الرواية غير الرسمية لأحداث سجن سلا أن تشك في الرواية الرسمية للدولة، هذا يعني أن عملية غسيل الدماغ التي مورست عليك منذ الولادة، لم تؤت أكلها، أن تشك في الرواية الرسمية للدولة، يعني أنك تفكر يعني أنك موجود. أحسست بوجودي منذ بدأت أشك برواية المسؤولين وتصريحاتهم وبرامجهم ووعودهم. المسؤولون في هذه البلاد، ليس لهم أي فضل علي سوى أنهم جعلوني أحس بكياني، باستقلالي، بحريتي، بوجودي، لقد كانت هذه الأحاسيس تتزايد عند كل إخلاف لوعد، أو نكث لعهد، أو رواية تكذبها الأيام، أو أسرار تكشفها الأعوام. تعلمت من المسؤولين أن الحق والصدق هو عكس ما يقولون ونقيض ما به يصرحون، أعرف أني بكلامي هذا سأتهم بالمس بهيبة الدولة، لا يهم، أنا لا أكترث لهذه الهيبة الزائفة التي صنعت بالقمع والقهر، أنتم من أسقط هذه الهيبة منذ دستم كرامة هذا الشعب، وأنتم لا تكترثون لكرامتنا كلما أطللتم علينا من أبراجكم برواياتكم الكاذبة، وأحاديثكم الضعيفة الموضوعة. ضحكتم علينا لسنوات، استنزفتمونا أرعبتمونا أرهبتمونا، أنكرتم شموسا من الحقائق ساطعة، وأثبتم حقولا من الأوهام شاسعة، وبين إنكار ما هو معلوم، وإثبات ما هو موهوم، ألفت آلاف السيناريوهات، ووزعت الأدوار جبرا لا اختيارا، وتكفلت وسائل إعلام تافهة بإتمام الباقي، عناوين وملفات وقضايا لا حد لها ولا آخر، عشنا معها في رعب وترقب. 16 ماي وما خلفته من آلاف المعتقلين عذب بعضهم حتى الموت، ضحى أبو ثابت، المهدي بوكيو، رشيد نيني، عبد الله نهاري، مس بالمقدسات، تهديد سلامة المواطنين، المس بهيبة الدولة، أنصار المهدي، الصراط المستقيم، خلية بلعيرج، وخلايا نائمة وأخرى مستيقظة وثالثة مستلقية على ظهرها، وخليط من التهم والملفات والأحداث والروايات، المضحكة والمبكية والمقرفة، كان آخرها ما حدث بسجن سلا من مواجهات بين المعتقلين وقوات الأمن. لما علمت من وسائل الإعلام بما يقع من أحداث بسجن سلا، انتقلت لعين المكان واستطلعت آراء الناس في الشارع ممن كان حاضرا وشاهدا على ما يقع، ثم تواصلت مع بعض عائلات السجناء وبعض الشخصيات الحقوقية والسياسية، واستعنت بما سربه السجناء من بيانات منشورة، وبما جاء في الندوة الصحفية التي عقدها معتقلون إسلاميون سابقون، فخرجت بهذه الرؤية المتكاملة للأحداث، وأحببت أن أضعها بين يدي القراء، خدمة للحقيقة، رغم ما في الأمر من مغامرة ومخاطرة، قد تصنفك في زمن الملفات الجاهزة، ضمن خلية من الخلايا، أو كداعم للإرهاب، لكن إيمانا مني بعدالة قضية السجناء ومظلوميتهم، ورفعا مني لشيء من الظلم والتشويه الذي لحقهم، بعد أن تخلى عنهم القريب والبعيد، من علماء اختاروا الحديث عن جماع الجثث أو دماء الحيض، وصحفيين انحازوا للرواية الرسمية وصوروا السجناء كهمج قتلة، وغيرهم من المطبلين والمزمرين. لست أدري كيف لاتحرك كل تلك الصرخات والاستغاثات والتوسلات، من سجناء ذاقوا الأمرين، قلوبا رحيمة، لست أدري كيف لا تحيي دموع أولئك النسوة، النخوة والشهامة والرجولة التي ماتت فينا من زمان. لست أدري كيف لا تحرك صرخة تلك الأخت الإيطالية جيسيكا مريم، الغيرة على الإسلام، في قلوب من يتكلمون باسم الإسلام، وهي التي تركت دينها لتعتنق دين الرحمة والتآزر والحرية والعزة والعبودية والخضوع لله وحده، حين قالت وهي تصرخ، أمام السجن، هل هذا هو الإسلام؟ سأجيبك أختي، الإسلام الذي يعرضوه عليك في وسائل إعلامهم رواية رسمية فلا تصدقيها، أقول لك حاشا أن يكون ما تعرضت له من اعتداء أنت وأخواتك من الإسلام، ولا أن يكون من فعله بك، منا أو يمثلونا، أو أن يكون في قلبه ذرة من إيمان أو شهامة أو رجولة. الحرية ستعود بك وبأمثالك، والإسلام سيعود بك وبأمثالك، ولن يعود بمن ألف التملق والذل والعبودية، لا تنتظري أختي نصرة من علماء رسميين لا يستطيع الواحد منهم أن يبدي رأيه في مقابلة كرة قدم، ولا تنتظري نصرة ممن ألف موسوعة في أغرب الفتاوي، ولا ممن اتخذ الدين مطية لأغراض انتخابية، ولا ممن ينتظر موجة شبابية ليتسلقها، ولا ممن ظهر له بعد طول أمد أنه كان على خطأ، فاعتذر عن ماضيه لكنه لم يعتذر لآلاف الشباب ممن ورطهم، لا تنتظري نصرة ممن يحرم الأمر وبعد عقد أو عقدين يحلله، فحرم الانتخابات والتصويت ثم أصبح داعيا لها محرضا عليها. لقد انتظرت هذه المدة لأرى هل سينتصر حر أبي لؤلئك المظلومين وذويهم، فلم أر إلا تحريضا عليهم لم ينقطع، من وسائل إعلام لا يعرف أصحابها إلا الحقد والبغض والتحريض، ولم أر من الدولة التي عودتنا أن تسمع منا بآذان مغلقة، وألا تتكلم معنا إلا بنصف لسان، وترى واقعنا بعين واحدة، وتكيل قضايانا بمكاييل متعددة، لم نر منها إلا تماديا في الكذب والظلم. خاض المعتقلون في إطار ما يسمى السلفية الجهادية، محطات نضالية للتعريف بقضيتهم والمطالبة بحقوقهم وإطلاق سراحهم وكشف الحقيقة للشعب المغربي، واستمر نضالهم لسنوات، تلقوا فيها الوعود تلو الوعود، دون جدوى، ومع أولى مسيرات حركة 20 فبراير، أعلن السجناء تأييدهم لها في بيان بتاريخ 21 فبراير، لينخرطوا بعدها في أشكال نضالية غير مسبوقة، ابتدأت يوم الجمعة 25 فبراير، بصعود المعتقل محمد حاجب سور حي ميم 1 ، حاملا معه لافتة كتب عليها، متى سيرحل قانون الإرهاب الإرهابي، ثم التحق به عدد من المعتقلين مهددين بإلقاء أنفسهم في حالة أي تدخل أمني، ثم اعتصم حوالي 300 معتقل بساحة السجن، مطالبين بحضور وزير العدل أو مستشار الملك، ومع انتشار الخبر وسط أهالي المعتقلين، التحق الأهالي رفقة ممثلين عن الجمعيات والمنظمات الحقوقية للاعتصام أمام بوابة السجن دعما للمعتقلين. بعد صلاة العشاء حضر مندوب إدارة السجون حفيظ بنهاشم للتفاوض مع المعتصمين حيث طالبهم بفك الاعتصام السلمي، فقوبل طلبه بالرفض وتشبث المعتقلون بحضور الوزير أو مستشار الملك، واستمر اعتصام السجناء وكذلك الأهالي خارج السجن طيلة ليلة السبت 26 فبراير، صبيحة السبت لجأت إدارة السجن إلى قطع الطعام والماء والكهرباء، عن الحيين ميم 1 و 2، بل وصلت للمعتقلين معلومات بتواجد قوات خاصة وانتشار قناصة في مواقع معينة، استعدادا لقنص المعتصمين سلميا. مساء السبت شرع رجال المطافئ والقوات الأمنية، في تضييق الخناق على المعتصمين مما جعل بعضهم يهدد بإلقاء نفسه من فوق السور، وبعد أربع ساعات تم إبلاغ المعتصمين بحلول لجنة خاصة يرأسها الكاتب العام لوزارة العدل، وبعد مفاوضات ماراطونية، فض السجناء اعتصامهم السلمي والتحق جميع المعتقلين بزنازينهم بهدوء ومسؤولية. صبيحة الأحد وعلى الساعة 11، أجريت جلسة للتأكيد على مطالب المعتقلين وتوثيقها بحضور الأستاذ محمد حقيقي عن منتدى الكرامة كشاهد وموثق، وتعهدت اللجنة المنتدبة من وزارة العدل، برفع المطالب للوزير وباقي السلطات العليا، والعمل على تفعيلها في أقرب الآجال، فأصدر المعتقلون بيانا بكل التفاصيل يوم 28 فبراير. وفي ظل الأجواء المكهربة والمحتقنة التي تعيشها البلاد، اختارت السلطات أسلوب التهدئة والمراقبة عن بعد، في تعاملها مع الاحتجاجات، فكان نصيب المعتقلين من هذا التعامل أجواء من الانفراج والحرية ووعود بالإفراج، حيث استغل المعتقلون أجواء الحرية داخل الزنازن التي أصبحوا ينعمون بها بعد المفاوضات، ليتواصلوا مع العالم لشرح قضيتهم وإيصال صوتهم، فعرفت تلك الفترة تسريب مجموعة من الفيديوات التي تفضح ممارسات التعذيب الوحشي الذي مورس عليهم، وفضح العديد من الملفات كملف معتقل تمارة، وقضية بوشتى الشارف والدكتورة ضحى أبو ثابت والأسرار التي كشفها عبد الرحيم طارق، وأساليب التعذيب التي صورها بطريقة احترافية حمو الحساني، وغيرها من الفيديوات التي لم يجد المشككون إلا أن يصفوها بالمؤامرة والكذب، وغيرها من التهم الغبية، التي تدل على إفلاس أصحابها ومستواهم المنحط. لقد نتج عن تلك المعلومات المسربة، تعاطف شعبي واسع قررت معه حركة 20 فبراير، تنظيم رحلة لكشف هذا المعتقل الذي تمارس فيه جرائم التعذيب على أبناء الشعب المغربي، بل على مواطنين من جنسيات أخرى، كما شكلت تلك الفيديوات المسربة، مصدر إزعاج وإحراج للدولة، جعلها تتراجع عن أسلوب جس النبض والمراقبة عن بعد، فقررت بعد أن تراجعت عن عهودها ومواثيقها مع السجناء، ( ونقض العهود سنة جارية اسألوا عنها مجموعات المعطلين من مجازين وأطر عليا ) انتهاج السياسة الوحيدة التي تتقنها، سياسة القمع والتعدي على الأبرياء والعزل، في هذه الأجواء جاء تفجير أركانة، فسارع السجناء لاستنكاره، ثم بدأت الدولة تتحين أول فرصة، لتنفيذ سياستها، فكان خروج حركة 20 فبراير يوم الأحد 15 ماي، لنزهة معتقل تمارة، إيذانا بهذا التحول، حيث قوبلت هذه الدعوة بقمع همجي، خلف اعتقالات وإصابات خطيرة في صفوف المواطنين. ثم رأت الدولة أن الوقت قد حان ليؤدي السجناء ثمن جرأتهم، فتم صبيحة الاثنين 16 ماي، اقتياد بوشتى الشارف لوجهة مجهولة، ثم توالت عمليات اختطاف بعض السجناء بمبررات شتى، ولما فطن السجناء لهذه المؤامرة، قرروا الصعود لسظح السجن، فتفاجأوا بصعود أعداد من رجال الأمن وحراس السجن، للحيلولة دون تمكن السجناء من الصعود، ثم اكتشف السجناء تواجد أعداد كبيرة من قوات التدخل السريع وقوات الأمن بباحة السجن، فعلم السجناء أن الأمر بيت بليل كما يقال، وأن تدخلا عنيفا بحقهم قد تم إعداده، لترهيبهم وترحيلهم، فقرروا الصعود للسطح بالقوة، مهددين بإلقاء أنفسهم إن حدث أي تدخل أمني بحقهم، وقد أحتجزوا عددا من الحراس فوق السطح ومنعوهم من النزول، لحين إرجاع السجناء الذين اختطفوا ذلك الصباح، أو الكشف عن مصيرهم، لكنهم أطلقوا سراح الحراس فيما بعد. وليس كما جاء في الرواية الرسمية أن القوات جاءت لتحرير الرهائن أو المخطوفين. بعد سماع أهالي السجناء بالخبر تقاطروا على السجن واعتصموا مع عدد من المواطنين المتعاطفين وبعض الفعاليات الحقوقية والسياسية، أمام بوابة السجن، في هذه الأثناء بدأت قوات الأمن رشق المعتصمين بالحجارة، ثم بالقنابل المسيلة للدموع ثم بالرصاص وخراطيم المياه، فأصيب ما يزيد عن 130 سجين إصابات خطيرة، وتروج أخبار عن استشهاد اثنين أحدهما برصاصة غادرة جبانة، مباشرة في الصدر، وفاة لو حدثت في دولة أخرى لقامت الدنيا ولم تقعد، ولقدم المسؤول عن قتل الشعب لمحاكمة فورية. أمام هذه الأوضاع غير المسبوقة في القمع، وجد السجناء أنفسهم مهددين بالتصفية، فقرروا الدفاع عن أنفسهم بالحجارة والعصي والقضبان الحديدية التي اقتلعوها من المرافق المتواجدة بالسطح، ودخلوا في مواجهة مع قوات الأمن، التي استدعت التعزيزات للقضاء على السجناء، واستمرت المواجهات إلى ما بعد فجر الثلاثاء 17 ماي، بعد تدخل المروحيات وبعض القوات الخاصة، وتهديد السجناء بإبادة جماعية بالرصاص، لينقل المعتقلون لوجهات مجهولة ومصير ينذر بما هو أخطر.