على غرار ما حدث يومي 15 و22 مايو، اتسمت مواجهة قوات الأمن المغربية للتظاهرات الت دعت إليها حركة 20 فبراير يوم الأحد 29 مايو بالشدة. حرص الفاعلون المغاربة منذ ظهرت بشائر ربيع الديمقراطية العربي، على وضع بلادهم بين قوسين ك "استثناء" لِما يجري بمنطقة ازدهرت بها على مدى عقود، الشمولية والديكتاتوريات، منطلقين من أن المغرب عرف هذا الربيع قبل سنوات وأن أزهار الديمقراطية أينعت وروائحها تشهد عليها. وحين أعلن عن تأسيس حركة 20 فبراير الشبابية، كإطار للاحتجاجات والمطالبة بالإصلاحات الدستورية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، لم يبدِّل الفاعلون موقفهم، وإن كانوا سجَّلوا "الإستثناء" في خانة تعاطي السلطات مع التظاهرات التي دعت لها الحركة، ثم رسخوه في الخطاب الملكي يوم 9 مارس 2011، الذي قدم مشروع تعديل دستوري يستجيب لمطالب الشباب. حركة 20 فبراير ومطالبها، التي قوبلت بالبداية من أغلب الأطراف الرسمية أو القريبة منها بالإستنكار والتنديد وإلقاء الاتهامات على ناشطيها، أضحت بعد نجاح مسيراتها يوم 20 فبراير وخطاب 9 مارس، محل تقدير واعتزاز، بل أصبحت مطالبها "مطالب مشروعة" وسلوكها للوصول إلى هذه المطالب "سلوكا حميدا". في الوقت نفسه، كان تعاطي السلطات المغربية مع التظاهرات، التي كانت تتم دون التزام بالضوابط القانونية التي تحتاج لإذن مُسبق والإعلان عن مشروع دستور جديد، محل إشادة أطراف دولية، إن كانت دولا أو منظمات حقوقية، وكان آخر هذه الإشادات، تصريحات كاثرين أشتون، الممثلة العليا للإتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية، التي أشادت بالإصلاحات التي أعلنها المغرب، داعية إلى دعم "التقدم المشجع" التي حققه واقترحت ل "التشجيع" زيادة الإعتمادات المخصصة للتنمية الإجتماعية والإقتصادية وتوسيع برامج تقوية أعمق للمؤسسات وولوج أسواق أرحب وتمويل بالغ الأهمية للاستثمارات من قِبل بنك الإاستثمار الأوروبي، وتشجيع أكبر للحركة والتنقل. التيارات السياسية تتسم باللاديمقراطية لكن الوِئام بين السلطات وحركة 20 فبراير بدأ يتبدد منذ منتصف مايو الجاري، والعنف المفرط أحيانا، بات عنوان تعاطي السلطات مع تظاهرات الحركة، وعادت من جديد حملات التشكيك والاتهامات لدرجة التشويه، وهو ما يشجع بروز قلق على مستقبل الربيع المغربي أو "الإستثناء المغربي". السلطات، من خلال تصريحات مسؤوليها أو من خلال ما تنشره صحف مقرّبة منها، تُبرر تدبيرها الجديد – القديم للتظاهرات، في ضرورة إعادة هيبة الدولة إلى الشارع، بعد أن سادت أشكال متعددة من عدم احترام القانون، إن كان في تنظيم مسيرات بدون إذن مُسبق أو عرقلة السير والجَوَلان أو تهديد السير العادي للحياة اليومية للمواطنين. ويقول مسؤولون رسميون، إن حركة 20 فبراير "سقطت في قبضة جماعة العدل والإحسان الأصولية شِبه المحظورة وتيار السلفية الجهادية وحزب النهج الديمقراطي الماركسي الراديكالي"، وجميع هذه التيارات السياسية، تتَّسم - حسب تصريحات المسؤولين المغاربة - باللاديمقراطية وتسعى لركوب حركة الإحتجاجات لأهداف ذاتية. من المطالبة بالإصلاح إلى المناداة بتغيير النظام إلى جانب هذا الموقف الرسمي، تظهر هنا وهناك، شروحات للعنف الذي كان سِمة مواجهة تظاهرات يوم 22 مايو والذي كان استكمالا للعنف ضد مسيرة دعت لها الحركة يوم 15 مايو، باتجاه ما يُعتقد أنه معتقل سري تابع للمخابرات، تمارَس بها انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان. وتتلخص هذه الشروحات في اعتقاد السلطات أن حركة 20 فبراير جعلت من التظاهر والإحتجاج سياسة، وليس وسيلة تحقيق المطالب المرفوعة، وهي ترى أنه على الحركة أن تنتظر ما سيُسفر عنه النقاش والحِراك الذي تعرفه البلاد حول مشروع الدستور الجديد، الذي يستجيب لأغلب المطالب الاجتماعية والسياسية، التي رفعت كشعارات منذ بداية الإحتجاجات بمنح سلطات أكبر للبرلمان ولرئيس الوزراء وتكريس المنهجية الديمقراطية في تعيين الوزير الأول وضمان استقلالية القضاء بموجب الدستور. من جهة أخرى، لاحظت السلطات أن بعض التظاهرات، إضافة لشعاراتها ضدّ مقرّبين من العاهل المغربي، الذين رفعت صورهم، عرفت تغولا في الشعارات المرفوعة لتنتقل من المطالبة بالإصلاح الى المطالبة بتغيير النظام. عنف مفرط وأعربت أوساط سياسية وحقوقية، بعضها لا يشارك في حركة 20 فبراير، عن استنكارها للعُنف الذي مارسته السلطات ضد المحتجِّين. وقالت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان (مستقلة) إن تبرير السلطات للعنف "يمَس الحق في التظاهر والتجمُّع السلمييْن وأنه، بقدر ما يجب أن تضمن السَّير العادي لمختلف مظاهر الحياة اليومية، بقدر ما يجب أن تضمن تمتّع المواطنات والمواطنين بحقوقهم في التظاهر والتجمع السلميين". وأكدت المنظمة أن استعمال العنف، يُعتبر مسّا خطيرا بالحق في السلامة البدنية، وطالبت باستعجال إطلاق سراح جميع الموقوفين ودعت السلطات لتقديم كل التوضيحات حول استعمال العُنف خلال المسيرات وفتح تحقيق نزيه بخصوص استعمال العنف وتحديد المسؤوليات. ويرى الناشط الحقوقي والباحث المغربي عبد العالي حامي الدّين، أن العنف الذي عاد من جديد إلى الشارع المغربي، لم يستهدف فقط حركة 20 فبراير وناشطيها، بل استهدف كل الحركات الاحتجاجية والمطلبية، مثل تحركات العاطلين حاملي الشهادات العليا والأطباء، ليصبح هذا العنف المفرط عنوان المرحلة، لأن السلطات تعتقد أنه وسيلتها "لاسترجاع التحكُّم بالفضاء العمومي وسحب البِساط من تحت أقدام كل أشكال الاحتجاج المجتمعي، بما فيها حركة 20 فبراير". ويخشى حامي الدين، وهو عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الأصولي، المشارك بالبرلمان ورئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان في تصريحات ل swissinfo.ch، من أن يكون العنف "تمرينا على ما تعِدّه السلطات للتعامل مع احتجاجات قد يعرفها الشارع المغربي على مشروع الدستور الجديد"، المتوقع ان يُستفتَى عليه بداية يوليو القادم. في السياق نفسه، يعتقد رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان أن المغرب "يعيش الآن مرحلة انتقالية وصِراعَ إرادات بين مَن يحاول أن يعطي الدستور الجديد عُمقا ديمقراطيا ومَن يحاول أن يُفرغه من مضمونه الديمقراطي، بأن يكون هناك دستور جديد ربّما يكون جيدا ويستجيب لتطلعات الديمقراطيين، لكنه ينتج نفس النُّخب السابقة التي فشلت في الوصول بالبلاد نحو دولة الحق والقانون ولضمان الهدوء وتمرير ما هو ديمقراطي يستخدم العنف إستباقيا". ويحذِّر حامي الدين في تصريحاته ل swissinfo.ch، من أن يؤدّي استمرار الإحتجاج وبالمقابل استمرار العنف، إلى رفع المطالب وتشجيع الأجنحة المتشددة، إن كانت في أوساط المحتجين أو في داخل الدولة، بما قد يزيد من التباعد بين الطرفيْن وتنمحي نقطة التلاقي الممكنة لانتقال سِلمي نحو الديمقراطية. الشارع المغربي.. فاعل جديد وكان عبد العالي حامي الدين من بين أعضاء في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، الذين أعلنوا مشاركتهم في تظاهرات 20 فبراير، مُخالفا لقرار حزبي يحظر على أعضائه المشاركة ودعم 20 فبراير. ويذهب الناشط المغربي إلى أن البلد يعيش الآن أزمة نخبه السياسية، وتحديدا النخب الحزبية التي هي نتاج مرحلة الإستبداد بحصرها العمل السياسي في توافقات وتفاهمات مع الدولة لم تكن تأخذ بعين الإعتبار ميزان القوى، الذي يضمن احتراما متبادلا بين الفاعلين كما يعتقد أن على هذه النخب اليوم أن تُدرك أن هناك فاعلا جديدا، هو الشارع الذي أحدث خللا في ميزان القوى، نتاج تدافُع سياسي لم يعُد يحتمل توافقا سياسيا هشّا. ودعا حامي الدين، الذي يرأس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، القوى والتيارات والشخصيات الديمقراطية المغربية للنزول إلى الشارع للحفاظ على سلمية الإحتجاجات وأيضا على معقولية سقف المطالب (مَلَكية برلمانية)، لقطع الطريق على المتشدِّدين في أوساط المحتجِّين من جهة، ولمنع المتشددين في أوساط الدولة من استخدام العنف، وأن ذلك هو الضمانة الوحيدة لتجنُّب وقوع البلاد في براثِن النموذج اليمني أو السوري.