا من الأسباب التي تجعلنا لا ننظر إليه بكل واقعية لتقدير خطورته حق التقدير. كما أن هناك سبباً آخر يرتبط بالاعتقادات والتصورات الدينية الخاطئة الشائعة في مجتمعنا، مثل الاعتقاد بأن الانتحار موجود فقط في الدول الغربية وغير المسلمة، وأن مرض الاكتئاب سببه ضعف الإيمان؛ بينما مجتمعنا محصن تماماَ لأن جميع أفراده مسلمون مؤمنون فلا مكان فيه للاكتئاب والانتحار.
إذا أصيب مريض بالاكتئاب يعتبر في نظر محيطه ضعيف الإيمان؛ وبالتالي يشعر بالعار والخجل من طلب العلاج، وبمرور الوقت يزداد آلاماً وعذاباً. أما إذا كانت له أفكار أو رغبة في الانتحار أو أقدم على محاولة انتحارية، فيتم تلقائياً تفسير ذلك بالكفر وانعدام الإيمان، ويحكم عليه سلفاً بأن مصيره جهنم، ولهذا تسوء حال المريض المسكين وتشعر عائلته بمشاعر الخجل والعار، وتسكت عن خطورة حالة المريض المهدد بالموت في كل ثانية.
رغم هذه الخطورة، مازلنا مع كامل الأسف نسمع هذه العبارات القاسية تتردد على مسامع المريض الذي حاول الانتحار: "أوِلي واشْ باغي ديرْنا شوها في وسط العائلة وجيران والناس" أو "واش بغي تمشي للنار".
مع الأسف الشديد، تعرقل هذه الاعتقادات والطابوهات أخذ حالة المريض بعين الجدية، وتعطل التدابير الوقائية والعلاجية؛ لذلك يجب علينا أن نعلم أن المريض لا يصل إلى قرار الانتحار كحل نهائي لآلامه وعذابه إلا بعد مشوار طويل، وإذا لم نساعده على العلاج فاحتمالات الانتحار تبقى جد مرتفعة؛ لأنه نتيجة مرض نفساني قابل للعلاج، ولا علاقة له بالهوية الدينية للفرد، ويوجد في جميع المجتمعات مع تنوعاتها العرقية والدينية والحضارية.
وقد أعلنت المنظمة العالمية للصحة أن حالة انتحار واحدة تقع في المعدل العام العالمي في كل 40 ثانية؛ أما على الصعيد الوطني فقد تم تسجيل 1628 حالة انتحار في العام 2012، علماً أن هناك صعوبات في تقديم إحصاءات دقيقة لظاهرة الانتحار في مجتمعنا.
المرجو أن نأخذ الاكتئاب بكامل الجدية ونراعي أنه مرض خطير يقود عند الإهمال إلى الانتحار، وأحسن مساعدة نقدمها للمريض هو أن نقف إلى جانبه وأن نعرضه على الطبيب المختص، سواءً بموافقته أو رغماً عن إرادته، وأن نتفادى جميع النصائح المتداولة في الثقافة الشعبية، مثل اللجوء للدجل والشعوذة؛ لأنها خاطئة وخطيرة على حياة المريض.. يكفي أن نلاحظ أن المريض يعبر عن رغبته في الموت أو الانتحار لندرك بوضوح أن أمامنا حالة مستعجلة، وأن حياته في خطر، ويجب عرضه فورا على الطبيب وإخضاعه للعلاج الفوري.
*طبيب ومحلل نفساني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.