تشير العديد من المؤشرات إلى أن الانتخابات التشريعية لسابع أكتوبر ستكون صعبة للدولة لأنها لا تعرف كيف تتحكم في أوزار الأحزاب السياسية التي تكون الرقم الصعب في المعادلة الانتخابية التشريعية المقبلة، خصوصا حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية. بالنسبة لحزب الأصالة والمعاصرة تعتبر الانتخابات التشريعية لسابع أكتوبر مصيرية لمستقبله السياسي لأنه يطمح إلى أن يكون الحزب البديل للعدالة والتنمية في السلطة، في حين يأمل حزب العدالة والتنمية في أن يبقى حزب السلطة لولاية ثانية، بينما تطمح الأحزاب الأخرى إلى أن تبقى في حلبة المنافسة، خصوصا حزب الاستقلال الذي يراقب التنافس القوي بين حزبي "البام" و"البيجيدي" بكثير من الحذر ويحلم بخلق المفاجأة، الأمر الذي يوحي بأن نتائج الانتخابات التشريعية المقبلة ستحتم على المشهد السياسي المغربي أن يبقى مفتوحا على كل الاحتمالات. انتخابات الحذر والترقب والمفاجآت: تواصل الأحزاب السياسية حملاتها الانتخابية وسط كثير من الترقب والحذر والتخوف نظرا لأن السياق العام الذي تنظم فيه هاته الانتخابات فيه الكثير من الغموض والمخاطر والتحديات والرهانات، خصوصا بالنسبة لالياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، وعبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، لأن كلا منهما لن يقبل بسهولة نتائج الاقتراع لأنها ستؤثر على المستقبل السياسي لكل واحد منهما، إنها انتخابات التحدي بين قادة الحزبين اللذين يشكلان ثنائية قوية وليس قطبية، أما باقي الأحزاب- وباستثناء حزب الاستقلال - فإن رهاناتها لن تتجاوز مسألة التمثيلية في الحكومة المقبلة من خلال التحالف مع الحزب الفائز. رهانات حزب الأصالة والمعاصرة والانتخابات: يتفق الكثير من الباحثين على أن الانتخابات التشريعية لسابع أكتوبر ستكون مصيرية للحزب، أما الأمين العام للحزب فانه يدرك جيدا بأن الانتخابات المقبلة سوف تقرر مستقبله السياسي، لذلك تبقى رهاناته تجاوز الفوز بالانتخابات لقيادة الحكومة المقبلة إلى طرح حزبه بديلا لحزب العدالة والتنمية. منذ تأسيسه راهن حزب الأصالة والمعاصرة على مواجهة الإسلاميين وفي مقدمتهم حزب العدالة والتنمية الذي برهن على أنه حزب ملكي بنفس إصلاحي، وهو ما يرفضه إلياس العماري الذي يرى أن الحزب يمثل خطرا، متهما إياه بإرجاع المغرب إلى الوراء منذ توليه تدبير الشأن العام في 2011، ولعل هذا ما يفسر اختيار حزب الأصالة والمعاصرة التغيير الآن" شعارا لحملته الانتخابية وما يحمله من دلالات. ويلاحظ المتتبع للشأن السياسي بعد الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية كيف يخوض الحزب حروبا على كل الواجهات لمحاصرة تحركات حزب العدالة والتنمية وقادته لكي لا يحتل المرتبة الأولى يوم السابع من أكتوبر. لكن رغم القوة التنظيمية والعملية والمنهجية التي يمتاز بها إلياس العماري، الأمين العام للحزب، فإن الأصالة والمعاصرة ما زال يعاني من مسألتين: الأولى عجزه إقناع المواطن بأنه ليس حزب الدولة، وهي صورة لصيقة به منذ التأسيس سنة 2008 رغم أن له الشرعية الشعبية التي منحها له الشعب في انتخابات 2011 و2015. المسألة الثانية هي كون أهم قياداته البارزة تتحمل مسؤولية رئاسة الجهات؛ أحمد اخشيشن رئيس جهة مراكش اسفي، مصطفى الباكوري رئيس جهة البيضاءسطات، إلياس العماري رئيس جهة طنجةتطوانالحسيمة، حكيم بنشماس رئيس مجلس المستشارين، مما سيعرض الحزب لمشاكل كبيرة أثناء تشكيل الحكومة إذا فاز بالمرتبة الأولى يوم سابع أكتوبر، لكنه سيجد سهولة في تحالفاته لأن كل الأحزاب ستسابق للتحالف مع إلياس العماري، باستثناء حزب "البيجيدي" وحزب التقدم والاشتراكية، وفي