يحذر علماء الشريعة من تسرع المسلم في تكفير أخيه المسلم، ويشددون على أن المسلم الذي دخل في الإسلام بيقين، لا يخرج منه إلا بيقين مثله حسب باحثين شرعيين. كما يفرقون بين تكفير القول، وتكفير القائل، فلا يلزم من تكفير فعل أو مقالة ما، الحكم بكفر قائلها، لأن تكفير الشخص المعين لا يكون إلا بشروط مع انتفاء موانع محددة، وهو ما يصعب عملية تكفير المعين. لكن جماعات الغلو تنحو إلى تكفير المسلم بما لا يكون مكفرا في ذاته وحقيقته، تماما كما فعل الخوارج ذلك في الممارسة التاريخية الإسلامية، بتكفيرهم مرتكب الكبيرة، الذي خالفوا به الأصول الشرعية الصحيحة، وما اتفق عليه علماء الأمة ومجتهديها. فما هو التكفير بغير مكفرات حقيقية؟ ومن الذي يحدد إن كان ذلك الأمر مكفرا أم غير مكفر؟ وما هي أبرز صوره التطبيقية عند جماعات الغلو؟ وما هي مآلات تطبيقه، ونتائج إنزاله الخاطئة في واقع المسلمين؟. خطورة التسرع في تكفير المسلم نظرا لما يترتب على تكفير المسلم من أحكام ونتائج خطيرة، فقد حذر العلماء من التساهل والتسرع في تكفير المسلم، ودعوا إلى التثبت والاحتياط في هذا الأمر، لأن الأصل بقاء المسلم على الإسلام، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا بدليل قاطع وفقا للداعية والباحث الشرعي الأردني الدكتور حسام الدين الحنطي. وبين الحنطي أن التسرع في التكفير وعدم التثبت، وترك الاحتياط فيه له مخاطر كبيرة تظهر في جانبين: ديني واجتماعي، أما الجانب الديني فإن المتسرع بالتكفير على خطر عظيم من أن يقع هو في الكفر، أما بالنسبة للمكفَّر فإن الحكم على المسلم بالردة يترتب عليه أحكام، أخطرها إهدار دمه. وتابع «أما مخاطرة وآثاره الاجتماعية فإنها ترتد على واقع المسلمين الاجتماعي، بتمزيق المجتمع المسلم، وتغذية البغضاء بين المسلمين بل ربما أدى إلى إهدار المسلمين دماء بعضهم بعضا». وأضاف الحنطي «من مخاطر المسارعة في التكفير كذلك حرف وجهة المسلمين عن الخط الطبيعي في توظيف طاقاتهم، إذ تستنفذ جهودهم في غير مواضعها الصحيحة، من نشر الدعوة والعلم النافع والعمل الصالح، وتجميع الصفوف في البناء الشامل للمجتمع المسلم في كل ميادينه ومجالاته، وإدارة الصراع مع الأعداء. ولفت إلى ضرورة مراعاة جملة من الضوابط الشرعية قبل الإقدام على هذا الأمر الخطير، ومن أهمها: ضرورة التثبت في نسبة الكفر إلى المسلم، والتنبه إلى أن لازم المذهب ليس بمذهب، أو التفريق بين الكفر الصريح والكفر الاستلزامي، وملاحظة إن الكلام يحتمل غير الكفر ولو على وجه ضعيف، والتفرقة بين ما يعذر المسلم بجهله أو فيما يشتبه عليه دليله وما لا يعذر فيه. من جانبه قال الباحث الشرعي العراقي، رياض الزبيدي «إن «التكفير بغير المكفر الحقيقي، يكون بتكفير المسلم بما لا يكون مكفرا في ذاته، بل بتوهم المُكفِّر أنه مكفر وهو ليس كذلك،ومثاله ما وقع فيه الخوارج، بتكفيرهم المسلم بالكبيرة، خلافا للأصول الشرعية، وما اتفق عليه علماء الأمة من عدم تكفير مرتكب الكبيرة. وأوضح الزبيدي أن خطأ جماعات الغلو قد يقع في التأصيل كما يقع في التنزيل، ففي جانب التأصيل يذهبون إلى اعتبار بعض الأمور المحتملة مكفرة، وهي ليست كذلك في ذات الأمر، ويكفرون باللوازم والظنون المتخيلة، وأما الخطأ في التنزيل فيكون من جهة عدم تقيدهم بشروط تكفير المعين وانتفاء موانعه. التكفير بغير مكفر حقيقي.. صوره ومآلاته من الذي يحدد فيما إذا كان التكفير بمكفر حقيقي أم بمكفر غير حقيقي؟ وما هي أبرز صور التكفير بغير مكفرات حقيقية كما هو شائع ومتداول في أوساط جماعات الغلو؟. وما هي نتائج ذلك وتداعياته ومآلاته؟ أجاب المنظر الجهادي الأردني، أبو محمد المقدسي بأن المرجع في تحديد ما إذا كان القول أو الفعل مكفرا أم غير مكفر هو الكتاب والسنة وسيرة النبي عليه الصلاة والسلام، ويستفاد في ذلك من أحكام القضاة الشرعيين في القرون المفضلة، وليس لأحد أن يكفر بعقله أو خصومته. وأشار المقدسي إلى أن بعض الغلاة يكفرون بلازم القول أو بأقوال محتملة أو بردود أفعال، أو لخصومات، وبعضهم يكفر بإطلاقات للعلماء تحتاج لضبط وبيان، وأخص من ذلك بعض إطلاقات أئمة الدعوة النجدية فقد وجد كثير من الغلاة ضالتهم فيها على حد قول المقدسي. وردا على سؤال ما الذي عناه بقوله إطلاقات العلماء خاصة أئمة الدعوة النجدية؟ ساق المقدسي أقوالا لأئمة الدعوة النجدية (للشيخ حمد بن عتيق، والشيخ محمد بن عبد اللطيف..) تستند إليها جماعات الغلو في إسناد ممارساتها من الناحية الشرعية. ومثّل المقدسي بفتوى علماء العارض (الرياض) وفيهم محمد بن إبراهيم آل الشيخ وسليمان بن سحمان الذين كفروا الدويش ومن معهم من القبائل لما انحازوا من نجد إلى حدود الكويت فكفروهم واستحلوا دماءهم، لأنهم خرجوا من دار الإسلام إلى دار الكفر، وعلق المقدسي في إشارة منه إلى تطابق حال بعض جماعات الغلو حاليا مع تلك الحالة بقوله «وما أشبه الليلة بالبارحة». ولفت إلى أن «أخطاء التكفير التي يقع فيها الغلاة أو المبتدئين عموما كثيرة» وقد أحصى أشهرها فبلغت (33) خطأ، بينها وعالجها في كتابه المسمى بالرسالة الثلاثينية في التحذير من أخطاء التكفير. وفي السياق ذاته ذكر الداعية والباحث الشرعي إحسان العتيبي أن للتكفير بغير مكفر حقيقي صورا عديدة عن جماعات الغلو منها: التكفير لكل معصية جاء وصفها ب»كفر» أو أن فاعلها «كافر» دون التفريق بين ما كان كفرا مخرجا من الملة، أو غير مخرج، وبين ما كان كفرا مخرجا وكفر نعمة، فالحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة، وقتل النفس والطعن في الأنساب والنياحة.. الخ كل ذلك أطلق على فعله لفظ «الكفر، أو أن فاعله «كافر»، ومن جعل ذلك شيئا واحدا فقد ضل ضلالا مبينا. وتابع العتيبي «ومنها التكفير بقول عالم عندهم دون النظر لحقيقة المسألة وحجمها ودون النظر للمخالفين له من أهل العلم.. وكذلك التكفير في المسائل النازلة، إذ إن من طبيعة النوازل أن يكون الحكم فيها اجتهاديا لا نص فيها بعينها. وردا على سؤال «قال: ما وجه خطأ تلك الجماعات في تطبيق قاعدة (من لم يكفر الكافر فهو كافر)، قال العتيبي «إن إساءة استعمالهم لتلك القاعدة يرجع إلى عدم تفريقهم بين الكفر القطعي والكفر الاجتهادي.. فبدلا من حصرها فيمن كفره الشرع بالقطع واليقين راحوا يستعملونها في المسائل الاجتهادية الخلافية». ورأى العتيبي أن الإقدام على التكفير بغير مكفر حقيقي يفضي إلى ممارسات قبيحة وشنيعة، منها الطعن في العلماء المخالفين ووصفهم بأبشع الألفاظ، وقد يصل الأمر إلى تكفيرهم. واستحلال دماء وأموال المخالفين كما يحدث في الحالة السورية، ومن قبل العراقية في وصف المخالفين بالصحوات والمرتدين مما ترتب عليه مفاسد عظيمة، من تأخر النصر، وتقوية النظام البعثي والرافضي في كلا البلدين. وخلص إلى التحذير من التكفير بالأقوال والأفعال المحتملة، مع عدم توافر أدلة بينة على أنها من جنس المكفرات المقطوع بها، وداعيا إلى عدم التسرع في التكفير والكف عن التساهل في ذلك، درءا لكل المفاسد المترتبة على تلك الممارسات.