تدور في المغرب من حين لاَخر - على الأصعدة الثقافية والسياسية والاجتماعية - نقاشات حامية لم تحسم بعد. تتركز هذه النقاشات حول موضوع هوية المغاربة كشعب وكأمة. فهناك من يرىمثلا أن المغرب دولة اسلامية لأنه بلد تسكنه غالبية مسلمة. وبما أنه وطن تسكنه غالبية مسلمة فإن المغرب إذن وطن للمسلمين. قد يبدو هذا من المسلمات التي لا جدال فيها. فمن هو المسلم في نظر المغاربة؟ وهل المغرب حقا بلد تسكنه أغلبية مسلمة؟ إثارة المسكوت عنه هل الشعب المغربي شعب مسلم؟قد يبدو هذا السؤال غريبا كل الغرابة. لأن الكثير من المغاربة يتوقعون أن المملكةيعمرها شعب مسلم.بالطبع لن ينفي أحد احتمال وجود فئة كبيرة أو صغيرةمن المغاربة داخل الشعب المغربي - تعتبر نفسها أو يعتبرها محيطها -غير مسلمة. غير أن أسئلة من قبيل "هل المغرب حقا بلد تسكنه أغلبية مسلمة؟" هي لمن يتمحص فيها ويتعمق في ثناياها؛ أسئلة شائكة تثير المسكوت عنه. فمفهوم المسلم كما في السنة هو من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان، ويحج البيت الحرام (لمن استطاع اليه سبيلا). فكم من المواطنين المغاربة يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان، ويحج البيت الحرام(إن استطاع إليه سبيلا)؟ لا أعتقد أن نصف الشعب المغربي الراشد يقوم فعلا بكل ذلك بانتظام وانسجام. دعنا نفترض جزافا أن نصف الراشدين المغاربة بالفعل يقومبذلك. فهل هذا النصف الراشد فعلا مسلما؟ بمعنى اَخر: هل يصبغ المغاربة صفة الإسلام على كل الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويصومون رمضان؟ طبعا لا. فقد تجد من يقيم الصلاة و يؤتي الزكاة ويصوم رمضان، ويحج البيت الحرام؛ ومع ذلك لا يفوز باعتراف تام على أنه مسلم. إسال الناس في الشارع العام عن رأيهم مثلا في الشيعةالمغاربة(وقد يكونون كُثُرٌفي المملكة حسب الإعتقاد؛ وإن كانوا لا يعلنون تشيعهم تخوفا من محيطهم).من المحتمل أن الأغلبية الساحقة مستعدة لتكفير كل الشيعة أو الكثير منهم؛ والسبب ليس لأنهم لا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويصومون رمضان، ولكن للإختلاف الذي قد يبدو كبيرا بينهم وبين من يعتبر نفسه من السنة المسلمين. إلى جانب الشيعة هناكطرائق مختلفة داخل الجماعات المسلمة يُنظر إليها بعين الريبة والشك إن لم يكن التكفير في أحيان كثيرة من نصيبها. نذكر من هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر؛ الطريقة البودشيشية والحركة السلفية والحركة الياسينية(نسبة لأتباع السيد عبدالسلام ياسين) وغيرهم كثير... هذا دون التطرق للحركات الجهادية كالقاعدة وأنصار تنظيم الدولة الإسلامية وما شابههم من الحركات الجهادية التي تؤمن بفتح الأمصار والأقطار عن طريق السيف والرصاص.مَنْ مِنْ أولائك وهؤلاء ينتمي لدار الإسلام حسب المغاربة ومن يُخرِج نفسه هو (أو يُخرِجه غيره) من إسلام الكثير من المغاربة؟ نقاش من هذا النوع هو نقاش شائك في المجتمع المغربي وغير مضمون العواقب. لذلك لا يثار إلا نادرا. لأن إثارته غالبا ما تجعل من يثيره في فوهة بركان. فهناك دائما من سيتهمه إما بالزندقة أو التشيع أو المروق عن الدين وما إلى ذلك من الصفات والنعوت التي تمهد الطريق للطعن فيه أو سجنه أو قتله أو على أقل تقدير الإضرار به وبسمعته... تكفير المكفرين كفرت بالأمس الذي يصلي فقط ولا يصوم؛ لا لشيئ إلا لأني أنا أصلي صلواتي الخمس وأصوم. وكفرني اليوم الذي يصلي ويصوم؛ ويضيف ركعتينوصيام يومين. فذهب تكفيري سدى وكذا صيامي وصلوات عشر سنين... وما توقف الشأن عندنا نحن الإثنين؛ فجاء من كفرنا جميعا لأنه الوحيد بيننا من يعفو عن اللحية ولا يرتدي لباس الإفرنجة الكافرين. هكذا يتيه التكفير بيني أنا وبين الكافرين منا والمكفرين. وسنتنابز بالألقاب ونتطاحن ونتقاتل إلى يوم الدين، أو نفني بعضنا البعض قبل يوم الدين. فلا منا ولا فينا منتصر ولا منهزم ونحن كلنا الخاسرون. فأخبروني يا فقهاء الأمة يا دعاة المسلمينالموحدين؛ هل يحق لمن يعفو عن اللحية ويرتدي لباس الأولين؛ أن يكفر ما شاء من المسلمين ولا يزكي إلا نفسه وأمثاله من المؤمنين؛ بكل بساطة وكأنه وحيد زمانه العارف بكل أمور الدين؟ وهل يجوز تكفيري لكل من كفرت أنا؛ وهل تكفيرُ من كفرني مباحٌ ياترى أم هو تشددٌ فحسبُ بعيدٌ عن اليقين؟ وماحكمُ تكفير من يكفر المكفرين جميعا؛ ويأتي بعده من يضمه هو الاَخر لزمرة الكافرين...؟ أعينونا على فهم فقه التكفير يا حكماء الدين إن كنتم فعلا فقهاء لهذه الأمة ولهذا الدين. التسامح الديني التسامح الديني (وغير الديني) في المغرب (كما في الكثير من الدول الإسلامية) لم يصل بعد مستوى النضج بحيث يعلن المرتد (أو الذي لم يسبق له أن أعلن إسلامه) عن ردته (أو عن عدم إسلامه) دون أن يخشى مكروها يصيبه أو عقوبة تنزل عليه. فلا يزال منطق القبيلة هو السائد هنا وهناك في عموم المملكة. ففي المغرب توجد أغلبية تعتقد على ما يبدو أنها مسلمة وتتوفع من جميع المغاربة أن يكونوا هم أيضا مسلمين و بالضبط مسلمين على شاكلتهم هم فقط. فمن يعلن خروجه عنهم فقد أعلن في منظورهم أيضا خروجه عن الملة والدين. وهذا هو المقصود بمنطق القبيلة. فمن ينتمي للقبيلة عليه أن ينتمي أيضا لمبادئ القبيلة. إن أعلن عضو من القبيلة رفضه مبادئ القبيلة التي ينتمي اليها؛ فقد أعلن العصيان لسادة القبيلة ولكل أبناء القبيلة. فسيصبح من المغضوب عليهم ما دام حيا، هذا إن لم يتعرض لعقوبة الطرد من الإنتماء للقبيلة. من المؤكد أن المغاربة ليسوا كلهم مسلمون. ومن المؤكد أيضا أن الكثير من الذين يعتبرون أنفسهم مسلمين قد يعتبرهم غيرهم غير مسلمين. هناك على ما يبدو أغلبية من المغاربة تتشابه في إسلامها وهناك أقلية (حسب الإعتقاد) إما أنها غير مسلمة بشكل تام وإما أنها لا تشبه الآخرين في إسلامها وفي ممارستها للشعائر الإسلامية. بناء على هذايمكننا أن نطرح السؤال التالي: ماذا عسى الأغلبية فاعلة بتلك الأقلية الدينية إن تجرأت وأعلنت كفرها أو اختلافها الديني؟ أتتغاضى بكل تسامح عن ذلك وتتقبل الأمردون حقد أو كراهية (بناء على: لكم دينكم ولي دين)؟ أوتضطهدها وتتمادى في اضطهادها لتنغص عليها حياتها وبالتالي إرغامها على الإنضمام للأغلبية أو على الأقل إخفاء كل اختلاف بينها وبين الأغلبية من حولها؟أم أنهاتحاكمها بتهمة الردة أو المروقعن دين أجدادهالتلقي بهابعد ذلك في غياهب السجون؟ لا أعتقد أن بإمكانك أن تجد حاليا مجتمعا متحضرا يقبل باضطهادوتركيع شريحة أو فئة من مواطني بلده بناء على تهمة الإختلاففي الرأي أو الدين. فرقيُّ الأُمَم قد يُقاس بمدى تقبل المجتمع للإختلافات داخل المجتمع ومدى حماية القانون لمختلف الأقليات؛ سواء كانت أقلية عرقية أو دينية. فالمجتمعات المعاصرة المتحضرة تتعايش فيما بينها بناء على المواطنة الكاملة والإحترام المتبادل لمبادئ وآراء الاَخرين. والقانون يبقى دائما فوق الجميع والجميع يحتكم عند الضرورة للقضاء النزيه المستقل. هكذا تكون دولة الحق والقانون وهكذا ينبغي أن يكون عليه الأمر في المغرب إن أراد المغرب أن يكون فعلا دولة الحق والقانون.