مقدمتها أحزاب: الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية والتجمع، بالإضافة إلى أحزاب أخرى صغيرة . وهناك مسألة أخرى ستواجه الحزب في حالة فوزه بالمرتبة الأولى يوم سابع أكتوبر وهي ردود فعل حزبي العدالة والتنمية وفيدرالية اليسار وبعض هيئات المجتمع المدني والحقوقي، مما سيضع الدولة في موقف حرج وصعب في كيفية إثبات براءتها من التدخل لصالح حزب "البام" حتى ولو فاز الحزب عن جدارة واستحقاق. حزب العدالة والتنمية والانتخابات: يدرك الحزب أن سياق الانتخابات التشريعية لسنة 2011 ليس هو سياق انتخابات 2016، ويدرك أيضا أن مجموعة من العوامل قد تغيرت، لذا يعي جيدا أن الفوز بالانتخابات المقبلة لن يكون بالأمر السهل أو الهين، خصوصا بعد تدبيره الشأن العام واتخاذه قرارات مؤلمة ولا شعبية بالنسبة للطبقات الشعبية، مثل قرار رئيس الحكومة الأخير المتعلق بالاقتطاع من أجور الموظفين في عز الحملة الانتخابية. حزب "البيجيدي" مارس السلطة وتعامل مع القصر لذلك فهو واع بالمخاطر التي تحيط به وفي مقدمتها التشويش على علاقاته بالنظام أو المخزن، الأمر جعل الأمين العام للحزب يصرح، في كل حملته الانتخابية، بأن علاقاته متميزة مع القصر، وبأنه حزب السلطة لكن بنفس إصلاحي. لكن مقابل المؤاخذات الكثيرة على قيادة الحزب، فإن حزب "البيجيدي" عرف كيف يستغل بعض الفضائح التي عرفتها البلاد مؤخرا كأراضي خدام الدولة، ومنع القباج من الترشح بمراكش، ومسيرة الأحد المعلومة التي استغلها بنكيران ليقدم نفسه وحزبه كضحايا للمؤامرات، واضعا أمام نصب عينه الفوز بالانتخابات المقبلة من أجل الاستمرار في الإصلاحات في ظل الاستقرار في وقت انهارت فيه العديد من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في الوطن العربي. وقد عمل الحزب في كل حملاته الانتخابية على إرسال رسائل عدة إلى أجهزة الدولة والمحيط الملكي أكد فيها بنكيران رغبة الحزب في العودة إلى الحكم لولاية ثانية للاستمرار في سياسة الإصلاح رغم وعيه ببعض التحديات التي يمكن أن تواجهه في تشكيل الأغلبية الحكومية المقبلة، إذا احتل الرتبة الأولى، لأن الأحزاب الرئيسية التي ستحتل المراتب الأولى في الانتخابات المقبلة، وأقصد الاستقلال والاتحاد والتجمع والحركة، ستفرض شروطا تعجيزية للمشاركة في الحكومة، مما سيدفع به إلى قبول هذه الشروط أو العودة إلى الشعب عبر الانتخابات، كما صرح يوم السبت في إحدى تجمعاته، مما سيتطلب تدخل الدولة لدعمه لتشكيل الحكومة، لأن الخطر الحقيقي الذي يمثله حزب "البيجيدي" على الدولة، كما جاء في مقال هشام العلوي بإحدى المجلات الفرنسية نهاية الأسبوع، هو احتمال خروجه من اللعبة السياسية، وعندها سيتحول إلى حركة اجتماعية إسلامية قد تشكل تحديا كبيرا للنظام في المجال الديني الذي يستمد منه قوته ومشروعيته، لذا يرى الأمير مولاي هشام إمكانية بقاء حزب "البيجيدي" في السلطة. حزب الاستقلال والانتخابات: يبقى هذا الحزب من أكثر الأحزاب منافسة لحزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، رغم الهزات التي أصابته نتيجة خروجه من الحكومة وتقربه من حزب الأصالة والمعاصرة ضد العدالة والتنمية، ثم تقربه من حزب العدالة والتنمية ضد الأصالة والمعاصرة بعد نتائج الانتخابات المحلية والجهوية الأخيرة. ومع كل ذلك يراهن الاستقلال إما على رئاسة الحكومة المقبلة، وهذا أمر صعب، وإما المشاركة فيها نظراً لتركيبته الاجتماعية ومنهجيته البراغماتية، سواء مع حزب الأصالة والمعاصرة إذا فاز يوم سابع أكتوبر، أو مع حزب "البيجيدي" إذا فاز هو كذلك، لكون تشكيل الحكومة المقبلة من طرف الحزب الفائز بها يصعب دون التحالف مع حزب الاستقلال. وهناك نظرية معقولة ومنطقية مفادها أن الدولة يمكن أن تتدخل لإيجاد مخرج لإبعاد حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة من رئاسة الحكومة المقبلة، وذلك بدعم حزب الاستقلال ليحتل المرتبة الأولى في اقتراع السابع من أكتوبر ليشكل الحكومة مع "البام" أو "البجيدي" ويجنب البلاد كثرة التأويلات والمخاطر في حالة فوز إما حزب "البام" أو حزب "البيجيدي" بالمرتبة الأولى. الأحزاب الأخرى والانتخابات: كل المؤشرات تدل على أن رئاسة الحكومة المقبلة لن تخرج عن أحزاب "البام" أو "البيجيدي" أو الاستقلال، أما الأحزاب السياسية الأخرى: الاتحاد الاشتراكي والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية والاتحاد الدستوري، فمهامها ستكون حاسمة بالنسبة لتشكيل التحالف الحكومي لكونها لها هامش المناورة ضد الحزب الفائز يوم سابع أكتوبر، وبالخصوص ضد حزب "البيجيدي" في حال فوزه. أما ضد "البام"، فهامش مناورة هاته الأحزاب سيكون محدودا. فيدرالية اليسار الموحد: تغطية الفيدرالية ل 90 دائرة انتخابية لها دلالات، وهي موجهة إلى أحزاب اليسار، وفي مقدمتهم حزب الاتحاد الاشتراكي. ويتبين من الحملة الانتخابية للحزب وخرجات أمينته العامة نبيلة منيب بأن فيدرالية اليسار قادمة وستفوز ببعض المقاعد، خصوصا في المجال الحضري، وستجد نفسها في موقف المعارضة، خصوصا بعد تسرع الأمينة العامة في الحكم بأنها لن تتحالف مع حزبي "البام" أو "البيجيدي" لتحكم بذلك على حزبها بالتموقع في المعارضة لأنه يصعب تصور رئاسة الحكومة المقبلة خارج دائرتي الحزبين. السيناريوهات الممكنة للانتخابات المقبلة: تتعدد الاحتمالات وتختلف السيناريوهات حول نتائج الانتخابات التشريعية لسابع أكتوبر، لكن هناك شبه إجماع عام على أنها لن تخرج عن ثلاثة احتمالات مشروطة بثلاث شروط: أ- حياد الدولة. ب- تصويت المواطن بقناعة دون أي ضغوط.ج- إبعاد كل أشكال الفساد يوم الاقتراع . يتمثَّل السيناريو الأول في فوز حزب العدالة والتنمية بالمرتبة الأولى يوم سابع أكتوبر لكنه سيواجه صعوبة في تشكيل الحكومة دون التحالف مع حزب الاستقلال الذي سيلعب دورا أساسيا في التحالفات البعدية، لذلك سيقبل حزب "البيجيدي" طلبات حزب الاستقلال الوزارية، دون نسيان رهان "البيجيدي" على حزبي التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية مع الانفتاح على أحزابٍ أخرى. والأكيد أن تكلفة تشكيل الأغلبية الحكومية بقيادة "البيجيدي" ستكون باهظة، كما أن إمكانية التخلي عن رئاسة الحكومة بموافقة جلالة الملك إذا ما عجز عن تشكيل حكومة في آجال معقولة تبقى واردة. أما السيناريو الثاني فيتمثل في فوز حزب الأصالة والمعاصرة بالمرتبة الأولى، وفي هذه الحالة فلن يجد الرجل القوي إلياس العماري مصاعب في تشكيل الأغلبية الحكومية، وسيراهن أكثر على أحزاب الكتلة: الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، باستثناء التقدم والاشتراكية، إلى جانب حزب التجمع الوطني للأحرار لضمان أغلبية قوية قادرة على مواجهة معارضة قوية يقودها حزب العدالة والتنمية إلى جانب فيدرالية اليسار. أما السيناريو الثالث فيتجلى في تدخل ملك البلاد والمطالبة بتشكيل حكومة ائتلاف يقودها الحزب الفائز يوم سابع أكتوبر إذا ما كانت لنتائج الانتخابات التشريعية تداعيات ومخاطر على أمن واستقرار البلاد، لأن ذلك يدخل في اختصاصات ملك البلاد الدستورية. على كل، مهما كانت نتائج الانتخابات التشريعية لسابع أكتوبر، فإن المشهد السياسي الحزبي لن يبقى كما كان قبل الانتخابات لكون هاته النتائج ستفرز مشهدا سياسيا جديدا ستتغير فيه المواقع الحزبية مع التشبث بمنهجية الرداءة السياسية. * أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال