بقامته المتوسطة، غير فارع الطول ولا بالغ القصر، وبشيبه الذي غزا شعر رأسه ولحيته المشذبة بعناية، خاصة منذ وصوله إلى رأس الحكومة، وببطنه التي تسبقه بسبب خمول الحركة وقلة الرياضة، يدلف عبد الإله بنكيران رويدا نحو يوم الجمعة الذي يأمل أن يكون بوابته إلى ولاية حكومية ثانية. وحتى لو اختلف بشأنه الناس بين من يصفه بالزعيم الذي قرب السياسة من عقول وقلوب المغاربة، وبين من ينعته بالقيادي الشعبوي الذي لا يبقي ولا يذر، ويشكل خطرا على المسار الديمقراطي بالبلاد، فإن ما يُجمع عليه الكثيرون كون الرجل يعد "ظاهرة سياسية وتواصلية" جديرة بالتأمل. "ما يأتي على خاطره يلقيه مباشرة في وجه مخاطبه"..هذا طبع بنكيران كما يعرفه المقربون منه، فهو لا يكلف نفسه حساب تبعات كلامه إلا بعد أن ولج "المشور السعيد"، حيث بدأ يتعلم كيف يفرمل اندفاعه الذي يوصف أحيانا بالتهور، وهو ما كان يدفع "الحكيم" الراحل عبد الله باها إلى القيام بدور مفرمل رفيق دربه. وبعد أن كان بنكيران، الذي رأى النور أول مرة في الرباط سنة 1954، من صنف الرجل "بُو وْدينة" الذي يعطي أهمية قصوى لما يسمع، وقد يبني قرارات على ما يصل إلى أذنيه من أخبار، علمته التجربة الحكومية أن يبتعد عن هذه الخصلة، ويلجأ إلى شعار "مافراسيش"، الذي كان يجد فيه "كم حاجة قضيناها بجهلها". بنكيران..هذا "الوحش السياسي" الذي انتقل من البئر إلى القصر، ومن ضيق العمل السري للجماعة الإسلامية إلى رحابة العلن، والذي اكتوى أكثر من مرة من حدود التماس المبهمة في علاقاته بالمحيط الملكي، خاصة فؤاد عالي الهمة، دافع عن المؤسسة الملكية بشراسة، حتى إنه بدا للبعض كأنه "ملكي أكثر من الملك نفسه"، بيْدَ "لا يقبل الانبطاح"، كما صرح ذات خطاب انتخابي. سلوكه الرافض لما سماه الانبطاح، رغم إقراره بتأثيرات خطاب العرش وبلاغ الديوان الملكي بشأن حليفه الحكومي نبيل بنعبد الله، جر عليه غضب جهات في الدولة باتت تعتبره شخصا مزعجا للغاية، وتفكر في أكثر من سيناريو للتخلص منه، ويرى آخرون أن الرجل لم يحارب الفساد، وأن دموعه الأخيرة إيذان برحيله الوشيك، بينما يعتبره مناصروه رجل المرحلة الذي بدونه قد تسير البلاد إلى النفق المسدود.