(3) ليس من طبيعة أهل الحكم الإيفاء بالعهود إذا لم تكن لصالح سلطانهم وعروشهم، وهذا أمر تشترك فيه البشرية جمعاء على اختلاف مرجعياتها الفكرية والدينية. فقد تعهد السلطان محمد الخامس للحركة الوطنية بإقامة نظام ديمقراطي في مغرب ما بعد الاستقلال وبدستور تصيغه هيئة تأسيسية منتخبة، تعهد كان تنزيله البارز والالتزام السياسي من قبل السلطان، هو ظهير الحريات العامة لعام 1958 الذي أقر بأن النظام السياسي المغربي قائم على التعددية وينبذ فكرة الحزب الواحد، وبأن الحريات العامة والفردية مكفولة للمغاربة، أفرادا وجماعات، إلا أن ولي العهد، الحسن الثاني، كان له رأي وتوجه آخر، سرعان ما ظهر مع بداية توليه الحكم عام 1961، فاختار مواجهة حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد الانشقاق عن حزب الاستقلال في سبتمبر 1959، ونكث العهد الذي قطعه والده للحركة الوطنية، التي أعادت الأسرة العلوية للملك بعد نفيها خارج المغرب. نفس الصفقة، بين الحسن الثاني واليسار بقيادة اليوسفي، سينهيها حاكم العهد الجديد، محمد السادس، حينما لم يمدد لحكومة اليوسفي لولاية ثانية عام 2002، وخالف ما أسمته قيادة الاتحاد الاشتراكي ب"المنهجية الديمقراطية"، حينما كلف إدريس جطو، تكنوقراطي في خدمة المخزن دائما، بتولي منصب الوزير الأول، إجراء ليس جديدا على الحكم المغربي، وقد سبق أن دشن به أول قرار سياسي عقب الاستقلال التفاوضي حينما تجاوز القصر كل القيادات الوطنية السياسية التي كانت تزخر بها الحركة الوطنية وعين خديما آخرا للمخزن، الباشا مبارك البكاي لهبيل، وزيرا لأول وثاني حكومة ما بعد استقلال "إيكس ليبان" عام 1956، حكومة تقلدت فيه، للأسف، شخصيات وطنية وازنة وبارزة، ومن مؤسسي الحركة الوطنية، مناصب وزارية هامشية، لتدشن بمثل هذا السلوك السياسي ميلاد ثقافة الخضوع لنفوذ ورغبات القصر وتفشي الفساد المالي والسياسي في صفوف النخبة السياسية الحزبية وغير الحزبية. مع تنامي الظاهرة الإسلامية، في شقيها الحزبي والحركي، ومع بداية تآكل وتصدع "الأحزاب الوطنية"، تاريخية أو إدارية من صنع وزارة الداخلية، على عهد إدريس البصري، وكإجراء استباقي عقب حصول جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر على الأغلبية في الانتخابات التشريعية عام 1991 وتنامي الظاهرة في العديد من الدول والتجارب، تركيا 1995 وغزة 2005، اضطرت الملكية لتغرف من احتياطها في اليسار لمواجهة هذه الظاهرة المقلقة والمتنامية، على اعتبار أن الفكر اليساري هو النقيض للمشروع الإسلامي و"الحصن" المنيع ضد الإسلاميين. أمام هذا الوضع الدقيق، عادت الملكية لتقوم بعملية "زرع سياسي" لكوادر يسارية راديكالية وليبرالية في جسد سياسي جديد، وبذلك تعيد تجربة "الفديك" بملابسات وتفصيلات جديدة تتناسب مع السياق السياسي والمخاطر الجديدة، فكانت تجربة "البام"، حزب "الأصالة والمعاصرة"، أسس عام 2007 تحت إشراف وإدارة مستشار الملك، فؤاد عالي الهمة، وكان من بين أبرز الكوادر اليسارية المؤسسة له حكيم بنشماس وإلياس العماري وأحمد أخشيشن وحسن بنعدي وخديجة الرويسي والحبيب بلكوش وصلاح الوديع، تجربة تمت تغذيتها وتعزيز صفوفها بشباب الجيل اليساري الجديد، جيل السبعينيات والثمانينيات، جيل لم يعد يرى في أحزاب اليسار التقليدي الأمل لتحقيق طموحاته التنظيمية والسياسية بسبب ترهلها واحتكار قياداتها القديمة لمقاليد الحزب دون غيرهم من المناضلين من الجيل المتوسط والجديد. لقد انتبهت الملكية مبكرا لكوادر اليسار الجديد، منذ أن كان الملك محمد السادس وليا للعهد، إذ كلف زميله في الدراسة حسن أوريد، مدير مركز طارق ابن زياد وقتئذ، منذ عام 1991، بفتح قنوات تواصل وحوار مع بعض رموز هذا اليسار، من بينهم أحمد حرزني وعبد الحي الموذن، كما دشن هذا الحوار مع كوادر من النخب الإسلامية، العدل والإحسان والاختيار الإسلامي، وذلك عبر زيارات ولقاءات فكرية في مقر المركز أو في مقر إقامتهم، كان من بين هذه النخبة رموز ما كان يسمى ب "الإسلام اليساري"، بعض قيادات الاختيار الإسلامي آنذاك، محمد أمين الركالة ومحمد المرواني، كما شارك في بعض هذه اللقاءات والندوات بنيامين ستورا، الباحث الفرنسي اليهودي، المولود بالجزائر، المتخصص في دراسة الأنظمة السياسية المغاربية، تلا ذلك تطورات أخرى دشنت فيها حوارات بين صديق الملك، فؤاد عالي الهمة، وبعض رموز اليسار الجديد أيضا، وعلى رأسهم محمد الساسي ومحمد حفيظ، لنشهد بعد تولي ولي العهد المُلك تدفقا غير مسبوق واستقطابا لكوادر اليسار من خارج مؤسسات اليسار الحزبية، كان أبرزهم إدريس بنزكري وإدريس اليزمي وأحمد حرزني، الذين عينوا على رأس مؤسسات حقوقية وطنية، وآخرون التحقوا بمشروع فؤاد عالي الهمة، "الحركة لكل الديمقراطيين" كمدخل لتأسيس حزب "الأصالة والمعاصرة" لمواجهة حزب "العدالة والتنمية" وحركات الإسلام السياسي الأخرى، العدل والإحسان تحديدا، وتنظيمات الإسلام السلفي الجهادي. في أقل من كلمة، من أجل حماية الملكية من اختبارات التاريخ وإكراهات التغيير ونفوذ القوى الإسلامية، خاصة التي لازالت ترفض حتى اليوم دخول اللعبة السياسية بشروط وإملاءات النظام وتمثل قوة موازية له ومناقضة لمشروعه ومنافسة لشرعيته، جماعة العدل والإحسان تحديدا. (4) مشهد سريالي آخر في حياتنا السياسية بطلاه مرة أخرى الملكية واليسار، تجلى في الرسالة الملكية الموجهة إلى الندوة التي دعا إليها الوزير الأول الأسبق، الاتحادي اليساري عبد الرحمن اليوسفي، في أكتوبر 2015، حملها إليه "رجل مؤمن من آل اليسار يكتم إيمانه"، عمر عزيمان، مستشار الملك، ندوة عقدت بمقر المكتبة الوطنية حول قضية اختطاف اليساري المهدي بن بركة ومكانته في التاريخ المغربي المعاصر، حيث "أثنى" فيها الملك على مناقب الزعيم اليساري وأكد فيها على مكانته في التاريخ المعاصر"، مكانة لم توفر له مكانا يدفن فيه كباقي خلق الله. تشكل هذه الرسالة حدثا بارزا في العلاقة بين الملكية واليسار حول قضية تثار اليوم بهذا الزخم السياسي قصد خلق جو مصالحة ورفع العتاب بين الطرفين، لعل "دم بن بركة" يصلح ما أفسدته السياسة ودسائس القصر بينهما. لو كان اليسار صادقا في وفائه لروح المهدي بن بركة لما انشق قادته عن حزب المهدي عام 1975، ولما تخلوا عن القيادات الوطنية الوفية لروح المهدي، أمثال مولاي عبد الله إبراهيم والفقيه البصري ومومن الديوري ومحمد الحبابي، وفضلوا الدخول في حمى النظام طمعا في مصالح شخصية، فأفنوا أعمارهم دون تحقيق مبادئ وطموحات اليسار، والتي كانت وراء خروجهم من حزب الاستقلال، الذي آثر دفء السلطة تحت جلباب الملكية على صقيع السجون وساحات الإعدام وعواصم الاغتيال. ها هو اليسار، الذي لعب أدوارا حيوية ومتناقضة، مرة في إصلاح أعطاب الملكية منذ استقلال "إيكس ليبان" ودعمها في أحلك أزماتها، ومرة في محاولة إسقاطها والتآمر عليها مع المؤسسة العسكرية وجهات معادية للملكية حينها، جزائر بن بلة وبومدين وليبيا القذافي ومصر عبد الناصر. ها هو اليسار يعمل اليوم على توظيف اغتيال بن بركة كجسر للعبور نحو تحالف جديد مع الملكية وربيبها، "حزب الأصالة والمعاصرة"، "فرانكنشتاين" القصر، في أفق استحقاقات السابع من أكتوبر الجاري، في مواجهة يخطط لها ضد حزب العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان والحركات الإسلامية بشكل عام. مرة أخرى يعود اليسار إلى شعاراته البراقة، والتي لم يقل بها حزب يساري في العالم منذ سقوط معقل اليسار في الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية والصين لفائدة الاقتصاد الليبرالي والديمقراطية والمبادرة الحرة، من خلال دعوته للم شمل اليسار، وهي دعوة مشفرة موجهة للملكية عبر مستشار الملك، عمر عزيمان. يتعامى اليسار، والملكية تجاريه في ذلك، ويقفز على حقائق التاريخ والسياسة، ويرفض أن يعترف بأن ما يسمى باليسار قد مات وانتهى منذ عام 1975 حينما انشق عبد الرحيم بوعبيد ومريديه عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بزعمه بأن قادة الاتحاد الوطني، في الداخل والمنافي، لازالوا يحلمون بالفكر الثوري ويعملون من أجل إسقاط الملكية، فيما الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فضل التغيير من داخل المؤسسات جنبا إلى جنب مع الملكية. مرت عقود وأكدت الأحداث بأن الملكية لازالت تنفيذية مطلقة وماسكة بتلابيب السلطة ومتحكمة في المال العام ومؤسسات الدولة، ولازال الملك، بدستور أو بدون دستور، بالفصل (19) أو بدون تسميته في دستور 2011، هو القابض بزمام جميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والأمنية والدبلوماسية والعسكرية والدينية، فيما أصبح لدينا عشرات الأحزاب، سواء تلك التي خرجت من رحم الحركة الوطنية وحزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد الانشقاق، أو تلك التي صنعها النظام لمواجهة تلك الأحزاب الوطنية في عهد الحسن الثاني وولي عهده ورجالاتهما، رضا كديرة ومحمد أوفقير وعبد الكبير الخطيب ومحجوب أحرضان وإدريس البصري وأحمد عصمان والمعطي بوعبيد وفؤاد عالي الهمة وحكيم بنشماس وإلياس العماري وآخرون. لم تتوقف توافقات اليسار مع الملكية فقط حول الشأن السياسي وخدمة كوادره كقطع غيار في ماكينة المخزن المهترئة والمتآكلة منذ الاستقلال التفاوضي، بل توسعت خدماته، وهي في حقيقة الأمر جزء جوهري من إيديولوجيته المعادية للإسلام، لتشمل قضايا تتعلق بثوابت الإسلام، حيث عبرت العديد من الأصوات اليسارية من مواقع مؤسساتية مختلفة، رسمية وغير حكومية، عن تضامنها ومطالبتها بالمساواة بين الرجل والمرأة في الإرث، رغم صريح النص القرآني، ودعم ممارسي اللواط والمجاهرين بالإفطار في رمضان الكريم، بالرغم مما أجمع عليه علماء الأمة، من المتقدمين والمحدثين، بحرمتها وتجريمها، كما عبروا، خلال مناسبات عديدة، عن وقاحتهم في مخاطبة الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم وآل بيته الكرام ومع التاريخ الإسلامي ورجالاته، وساندوا تنظيم المناسبات الخادشة للحياء من مهرجانات العري والعار وتظاهرات الشواذ والسحاقيات، واستقبال كل فكر معاد للإسلام ومشكك في تاريخيه ونصوصه وأحكامه وثوابته. هذا هو اليسار الجديد الذي يطل على المجتمع المغربي اليوم بمساحيق براقة وشعارات مخادعة في محاولة مكشوفة لكسب ود ورضا الملكية، مرة أخرى، بزعمه أنه قادر على مواجهة حركات وأحزاب المشروع الإسلامي ومستعد للتحالف مع حزب النظام، الأصالة والمعاصرة، للمشاركة في قيادة حكومة ما بعد استحقاقات 2016 التشريعية. (5) لقد أكد النظام السياسي القائم عجزه في قيادة الدولة المغربية بحنكة ودراية وصيانة مصالحها الإستراتيجية الإقليمية والدولية في العديد من القضايا والملفات، من بينها المدن والأراضي المغربية التي لازالت تحت سلطة وسيادة الاحتلال الإسباني لأكثر من خمسة قرون، وقضية الصحراء الوطنية التي لازالت تراوح مكانها منذ أزيد من نصف قرن، دون الحديث عن الأراضي والمدن التي احتلتها الجزائر، واستقلال موريتانيا عن الوطن الأم، والثروات الوطنية التي فوتها النظام للرأسمال الأجنبي المتوحش والأوليغارشية الوطنية عن طريق نظام الامتياز والخوصصة، وتبعية الاقتصاد والسياسة المالية والنقدية لسياسات المؤسسات النقدية والمالية الدولية، كما فشل في حماية قيم وهوية المجتمع المغربي الإسلامية. نظام في حالة إفلاس تام. لقد آن الأوان لينهض أبناء الحركة الإسلامية، ومعهم كل من يؤمن بدولة الإسلام حكما ومنهج حياة من أبناء مختلف المشارب الفكرية الحزبية والمستقلة تحت ظل عدل الإسلام ورحمته، وهم أولى بالدعوة لتوحيد رؤيتهم ووجهتهم ومشروعهم لبناء حكم راشد يعيد المغرب والمغاربة لإسلامهم، يعيشون تحت ظل عدله وسلطانه وشرعيته، مشروع سياسي مدني وشرعي، من الممكن أن تقوده أكبر التنظيمات الحركية والسياسية في المغرب اليوم بدون منازع، جماعة العدل والإحسان، مشروع يضع الدولة المغربية في المكانة التي تستحقها بين الأمم، دولة مستقلة ذات سيادة على كافة أراضيها التاريخية وضامنة لأمنها الوطني والقومي، دولة آمنة مطمئنه تحقق الاكتفاء لشعبها، جالبة لأبنائها في الداخل والخارج وحاضنة لهم ولقدراتهم العلمية وخبراتهم المهنية، دولة لجميع المغاربة دون تمييز أو تفريق على أي أساس كان، دولة تنتج وتصنع بالعلم وليس دولة تعيش على القروض والهبات والصدقات والعطايا طاردة لأبنائها نحو أصقاع الأرض، دولة تحافظ على استقلالية قرارها السياسي وسيادتها الوطنية ووحدتها الترابية وأمنها الاجتماعي والاقتصادي والفكري. نقول بأن جماعة العدل والإحسان هي التنظيم السياسي الأقدر اليوم على طرح نفسها بديلا عن النظام السياسي القائم لأسباب عديدة، أولا، لأنها استطاعت أن تحافظ على كيانها ومشروعها لما يزيد عن أربعة عقود رغم محاولات النظام المتكررة لاختراقها وشق صفها وقصم ظهرها واستمالتها ترهيبا وترغيبا دون جدوى، وثانيا، لأنها لديها طرح سياسي ورؤية شاملة لإدارة شؤون الدولة وقيادة المجتمع انطلاقا من جوامع المشروع الإسلامي، وثالثا لتوفرها على الموارد البشرية لتسيير المؤسسات بكفاءة ونزاهة، موارد تحتاج، رغم ذلك، إلى المزيد من الخبرة والإلمام بالشؤون الدولية والإقليمية وفنون الريادة والإدارة السياسية والاقتصادية والمالية، كما تحتاج إلى استكمال وبسط مشروعها الاقتصادي والتعليمي والعلمي والحقوقي والدستوري لعموم الناس، وللنخب السياسية والطبقة الوسطى. تحتاج قيادة الجماعة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى التعريف بنفسها أكثر للمجتمع المغربي وفئاته المجتمعية قاطبة، وأيضا تقديم المزيد من الوضوح بشأن أهدافها السياسية والسبيل لذلك ضمن آليات العمل السياسي النضالي المتعارف عليه في الديمقراطيات العالمية، عبر آليات المشاركة السياسية والانتخابات، أو ما يمكن تسميته بالشرعية المؤسساتية، رغم العوائق القانونية والإجرائية التي وضعها النظام لإخضاع القوى السياسي والاجتماعية لشروطه، أو عبر ما يمكن تسميته بالشرعية الشعبية المباشرة، أي قيادة الجماهير نحو التغيير، وهو الخيار الذي عبرت عنه خلال تجربة حركة 20 فبراير وأجهض، خيار يمكن أن يتكرر إذا ما توفرت له الإرادة السياسية المتبصرة والظروف الاجتماعية ودينامية الصراع مع النظام وأخطائه القاتلة والمحفزة على التغيير. ليس هناك أي خيار ثالث سوى انتظار أمر خارق خارج عن الفعل الإنساني والسنن الاجتماعية التي جعل الله الأخذ بها من صميم عقيدة الإسلام، مع التوكل عليه سبحانه في المبتدأ والمنتهى، ذلك لأن حركة الحق والباطل وصوتهما يعلوان على بعضهما هنا أو هناك كلما قام أهل الحق وأئمة الباطل بالانتصار للحق أو للباطل، أخذا بالأسباب المادية الموجبة للنصر والهزيمة. وما النصر إلا من عند الله. تحتاج قيادة العدل والإحسان إلى الانتقال من أفعال الجماعات إلى أفعال الأحزاب الكبرى التي تتهيئ لقيادة مجتمع ومؤسسات وطنية، وذلك من خلال مؤسسات تنشئها، إعلامية واقتصادية ومالية استثمارية وخدماتية مثل المستشفيات والمؤسسات التعليمية لإعداد الأجيال، مؤسسات تمنحها الفرصة السياسية والاجتماعية للتعامل المباشر مع المواطن وتقديم الخدمات له، وأيضا لإتاحة الفرصة لأبناء الجماعة والمتعاطفين معها لنيل الخبرة والشهادات العليا والمهارات المهنية الريادية. نقول بأن حزب العدل والإحسان أجدر اليوم بقيادة مشروع التغيير أمام باقي القوى السياسية والحزبية، التي أشربت هوى النظام وآثامه، أجدر لأنه يمثل المشروع النقيض والند السياسي للنظام القائم. حزب وليس جماعة، لأنه من ناحية الشرعية هو حزب بكل مقومات الحزب، مؤسسات وتنظيم وقيادة وتاريخ وأدبيات ومشروع وقواعد وامتداد محلي ووطني وفي المهجر، أما من ناحية المشروعية، فهذا سجال فكري نظري ومنهجي مثله مثل مسألة الاعتراف بالدولة عند تأسيسها في القانون الدولي العام، إذ أن المشروعية، أي اعتراف الدولة بحزب العدل والإحسان، هو إجراء كاشف لهذا الكيان السياسي وليس منشئا له، أما شرعيته فيأخذها وينالها من وجوده الاجتماعي والسياسي والواقعي عبر فعل نضالي يتقاطع مع مؤسسات وطنية ودولية عبر عقود من الزمن. بل إن النظام السياسي سبق أن تعامل مع الجماعة وقيادتها من أجل اعتراف متبادل عبر وسطاء من دائرة القصر أو من شخصيات وطنية، إلا أن عنجهيته الفارغة وعناده اللامسؤول وتكبره واستعلائه على القوى الوطنية فقط حال دون تحقيق تحول العدل والإحسان من الجماعة إلى الحزب. للأسف، تهافت بعض التنظيمات الإسلامية على العمل الحزبي والمشاركة السياسية اللامتكافئة أضعف موقف الجماعة وأطمع النظام في باقي القوى الإسلامية. *أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية